فضيلة الجفال

القوة الناعمة .. هل يمكن أن تبيع الحب؟ «2 من 2»

كل دولة ولها قوتها الناعمة في توظيفها. فآسيا مثلا لها حضورها الكبير في براءات الاختراع والصور المتحركة وألعاب الفيديو والإلكترونيات، ولا ننسى قوة بوليود الهند السينمائية. والقوة الناعمة الأوروبية تنافس أمريكا في الفنون والآداب والأزياء والأطعمة والمراكز الخمسة الأولى في عدد جوائز نوبل في الأدب والموسيقى والسلم والتعدد الثقافي والدبلوماسية العامة. ومن هنا أذكر قيمة المملكة بورقتها قوتها الناعمة التي تلعبها في المساعدات الإنسانية على مدى تاريخها. ولا أعتقد ستتلاشى من ذاكرة الأمريكيين صورة مدير شركة أرامكو في هيوستن الجذابة والإنسانية مع سيدة أمريكية انهار بيتها في إعصار كاترينا. حينها تداولت الصحافة تبني المملكة إعادة بناء بيوت الأمريكيين في المنطقة المنكوبة. لا يمكن الاعتماد فقط على الصداقات والتحالفات السياسية. ينبغي أن يصرف على القوة الناعمة بالتوازي مع القوة العسكرية الصلبة. والقوة الناعمة ليست دعاية سياسية، بل هي سجال هادئ عميق وطويل الأمد. في السنوات الأخيرة لم يكن هناك حضور تركي بارز في المنطقة العربية، كان هناك نوع من الفتور حتى ظهرت المسلسلات التركية المدبلجة عن الحب والرومانسية، كذلك الأمر بالنسبة للغرام السعودي باليابان من خلال نجومها الشباب في مسلسلات يابانية. من ينكر التأثير الياباني اليوم في جيل جديد من السعوديين؟. الثقافة هجوم ناعم غير محدد فاعله. القوة الناعمة هي العنصر الثابت في السياسة المتحركة.

نمو القوة العالمية للصين يعني أن صورتها مهمة وأهم من أي وقت مضى. وتنفق الصين مليارات على الدعاية الخارجية مقابل أقل من مليار بكثير تنفقه الولايات المتحدة على الدبلوماسية العامة. ربما السبب الأهم هو أن الصين تستخدم قوة المال الناعمة في زيارات الدول من توقيع الاتفاقيات التجارية والاستثمارية والقروض السخية وحزم المساعدات الضخمة. ما يعني استخدام النفوذ والسيطرة من خلال المال. ويمكن أن يكتسب النظام السياسي في البلاد والسياسة الخارجية الاحترام وبالتالي يسهم ذلك في قوته الناعمة. تنفق الصين على قناة تليفزيونية بالإنجليزية 24 ساعة، بست لغات حول العالم. كذلك الإذاعة تتحدث 38 لغة ومكاتب خارج البلاد. وهي في مجملها حرب الخطاب مع الغرب وعلى رأسه أمريكا ودعاية مضادة. هذا عوضا عن دور السفارات وأجهزتها الإعلامية. لكن تعليق أوباما في المؤتمر الصحافي الأخير كان ملغما تجاه الصين، ردا على المشكلة البروتوكولية حين نزوله من الطائرة ومنع وفده الصحافي الأمريكي من مرافقته. قال أوباما إن الأمريكيين لا يتخلون عن قيمهم في الزيارات. وذلك نقد ربما مبطن للصين في التعامل مع الرأي والحجب والصحافة بشكل عام، حيث هناك قوائم سوداء لصحافيين أمريكيين ممنوعين من دخول الصين، وعقوبات لوسائل إعلام دولية. فنون الصين ومطبخها وشعبيتها تحظى بنجاحات لا سيما تلك المتعلقة بالتاريخ الإمبراطوري. كذلك نجوم الدفاع عن النفس والرياضة. وكما تفعل الإمارات على المستوى الخليجي، تنخرط الصين أيضا فيما تسميه “الدبلوماسية المضيفة”، بعقد كبير من المؤتمرات لجذب تجمعات كبيرة تروج للواقع الصيني.

لكن ورغم تعدد القوى الناعمة من نفوذ ومال وثقافة شعبية وطاقة ونفط، ورغم كل ما يمكن فعله، تواجه الدول معارك شاقة حين تتناقض الخطابات والسلوكيات، وحين لا تدرس متى وأين وماذا، وحين لا تقتنص الفرص، وحين تعتبر الأمر روتينا بائتا، وحين لا تواجه بشكل حاسم واستراتيجي، وحين تخفق الدول ولا شك في التنمية البشرية رأس المال الكبير.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

فضيلة الجفال

كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]
twitter: @fadilaaljaffal

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *