أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

اليأس نقيض الحياة

سير الأمم والأشخاص تجارب ثرية لا بد من أن نستفيد منها، وننتبه جيدا لما فيها من معان ودروس وعبر، فمن ركام اطلال وخراب مر على أمم، ظننا أن الحروب دمرتها والأهوال قد هدمتها، يحدثنا المؤرخون، وينبئنا التاريخ بفساد هذا النظر، وعدم صحة تلك الظنون، إذ إن إرادة شعوب تلك الأمم وتضافر جهودها مكنت هذه الأمم من الخروج من أزمتها، وأن تحول الخراب بناء والضعف قوة والانكسار عزيمة خلاقة، وإذا بتلك الأمم والدول تتصدر دول العالم مكانة وقوة وتقدما، ومن ذلك اليابان وألمانيا اللتان تجاوزتا الدول التي هزمتها ودمرتها. ولا يكتب لأمة أن تنهض وتخرج من بين الركام قوية ما لم تكن لديها ثلاثة عوامل جوهرية هي:
١- الإيمان بأن اليأس نقيض الحياة، فاستمرار الحياة وتعاقب الأمم وتبادل أدوراها هو سر من أسرارها، وهو يعني أنه لا توقف أبدا للحياة حتى يرث الله الأرض وما عليها، والأيام بين الناس متداولة بتفاوت رباني عظيم، عبّر عنه القرآن في الكثير من المواضع، ومنها مطلع سورة الروم،في قوله تعالى «وتلك الأيام نداولها بين الناس».
٢- ان الإرادة والعزم والعمل هي أدوات إحداث التغيير، ومن ثم فإن وجودها والتمسك بها واستمرار الحفاظ عليها مدخل طبيعي في تشييد بناء الأمم أو إعادة بنائها، ذلك إن إرادة الأمم وعزيمتها يتم استهدافهما لكسر شوكتها وسلب إرادتها، والتاريخ يزخر بنماذج بددت كل احتمالات اليأس والاستسلام من قبل الأمم والشعوب.
٣- ان الدول قد تشيخ، لكنها لا تموت، فتجدد الدماء، لذلك هي دائما تبث روحا خلاقة جديدة لا تتوقف، فيتم تجاوز من فشل أو أحبط أو استسلم أو توقف عطاؤه ومن عجز عن التفكير يأتي بدلا منه متعدد القدرات ومبدع بالتفكير، فاليأس ليس له درب أسر حياة الأمم ومضيها في الحياة.
وعلى صعيد الأشخاص، فإن الإنسان قد خلق متعدد القدرات، متجدد بالإمكانات والعطاء، فذاك المعاق الذي كان يستدر عطف من حوله تحول لشخصية فريدة مبدعة، وبلغ مراتب عجز عنها الأصحاء، لأن اليأس بالنسبة له نقيض الحياة، فلم تكسر إرادته، ولم تلن عزيمته، ولا يقف عمله وعطاؤه، فكان شخصا مذهلا في ما حققه.
وذاك الذي لم يتم دراسته وحاصرته عائلته وأعياه يتمه، وسخر منه زملاؤه لم تقتل إرادته، بل كان ذاك حافزا للتحدي، وأن يحقق نقلة حياتية مفعمة بالنجاح، فصار رئيسا لدولته، والآخر رئيسا للوزراء، والثالث وزيرا، والآخر رئيسا لأكبر شركة ناجحة، لأن اليأس نقيض الحياة، إنها دعوة جادة لأمتنا ودولنا ولشعوبها ولكل أبنائها أن يضعوا اليأس على الرف، وأن يبتعدوا عن اليأس، فمهما كانت الحياة قاسية في ظروفها، محبطة في تقلباتها، موجعة فيما تتركه ممارسات الناس فيها من ظلم أو قهر أو حتى لا مبالاة، فإنه لا بد أن يدرك كل منا أن الضوء الخافت في نهاية الطريق هو قمر منير وواحة فسيحة فيها هواء نقي يجدد الحياة ويبعث روحا خلاقة تفهمنا أن الحياة دائما وأبدا نقيضة لليأس، الذي لا يجد له محلا فيها لنؤمن بنهضة أمتنا ودولنا من جديد، بل وحياة كل واحد منا، فهلا أدركنا هذه الحقيقة.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *