عودة دبابير القاعدة

في الرابع من يوليو عام 2014، ظهر رجل ملتح بزي أسود يدعى أبابكر البغدادي على منبر الجامع الكبير في مدينة الموصل العراقية. كان ظهوره بمثابة الإعلان الرسمي لتأسيس دولة خلافة جديدة بتطلعات مفرطة تتجاوز المنطقة التي تسيطر عليها نحو العالم. هي التي كانت تسيطر على شرق سورية وغرب العراق حتى حين. كانت خطبة هستيرية تطلب المبايعة من مسلمي العالم وتعد بإعادة الكرامة والمجد، وتحثهم على الانتقال إلى الدولة الجديدة. تلك التي شكلت عامل جذب بسبب سهولة التنقل إلى موقعها بين العراق وسورية، وذلك مقارنة بمواقع القاعدة في أفغانستان والفلبين وشمال القوقاز. وقد كانت انتصارات وتوسع “داعش” الأولية بمثابة نصر إلهي بالنسبة لبعض مريدي القاعدة الذين رأوا في تبديل انتمائهم من “القاعدة” إلى “داعش” فرصة.

عامان فقط منذ تلك الخطبة حتى هبت رياح الطائرات القاصفة على علب الكرتون فطيرتها. مني التنظيم بهزائم فادحة بعد سلسلة من عمليات تبناها في المنطقة والعالم وانتشار تسجيلاتها المروعة في القتل والتعذيب المبتكر.

وتقلصت الأراضي التي تتحكم بها “داعش”؛ خسرت الرمادي والفلوجة في العراق، وتدمر السورية والريف السوري الشمالي على الحدود مع تركيا، وأطيح بميليشياتها في ليبيا من مقر قيادتها في مدينة سرت، وخسرت ما تبقى قريبا في الموصل في العراق والرقة في سورية.

منذ برز نجم تنظيم داعش، توارت صورة تنظيم القاعدة وخفت بريقه. هل كان لذلك أن يستمر؟ لا يبدو الأمر كذلك مع تبادل الأدوار، برغم نقد القاعدة لداعش غير مرة فالتنظيم الجديد خائن والخليفة غير مؤهل، باعتبار داعش ابنة القاعدة غير الشرعية فرع العراق. ووصف أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة داعش بالخوارج الجدد. وقد تشتت الأنظار تجاه القاعدة حتى بالكاد يذكرها الإعلام. والآن تعود العدسة حتى ليبدو أن تنظيم القاعدة خطر تصعب السيطرة عليه بالنسبة للغرب مقارنة بالسيطرة السريعة على داعش، وذلك بسبب انتشاره الجغرافي الأوسع.

وظهر أخيرا حمزة بن لادن، نجل أسامة بن لادن، في أكثر من تسجيل صوتي يتوعد الولايات المتحدة بهجمات انتقامية. كما تناولت كثير من الصحف الأمريكية إمكانية عودة القاعدة إلى النور. وقد قرأت تصريحا لوزير الدفاع البريطاني أخيرا لصحيفة “تايمز” البريطانية، يقول فيه إن المخاوف من نمو “القاعدة” تعد من بين أسباب إبقاء بريطانيا على مئات الجنود في أفغانستان، مشيرا إلى أن التنظيم يعسكر جنوبي البلاد حيث كانت تقيم القوات البريطانية: “تنظيم القاعدة لا يزال حيا وناشطا في أفغانستان وسورية واليمن وأماكن أخرى. لم يتم القضاء عليه نهائيا ونحن مدركون ذلك. إنه تهديد مباشر جدا لبريطانيا وأوروبا. وزارة الدفاع والسلطات الأمنية على وعي بذلك”. كما قال نايجل إنكستر المدير السابق بالاستخبارات العسكرية البريطانية للصحيفة نفسها، إن “تنظيم القاعدة يعيد بناء نفسه بهدوء، وينتظر وقوع داعش تحت مزيد من الضغط حتى يستعيد نشاطه”.

تبادل أدوار الجماعات الإرهابية في المنطقة والعالم يعيد التركيز على صيغة الحروب المستمرة التي لا تنطفئ، ولاسيما أن العامل الأمني جزء من المواجهة كما هو جزء من اللعبة.