سامي النصف

وتحطمت الطائرات عند الفجر!

لم يكن الرئيس عبدالناصر في حاجة لتأميم قناة السويس عام 56 لتمويل مشروع السد العالي حيث قام الاتحاد السوفييتي بتوفير مبلغ مماثل للذي سحبه البنك الدولي وبشروط افضل وفوائد أقل، فالتأميم لم يكن قانونيا ولا يبرره ان القناة اقيمت بايد مصرية على أرض مصرية كحال عدم جواز تأميم محلات «هارودز» ونزعها من يد مالكها المصري محمد الفايد بحجة انها اقيمت بايد انجليزية على أرض انجليزية، وقد نتج عن هزيمة (لا نصر) حرب 56 فتح مضائق تيران للملاحة الاسرائيلية وبقي الأمر سرا على الأمة العربية حتى بدأت الاذاعة السورية عام 67 بمعايرة القيادة المصرية به فقرر ناصر، بانفعالية شديدة اشتهر بها، اغلاق مضائق تيران وسحب القوات الدولية بمخالفة صارخة لقرارات واتفاقيات الأمم المتحدة.

***

رصد رادار عجلون الأردني صباح يوم 5/6/67 اقلاع اسراب من الطائرات الاسرائيلية متجهة غربا فارسل بالشفرة «عنب.. عنب» للقاهرة الا ان تغيير رموز الشفرة الليلة الماضية منع استقبالها، في الوقت ذاته ارسلت اسرائيل للملك حسين الا يدخل الحرب ولن يصيبه ضرر وقد قام الملك بالاتصال بمصر حيث اجابه وخدعه المشير عامر بالقول: ان الطائرات المغيرة قد تم اسقاطها وان الطائرات المصرية تهاجم تل أبيب وان عليه ان يعلن الحرب على اسرائيل كي يحصد عنب الانتصار وهو ما تم، ثم بادر الملك حسين بالاتصال بالقيادة السورية طالبا منهم القيام بطلعات مشتركة لضرب الطائرات الاسرائيلية العائدة من مصر دون وقود أو سلاح بالجو أو على أرض المطارات الاسرائيلية وكانت الاجابة ان الطائرات السورية تتدرب استعدادا لحرب الكرامة ضد اسرائيل واستمرت تلك الاجابة كما يذكر الملك في لقاء مع صحافيين فرنسيين حتى مساء ذلك اليوم عندما انتهت اسرائيل من ضرب وتدمير جميع المطارات المصرية.

***

وكانت المخابرات المصرية ومعها اكذوبة رأفت الهجان قد اخفت حقيقة ان اسرائيل اضافت خزانات وقود لطائراتها الميراج قصيرة المدى مما مكنها من ضرب ابعد المطارات المصرية في الغرب والجنوب ولم يتم كذلك الابلاغ عن حيازة اسرائيل لقنابل انشطارية تدمر الممرات الجوية وتجعل الطائرات كالبط الجالس ينتظر قتله ما جعل القيادة المصرية تقبل بمبدأ تلقي الضربة الأولى خاصة بعد ان ابلغها وزير الحربية شمس بدران اكذوبة اخرى بأن وزير الدفاع السوفييتي تعهد بدخول السوفييت الحرب مع مصر ان لم تكن هي البادئة، وايقاظ السفير الروسي عبدالناصر فجر ليلة الهزيمة ليأخذ منه تعهدا بألا يكون البادئ بالحرب وجميعها خيوط في المؤامرة الكبرى على مصر.

***

وبعكس ما يقال لم يكن ضرب الطائرات المصرية هو سبب الهزيمة النكراء، فقد بقي 600 طيار مصري دون اذى، وكان بالامكان تعويض الطائرات المحطمة سريعا من الاتحاد السوفييتي ودول شرق اوروبا والجزائر والعراق لو بقيت القوات المصرية صامدة في سيناء ولم يصدر قرار الانسحاب غير المبرر في ثاني يوم للحرب الذي نسب كذبا للمشير عامر وهو من لا يملك تلك الصلاحية حيث ان الرئيس عبدالناصر هو القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو رجل عسكري وقد قُتل عامر لاخفاء حقيقة ان الأمر اتى من عبدالناصر بعد نصيحة مسمومة له من مستشاره الأوحد هيكل الذي ادعى ان جنرالا فرنسيا صديقا قال له: «ان الصحراء مقبرة لمن يدافع عنها» وما اكذب ذلك القول الذي اعاده لاحقا هيكل في مقاله «بصراحة» ليقنع به الشعب بعد ان اقنع قيادته، فسيناء هي جبال شماء وليست صحراء قاحلة كما ان الجنرال مونتغمري انتصر قبل سنوات قليلة في دفاعه عن الصحراء الغربية لمصر في موقعة «العلمين» ولم يول الادبار او يتسبب في انهيار جيشه بتلك المقولة الساقطة التي هي ـ لا ضرب الطائرات ـ سبب الكارثة.

***

آخر محطة: (1) يقول العميل الاسرائيلي باروخ نادل في كتابه الشهير «وتحطمت الطائرات عند الفجر» انه زود القواعد الجوية المصرية ليلة ضرب المطارات بالخمور والفتيات والراقصات وانه بقي ساهرا مع قائد سلاح الجو صدقي محمود حتى الخامسة فجرا وكانت بصحبتهم الراقصة سهير زكي وفتاة اخرى اسمها سميرة.. وامجاد!

(2) يظهر فيلم وثائقي شقيقي الجاسوس ايلي كوهين وهما يزوران مرتفعات الجولان ويوضحان كيف اقترح كوهين وعمل بنصيحته وزير الدفاع السوري لزرع اشجار عند كل موقع دفاعي وخندق في المرتفعات بحجة حماية الجنود من الشمس وبالطبع كبرت الاشجار عام 67 واصبحت دلالة لا تخطئ للقوات الاسرائيلية لمعرفة اماكن تواجد خطوط الدفاع السورية و.. امجاد!

(3) في ظهر يوم 8/6/1967 قامت الطائرات الاسرائيلية بضرب سفينة التجسس الاميركية «ليبرتي» لالتقاطها اشارات تسليم الجولان واصدر الرئيس جونسون امرا لاحقا بانقاذ ما تبقى من جنودها واغراقها و.. امجاد يا عرب امجاد!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *