سعيد محمد سعيد

أمامك طريق واحد… الواسطة!

 

إذا أردت أن تتفتح لك أبواب الفرج – إن كانت مغلقة في وجهك – وأنت من الناس الذين لديهم أفكار ومشروعات ودراسات تنفع البلد، وليس في مقدورك أن تصل إلى الشخص المسئول لتحصل على الدعم، فأمامك طريق واحد: وهو البحث عن واسطة قوية تأخذ بيدك إلى مكتب المسئول.

ومن الخطأ أن تعتقد في قرارة نفسك بأن الواسطة يجب أن تكون كبيرة وذات نفوذ! أبداً أبداً، اعتقادك غير صحيح، وكل ما عليك فعله هو أن تبحث عن شخص له «حظوة» ومقرب جداً من المسئول، و«يمون» عليه كما نقول بالعامية. فقد يكون ذلك الشخص إنساناً بسيطاً لكن المسئول يحبه ولا يرفض له طلباً. فتواضع قليلاً، واترك عنك المفاخرة بعلمك وشهاداتك الأكاديمية، وابحث عن ذلك الشخص. فالمقربون من الرؤوس الكبيرة اليوم، يمتلكون المقدرة لتسهيل الطريق أمامك. وماذا في ذلك؟

لا عيب إطلاقاً مادام أصحاب العقول والأفكار والمبادرات الإبداعية استسلموا للتهميش، فلا تستسلم. ولعلني كتبت قبل سنوات بضع «مقامات» تصلح لهذا «المقام»، وأعيدها لأنها ربما تناسب لمقامات سنوات قادمة – لا قدر الله – فما نريده هو العدالة لكل مواطن!

قال الراوي يا سادة يا كرام، بعد أن صلى على سيد الأنام، محمد عليه وعلى آله وصحبه الكرام السلام، إن مواطناً بحرينياً طموحاً أراد أن يقدّم مشروعاً يخدم فيه بلاده، ويعود نفعه على أهل البلد وعليه وعلى أولاده، فسهر الليالي يخطط ويكتب، ويعيد النظر مرة تلو الأخرى ويجدد أفكاره ويرتب، حتى أصبحت خطة المشروع مكتملةً من كل النواحي، وفائدته مضمونة للمواطنين في كل المدن والضواحي، ولم يكن ينقصه إلا خطوة… يقابل فيها مسئولاً ليناقش معه فكرة المشروع، فيحصل على السند والقوة.

حمل المواطن أوراقه، مليئاً بالحماس والطاقة، وتوجه إلى المسئول الأول، فتفاجأ بأن ليس في مقدوره أن يدخل ويتفضل، وجاءه الجواب بالرفض قبل أن يسأل، لكنه لم ييأس أو يتردد، ووجد في البحث عن مسئول آخر خطوة جيدة تزيل ما يمكن أن يتعقد. وراح إلى المسئول الثاني، فأمطره بالكلام المعسول والأماني، وأخبره بأنه سيتصل، وسيكون النقاش في الفكرة متصل. وخرج مسروراً لكنه لم يرجع. فلا المسئول عنه سأل. ولا سكرتيره اتصل!

لم يفقد الأمل بسبب ما قد حصل، فقصد المسئول الثالث والرابع، وتبعه الخامس والسادس والسابع، لكن المواطن فقد حماسه، وعاد يكرّر قوله عن التعس والنحاسة. قال محدثاً نفسه: «انتكست والله شر نكسة! فأقصى ما أتمنى خدمة بلادي، وأنفع الناس قبل نفسي وأولادي». وحينها قرّر صرف النظر، ليقبل القضاء والقدر! وهكذا حال الكثير مثله، اللاحقون بعده والسابقون قبله.

لكنه فوجئ ذات يوم، بفكرة أزاحت الهموم، قال له صديقه القديم: «إذا أردت يا أخي النعيم، وتضرب الضربة في الصميم، إذهب إلى فلان فهو الواسطة، وهو سيعطيك دروب الخارطة. فاسمع له يا صاحبي ما يقول. ونسأل الله لك القبول. فلان يا صاحبي صهر الوزير. وهو خدوم، ناصح قدير. يحبه الصغير والكبير»!

وجاء يوم الموعد المحدد، فصوب المواطن وسدد، أهدافه بحكمة ورقة، شارحاً الفكرة في دقة، لكنه شاهد صهر الوزير، مبرطماً يكرّر الزفير. فقال يا صاحبي ما ترى من فكرة يحتاجها الورى؟ فجاءه رد من البرود، لكنه كصفعة الخدود. عاتبه صهر الوزير ساعة، قال له لا ترتجي الشفاعة. مشروعك حبر على ورق، تفوحه وتشرب المرق!

***

إلى من يهمه الأمر: إذا أردتم للبلد أن تتطور وتتقدم وتنهض، أوقفوا المعايير القبلية والطائفية والتمييز والعنصرية، والازدراء والتشكيك في الانتماء الوطني، ورسّخوا مبدأ تكافؤ الفرص لكل أبناء البلد، مهما كانت ديانتهم وطائفتهم ومستواهم وميلهم السياسي والفكري والعقائدي… باختصار: لا تلونوا «الضمير» وفق هواكم.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *