د. أحمد الخطيب

الخطيب يكشف وثيقة الصقر والنصف والغانم والصرعاوي لعبدالله السالم

قدموا تقريراً مفصلاً بعد زيارتهم عدداً من العواصم العربية
لابد من تقديم الشكر إلى المسؤولين في وزارة الإعلام -على الرغم من عتبنا عليهم في تضييق مساحة الحريات العامة- على إنجاح الاحتفالية بعيد الاستقلال، التي أعادت الفرحة والبهجة إلى نفوس المواطنين.

هذه الاحتفالات التي شملت جميع مناطق البلاد، أعادت إلى الكويت هويتها الحقيقية في حب الوطن والولاء له، كما أعادت دورها الريادي الحضاري في كل المجالات، ليس على مستوى الخليج فحسب، بل على الساحة العربية كلها، وأصبحت المثل الذي يقتدى به، والصورة المشرقة التي تمثل الربيع الكويتي، الذي بدأ بوصول المرحوم الشيخ عبدالله السالم، بمساعدة كوكبة من رجالات الكويت الذين ضحوا بالغالي والنفيس، وبمؤازرة من شباب الربيع الكويتي، الذي تفانى بالعطاء والتضحية.
كما نشكر أجهزة الأمن التي تحمَّلت الكثير من الجهد والصبر لرعاية هذه الهبة المباركة، مع تحفظها على بعض الممارسات التي أملتها فلول الجاهلية الأولى، تملقاً أو ابتزازاً، ونأمل من الوزير الشاب أن يلجم مثل هذه التصرُّفات المعادية لحرية الإنسان وكرامته، فالحرص على حماية الوجه الحضاري للكويت من أول واجباته… وفقه الله في أداء هذه المهمة الجليلة.
وهنا، ومن باب الاعتراف بما جُبل عليه رجالات الكويت من خدمة لا توصف لرفع راية الكويت واحتلال مكانتها العربية والدولية التي تستحقها، ننشر للمرة الأولى الوثيقة التي قدمها هؤلاء لعبدالله السالم، بعد أن أنهوا مهمتهم تلك، وفيها سرد مفصَّل لما قاموا به، وأكثر من ذلك، قدَّموا تصوراً لما يجب أن تقوم به الكويت، داخلياً وخارجياً، لحماية استقلال الكويت وتبوؤها المركز اللائق الذي تستحقه، فلهم كل الشكر والثناء على هذه التوصيات التاريخية التي تضمنها هذا التقرير.
وكان هذا الوفد المتألق في الذكاء والإخلاص للوطن يتألف من كل من: عبدالعزيز حمد الصقر، ونصف يوسف النصف، ويوسف إبراهيم الغانم، وعبدالعزيز الصرعاوي، آملين أن تكون هذه الفزغة في الاحتفالية الكويتية إيذاناً باستئناف ربيعنا الذي فقدناه خلال هذه السنوات العجاف الطويلة.
اللهم اهدنا جميعاً سواء السبيل، لإنقاذ هذا البلد وتطهيره من كل المعوقات التي تهدد مصيره… آمين يا رب العالمين.
وهذه الوثيقة عبارة عن تقرير قدَّمه هؤلاء الرجال إلى الأمير الراحل عبدالله السالم، متضمناً رؤيتهم وتوصياتهم، بعد قيامهم بزيارات لعدد من العواصم العربية في الفترة ما بين 10 و26 يوليو عام 1961، محددين جملة من المعطيات والعوامل التي تساهم في حفظ استقلال الكويت واستقرارها. ونترك للقارئ قراءة تفاصيلها كاملة، ليعلم كيف كنا نخطط في السابق لتنمية البلد، وكيف وصلت الحال بنا في السنوات الأخيرة، بعدما ضاعت البوصلة.
محاولات للزجّ بالكويت في تكتلات إقليمية لا تعود بالخير على الأمة العربية
يجب أن نلعب دوراً بارزاً في دعم المشاريع الإنمائية العربية
كلما كان وضعنا الداخلي متماشياً مع نظام الحكم كان التقدير لنا أكبر

يتضمَّن هذا التقرير نتائج المحادثات والاتصالات التي أجراها الوفد في العواصم العربية التي زارها وبسط قضية الكويت أمام المسؤولين فيها، وتبادل وإياهم وجهات النظر بشأنها، ويسر الوفد بهذه المناسبة أن يسجل ارتياحه للتوفيق الذي ناله في جولته هذه، وما لمسه لدى المسؤولين في البلاد العربية بصفة عامة من روح التجاوب والتفهم التام لقضية الكويت، ولعل قرار جامعة الدول العربية بتاريخ 20/7/1961 الخاص بقبول الكويت عضواً فيها يعكس هذا النجاح والتوفيق في مهمتنا.
كما يسرنا أيضاً أن نسجل شكرنا لكل التسهيلات والجهود الموفقة التي قدمها ممثلو المملكة العربية السعودية في البلاد العربية التي قام الوفد بزيارتها.
وإلى جانب هذا، نود أن نورد في ما يلي الانطباعات التي خرج بها الوفد، نتيجة لقيامه بمهمته الموكولة إليه:

أولاً: انطباعات الوفد بشأن الدول العربية التي زارها:

أ – الجمهورية العربية المتحدة
كان موقفها معنا صريحاً غاية الصراحة، ولا يسيِّر موقفها هذا أي مطمع، وهي تعمل وفقا لمبادئ تؤمن بها، وتنظر إلى قضية الكويت في إطار من مبادئ القومية العربية والتيارات الدولية كذلك. وعندما تم الاتصال بالجمهورية واتفقت وجهتا النظر، بذلت الجمهورية كل جهدها في سبيل الوصول إلى ما اتفقنا عليه، لذلك، كان موقفها بالجامعة العربية وبالنسبة إلى الدول العربية الأخرى قوياً وذا تأثير مباشر في قبولنا عضواً في الجامعة العربية، وكذلك، فإننا نتوقع تأييداً مستمراً في المجالين العربي والدولي إذا ما نفذت قرارات الجامعة العربية.
ب- الأردن
يتشكك الوفد من موقف الأردن بالنسبة لقضية الكويت، وقد لمسنا لديه اتجاهاً إلى استغلال أزمة الكويت لمصالح مادية وسياسية، وذلك من حيث الإفادة من دخل الكويت من جهة، ولإدخال الكويت في تكتلات عربية مع الأردن من جهة أخرى.
ج – أما عن بقية الدول العربية الأخرى فقد كان موقفها بصفة عامة مؤيداً لقضية الكويت والوقوف إلى جانبها.
ولا تخرج انطباعاتنا عنها عما هو في التقرير، ومع ذلك، فقد أحسسنا أن العراق قد قام، ولايزال، باتصالات متتالية بهذه الدول، لتأييد وجهة نظره، ومحاولة إضعاف الكويت. لذلك، نرى وجوب الاستمرار في الاتصال بالدول العربية جميعها، حتى نكون على علم دائم بتطورات الأمور، وعلى معرفة تامة لوجهة نظر الكويت، وحتى تتاح الفرصة للرد على جميع المزاعم العراقية التي تصل إلى هذه الدول.

ثانياً: الشؤون الخارجية:

بعد أن أصبحت الكويت دولة مستقلة وعضواً في الجامعة العربية، وعلى أهبة الدخول في هيئة الأمم المتحدة، وهي الآن تهيئ نفسها لتبادل التمثيل السياسي والقنصلي، فقد بات من الواجب أن تكون هناك وزارة للخارجية مدعمة بالأكفاء من الرجال المخلصين الذين يستطيعون أن ينهضوا بالتبعات، ويتحملوا المسؤوليات، وكذلك، فإن الشؤون الخارجية أصبحت كثيرة التعقيد، متعددة الجوانب، وتستلزم جهازاً منظماً يتصف إلى جانب الكفاءة بالسرية التامة، كما يتصف بالمقدرة على إدراك القيادات السياسية واتجاهاتها، سواء في العالم العربي أو العالم أجمع.
إن بعثاتنا الدبلوماسية التي سنرسلها إلى الخارج يجب أن تقع على ركن متين في وزارة خارجية قديرة على توجيه هذه البعثات الدبلوماسية، التوجيه الذي يحقق مصلحة الكويت في إطار سياسة مرسومة.

ثالثاً: التمثيل الدبلوماسي:

لقد لمسنا أهمية وجود تمثيل سياسي للكويت في جميع البلاد التي زرناها، لنشرح للمسؤولين وجهة النظر الكويتية في جميع المشكلات المحلية والعربية والأجنبية، ولكي نوصل إلى حكومة الكويت اتجاهات الدول التي تمثل الكويت لديها. وهذه البعثات هي الرمز الدائم للوجود السياسي للكويت في كل دولة. وفي وجود هذه البعثات ربط للدول بالكويت، واعتراف دائم بها، ومكسب للكويت في المجالات الدولية، وما يبدو من عدم وجود من يمكن اختياره من الكويتيين لتمثيلنا في الخارج لا يجوز أن يكون عقبة وسبباً في تأخير البدء بالتمثيل الدبلوماسي، لذلك، فنحن نقترح أن يشرع فوراً بإرسال بعثة دبلوماسية إلى كل من:
أ – المملكة المتحدة: يرسل لها ممثل بدرجة سفير، ويمكن أن يعهد إليه مستقبلاً تمثيل الكويت في الدول القريبة من بريطانيا التي يمكن أن نتبادل وإياها التمثيل الدبلوماسي، مثل ايرلندا الجنوبية والدول الاسكندنافية وبعض دول القارة.
ب – المملكة العربية السعودية: يُرسل لها كذلك ممثل بدرجة سفير، ويمكن أن يكون مسؤولاً في المستقبل عن تمثيلنا في بعض الدول العربية المجاورة.
ج – الجمهورية العربية المتحدة: يُرسل إليها ممثل بدرجة سفير يمكن أيضاً أن يعهد إليه بمهمة المندوب الدائم لدى الجامعة العربية.
د – الولايات المتحدة الأميركية: يُرسل لها ممثل بدرجة سفير يمكن أن يقوم أيضاً بمهمة المندوب للكويت في هيئة الأمم ومنظماتها.
هذا، ونقترح أن تصدر التعيينات في التمثيل الدبلوماسي في الدول المذكورة أعلاه دفعة واحدة، باعتبارها المرحلة الأولى من مراحل التمثيل الدبلوماسي للكويت في الخارج.
أما المرحلة التالية، فإننا نقترح أن تكون كما يلي:
أولاً: الدول العربية الأخرى: يكون تمثيلنا الدبلوماسي لديها كما يلي:
أ – ممثل للكويت في شمال إفريقيا، يكون مسؤولاً عن ليبيا وتونس والجزائر والمغرب.
ب – ممثل للكويت في لبنان، يكون في الوقت نفسه مسؤولاً عن الأردن.
ج – ممثل للكويت في السودان، يكون في الوقت نفسه مسؤولاً عن العلاقات مع الدول الإفريقية الصديقة.
ثانياً: الدول الأجنبية:
1- ممثل للكويت في اليابان، يكون مسؤولاً في الوقت ذاته عن دول الشرق الأقصى.
2- ممثل في الهند، يكون مسؤولاً في الوقت ذاته عن باكستان.
3- ممثل في إيران، يكون مسؤولاً في الوقت ذاته عن أفغانستان.

رابعاً: التكتلات الإقليمية والدولية:

لقد لاحظنا أن هناك محاولات تبذل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة لزج الكويت في تكتلات إقليمية في المجال الغربي، وحيث إننا نؤمن بأن هذه التكتلات لا تعود بالخير على الأمة العربية، ولا على الكويت بصفة خاصة، فإننا نرجو أن نكون يقظين في المحافظة على العلاقات الودية مع جميع البلاد العربية، من دون أن نُدفع أو نندفع إلى صف معين، لأن هذه التكتلات، وبالأخص الكتلة التي أحسسنا أنها تعمل لجذبنا إليها، تستهدف استغلالنا، لا مصلحتنا. وقد ظهر ذلك واضحاً من الحديث الذي استمعنا إليه من المسؤولين في الأردن، كما أشرنا إلى ذلك في التقرير.
أما في المجال الدولي، فإن هناك محاولات لإدخال الكويت إلى ميدان الحرب الباردة بين الشرق والغرب، وقد وضح ذلك من متابعتنا للمناقشات التي دارت في مجلس الأمن أثناء بحث شكوى الكويت ضد العراق.
لذلك، فإنه من الواجب أن يعرف العالم أننا لسنا ضمن كتلة دولية معينة، وأن ما يسيّرنا هو مصلحة الكويت في نطاق مصلحة الوطن العربي الكبير.

خامساً: العلاقات مع الجمهورية العربية المتحدة:

تتمتع الجمهورية العربية المتحدة بمكانة خاصة في كلا المجالين الدولي والعربي. فهي عضو بارز في الدول غير المنحازة وعضو بارز في الهيئة الإفريقية الآسيوية من جهة، كما أنها من جهة أخرى لها دورها الخاص وتأثيرها القيادي الفعّال على مجريات الأحداث، باعتبارها أقوى وأكبر دولة في المجال العربي.
وعلى هذا، فإننا نرجو أن ننتبه إلى هذه الأهمية الخاصة في علاقاتنا بالجمهورية العربية المتحدة، والعمل على استمرار هذه العلاقات بما يضمن مصلحة الكويت، ويؤكد الروابط الأخوية بيننا وبين شقيقاتنا الدول العربية.

سادساً: إسهام الكويت في المشاريع الاقتصادية والإنمائية في البلاد العربية:

نظراً لما أنعم الله به على الكويت من ثروة مادية كبيرة، فإن الدول العربية، على ضوء ما لمسنا في محادثاتنا مع المسؤولين فيها، ترغب في أن تسهم الكويت معها في بعض مشاريعها الإنمائية والاقتصادية لرفع مستوى شعوبها بما يحقق الرفاهية لها. وحيث أن الكويت قد أصبحت عضواً في الجامعة العربية، وأخذت مكانها اللائق بها بين شقيقاتها الدول العربية، فإننا نرى أن على الكويت في المستقبل أن تلعب دورها البارز في هذا المجال، وتسهم في تحقيق المشاريع الاقتصادية والإنمائية في البلاد العربية، حتى تثبت فاعليتها ومقدرتها على تحمل أعبائها بين مجموعة الدول العربية.

سابعاً: التنظيم الداخلي:

من الانطباعات التي لمسناها في جولتنا أن الوضع الداخلي في الكويت له تأثير على تصور البلدان العربية لكيان الكويت، فكلما كان هذا الوضع سليماً ومتماشياً مع اتجاهات نُظم الحكم الحديثة كان التقدير للكويت أكبر.
وإنه لمن المؤسف أن الفكرة السائدة عند الكثيرين أن نظام الحكم لدينا لا يلتمس ولا يستند إلى رأي الجمهرة من الشعب.
ورغم الإجماع الشعبي بالكويت في الظروف القائمة، ورغم الصلة التي تربط الكويتيين جميعاً بحكم أنهم أسرة واحدة مترابطة ومتآخية، فإن مطالب الحياة العصرية الحديثة واشتراكنا في المجال الدولي، وتعقد أساليب الحكم، واتجاهنا لتطبيق الأنظمة الحديثة، تجعل من المتعذر على الغير أن يتصور إمكانية قيام حكم صالح، إلا على الأسس الديمقراطية التي تقتضي أن يسهم الشعب بصورة ما في تحمل مسؤوليات الحكم.
وإننا بإتاحة الفرصة لمثل هذا الإسهام، نقضي على سلاح استخدم ضدنا كثيراً، ولاشك أنه سيستغل بصورة أوسع إذا لم نبادر بإجراء التنظيم المناسب الذي يوصلنا إلى هذا الغرض، ويستدعي هذا التنظيم أيضا تنظيماً آخر يتعلق بناحيتين مهمتين.
الأولى: التنظيم الاقتصادي المبني على الأسس الحديثة والتخطيط المدروس الذي يهدف أساساً إلى رفاهية الشعب وضمان مستقبله.
الثانية: الحد من مظاهر البذخ والإسراف بالنسبة إلى جميع الكويتيين، وعلى الأخص مما يلفت النظر خارج الكويت، بما يعطي انطباعاً عن مقدرة فئة من الكويتيين على الإنفاق لا يمكن أن تتأتى لسائر أفراد الشعب.
هذا هو مجمل انطباعاتنا، راجين أن تحوز ملاحظاتنا هذه العناية والتقدير من حضرة صاحب السمو أميرنا المفدى، ومن المسؤولين جميعاً في حكومات سموه، كما نرجو أن يكون أخذ ملاحظاتنا بعين الاعتبار سبباً في تقدُّم الكويت ورفعة شأنها في فترة نحن أحوج ما نكون فيها للعمل المتميز في خدمة شعبنا،،،
والله الموفق.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *