سامي النصف

دمعة ساخنة على قبر ريما

مع تشكيل الحكومة الجديدة ولربما قرب انتخاب المجلس النيابي الجديد نضع جملة أخطاء وممارسات ماضية للحكومات المتعاقبة والقوى والكتل السياسية المختلفة، نرجو توقفها لأجل كويت أفضل وإيقافا لمشاريع تأزيم مستقبلية لم يعد الشعب الكويتي يحتملها بعد ان تسببت في تخلفنا، ومن ذلك:

1 ـ ضرورة ان يتوقف مرشحو مجلس الأمة عن إفشاء الثقافة السالبة في المخيمات الانتخابية ومحاربة حكومة لم تشكل بعد (!!) ومن ثم جعلهم أسرى لوعودهم ولمبدأ «المعارضة لأجل المعارضة» الذي أرغم الحكومات المتعاقبة على البحث عن الداعمين لها بكل الوسائل والأثمان، فما الذي يضر فيما لو تم تبني الطرح الموجب كوضع خطط لتحسين مستوى المعيشة والخدمة الصحية …الخ، كالحال في جميع الديموقراطيات الأخرى؟!

2 ـ على الحكومة ان تحد من استخدام المال السياسي كونه يثير الحنق الشديد عند الآخرين، ومثل ذلك التوقف عن الاعتماد على تكتل فئوي او طائفي كونه يخسرهم دعم من لا ينتمي لتلك التكتلات، فالمؤيدون والمعارضون يجب ان يكونوا من كافة الأطياف والطوائف.

3 ـ على المعارضة ان تتوقف عن تقديم سوء النوايا تجاه الحكومة الجديدة والتوقف عن اساءة استخدام او التهديد باستخدام أداة الاستجواب.

4 ـ على الحكومة ان تحرص على حصد الدعم الشعبي لا الاكتفاء بالتأييد النيابي عبر الاستخدام الأمثل والذكي لوسائل الإعلام، وان تستخدم مؤيديها من النواب في تمرير وتعديل القوانين والتشريعات لا الاكتفاء فقط بحشدهم عند الاستجوابات.

5 ـ على المعارضة ان تحارب الفساد لا بالتصريحات بل بالتشريعات وفي مقدمتها إنشاء «لجنة قيم» كحال جميع الديموقراطيات الأخرى لمحاسبة الفاسدين من النواب وقانون «الذمة المالية» وأي شيء أقل من ذلك.. هو ذر للرماد في العيون.

6 ـ على الحكومة ان تحرص على تطبيق القوانين والحفاظ على المال العام ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب وتقديم الأذكياء والأكفاء والأمناء على حساب من يجمعون.. الحرمنة والحمرنة..! وما أكثرهم في دهاليز الوزارات والمؤسسات الحكومية!

7 ـ على المعارضة ان تبادر بتعديل التشريعات التي تسببت في أفدح الضرر بالعملية التنموية في الكويت كمشروع «B.O.T» وقانون «الكويتية» وان تلتزم بقانون تجريم «الفرعية» حفاظا على الوحدة الوطنية التي برزت مؤخرا بين الشباب الكويتي ونرجو عدم النكوص عنها.

8 ـ على الحكومة ان تبتعد عمن يخسرها حب وود ودعم الناس، وقد قال الداهية معاوية «أحب الناس من حبب الناس فيّ»، وقال بعده الداهية درزائيلي «السياسي الجيد هو القصاب الجيد»، اي الذي يبعد من يضره وينفر الناس منه.

9 ـ على المعارضة ان تتوقف عن إملاء الشروط كضرورة إبعاد هذا الرئيس وحتمية تنحية ذاك الوزير.. الخ، فتلك أقوال وممارسات تضرب صميم عمل الدستور وتشريعاته المختلفة.

10 ـ على الحكومة ان تقبل بنتائج الانتخابات النيابية أيا كانت وتتعامل معها بإيجابية، وعلى المعارضة ان تقبل بنتائج التصويت تحت قبة البرلمان وتتعامل معها بايجابية وألا تلجأ للخروج للشارع كلما خسرت.. ولنا عودة لاحقة.

*****

آخر محطة:

(1) هطلت دموع من تابع على موقع «العربية» بالصوت والصورة النهاية المأساوية للشابة السعودية المفعمة بالحياة ريما نواوي (28 سنة) فنية طب الأسنان والمؤلفة ورسامة الكاريكاتير والمتحدثة بسبع لغات، والتي صارعت مرض السرطان بالابتسامة وحب الحياة فزرعت الأمل في قلوب الملايين ممن تواصلوا معها وتابعوا معاناتها عبر الإعلام ومواقع التواصل حتى فارقت الحياة ليلة الخميس الماضي.. الحياة جميلة وقصيرة فلنستمتع بها بدلا من التصارع وإحالة حياتنا وحياة الآخرين الى جحيم حتى آخر لحظة.

(2) أفريقيا يقتل شعوبها مرض الإيدز، والعرب يبيدهم مرض السرطان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

حسن العيسى

تسييس السياسة هو حدثنا التاريخي

حيرتني نائبة الحكم والأمثال التي يسجلها التاريخ الإنساني بسطور من ذهب سلوى الجسار ويا رب تحفظها من العين، فقد بصمت معها، وهللت لها حين ألقت مأثورتها العظيمة، في زمان من يوم عصيب، وبمكان اسمه برلمان التابعين، حين دوى صوتها عالياً وسط صمت الحاضرين بعبارة: “يا جماعة لا تسيسون السياسية…”!! وعم السكون والهدوء المكان، وظللت غيوم الوقار والحكمة سماء المجلس.
ماذا تقول نائبة “تسييس السياسة” اليوم! هي تدعو بضمير حي للنقاء الأخلاقي، وأن “… نضع النقاط على الحروف في شأن ما أثير عن وجود وثائق ومستندات لتحويلات مالية من جهات خارجية، ودعت إلى وضعها بيد القضاء الكويتي النزيه”، مشيرة إلى أنه بات من الواضح أن هناك من لديه علاقات مع جهات خارجية… كما جاء في جريدة السياسة عدد أمس…! ما هذه الكلمات يا سلوى فقد حفرت بها اسمك الرصين على صخور الزمن؟ نقاط، حروف، قضائية، علاقات، خارجية…!
حتى لا يتوه القارئ، فنائبة الحكم التاريخية تقصد النائبين أحمد السعدون ومسلم البراك (وربما غيرهما من نواب المعارضة) وما يثار الآن عنهما هذه الأيام في حفلات الانتقام وثارات الفساد السياسي من أنهما يقبضان من الدولة القطرية…!
أي نقاط وأي حروف تتحدث عنها نائبة “تسييس السياسة”! فمثلا لو وضعنا نقطة كما تريد سلوى على “الحاء” لأصبحت كلمة “حروف… خروف”، وخروف هي مفرد خرفان، والخرفان تتبع الراعي في أغلب الأحوال، ولو كان يجرها للمسلخ للتوسد في ما بعد منتصف موائد المرشحين ويحيط بها الرز ودعوات الصالحين بكمال الأمور…! ولنعد إلى كلمة أخرى مثل “نقاط”، فاذا أضفنا نقطة على “النون” وقبلها الألف واللام تصير النون تاء بمعنى “التقاط”، ونقول إن زيداً أو عَمراً من النواب “التقط” ورقة ملاحظة من وزير ما في جلسة للبرلمان، وإن نائباً أو نواباً “التقطوا بضعة ملايين في حساباتهم المصرفية مصدرها مجهول وسيبقى مجهولاً بحكمة الستر على الفضائح، وتلك حكمة من “عاداتنا وتقاليدنا” الاجتماعية ومن مأثوراتنا السياسية، فمثلاً إذا لاحظت عيباً أخلاقياً ما، ولو ارتفع هذا العيب والانحراف إلى مصاف الجريمة، نقول “استر على ما واجهت”، وأعتقد أن السلطة الحاكمة ستقتدي بحكمنا الاجتماعية وأعرافنا السياسية، وستستر آخر الأمر على مساكين البرلمان، كما سترت من عقود ممتدة طويلة على فساد معمم في جل مؤسسات الدولة.
ولماذا تريد سلوى زج القضاء في استعراضات الثأر السياسي للمجروحين، وما شأن القضاء بمثل هذه الإشاعات الانتقامية من السعدون والبراك. ارفعي نقطة من حرف القاف في “قضاء”، وتصير الكلمة فضاء، وهي كلمة تعني مساحة زمن بلا بداية ولا نهاية.
في آخر الأمر، كنت أود أن أعلق (وبالمناسبة زوايانا هي زوايا تعليق على أخبار، في أغلب الأوقات وليست مقالات لخلق فكر) على دعوة النائب سعدون حماد للقيادة السياسية إلى وقف التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية بعد أن فوجئ بما أثير من “تقديم رئيس وزراء قطر الشيخ حمد بن جاسم 200 مليون ريال إلى نائب كويتي وبالتزامن مع الاستجوابات”، لكن عدلت عن هذا بعد التفكير قليلاً في السجل السياسي لتصريحات النائب سعدون الحماد، فهي لا تستحق التعليق عليها، فالحدث التاريخي، يبدأ بمأساة ويعيد نفسه على صورة ملهاة، كما قال ماركس، ومجلس مدموغ بدمغة ماركة النائب سعدون حماد هو حدث تاريخي بذاته كان مأساة تراجيديا وسيعيد نفسه بشكل ملهاة.

احمد الصراف

المرأة والمثلية والعدالة

في أوج الصراع العنصري في جنوب افريقيا بين الأقلية البيضاء والغالبية السوداء، صرح القس دزموند توتو بأن من المؤسف حقا أن يلقى آلاف الأبرياء حتفهم في قضية نهايتها حتمية! نكتب ذلك بمناسبة القوانين المتشددة المتعلقة بحقوق المرأة في الأنظمة الاسلامية، وبالذات الخليجية، ومنها الكويت، التي بالرغم من تشريعها حقوق المرأة السياسية، فإن تشريعاتها الأخرى المتعلقة بالحضانة والنفقة والطلاق لا تزال تسحق المرأة وتذلها كل يوم، وزيارة واحدة للمحاكم أو للمحامين المختصين يمكن أن تبين حجم الظلم الذي تتعرض له الكثير من النساء نتيجة سوء معاملة زوج، وحتى أخ أو أب! ولا أدري لمَ يحدث كل ذلك، ونحن نعلم بأن اليوم الذي ستنال فيه المرأة «كامل» حقوقها ليس ببعيد، شاء السلف وبقية المتشددين أم عارضوا، وبالتالي أليس من الأفضل حفظ كرامة الأمهات والاخوات والزوجات من تعسف الرجال وظلمهم وسوء معاملتهم للمرأة، ولكل ما هو جميل ورحيم؟ والتوقف عن اعتبارها مجرد عورة وعيبا وخرقة بالية وشيطانا يجب تغطيته، ومكمن الشر والغواية، والسبب وراء كل مصائب الرجل، فهذا الاعتراف المبكر بحقوقها سيوقف حتما معاناة ملايين النساء في مجتمعاتنا، ويوقف سيل دموع المعذبات والمقهورات اللواتي تمتلئ مآقيهن بدموع غالية نتيجة ظلم الكثير من الرجال الجهلة والقساة القلب، الذين يفتقدون معاني الكرامة وعزة النفس!
وفي مبادرة غير مسبوقة أعلنت الامارات أن بامكان أبناء الاماراتية، من زوج غير اماراتي، مطالبة السلطات بجنسية الدولة متى ما بلغوا الـ 18 من العمر، وهذا يقرب المرأة خطوة لنيل ما سلب من حقوقها المهدورة، ويخالف العرف الظالم المتبع في غالبية الدول العربية، التي تحصر هذا الحق في الأب فقط! وحاليا تتبع تونس والجزائر والمغرب ومصر قوانين مماثلة، فالإمارات اقل صرامة في تعاملها مع المرأة، وغير معروف، بعد وصول المتأسلمين للحكم في دول الربيع العربي، ما سيكون عليه مصير مثل هذه القوانين المتقدمة!
ومن جانب آخر، تعتبر قوانين التفرقة الجنسية، وغير الدستورية في الكويت، كقانون التشبه بالجنس الآخر، وصمة عار في جبين من أقرّه من مشرعين ينتمون الى قرون خلت! فهو قانون متحيّز وناقص في أحكامه وتفاصيله، يجرّم فعل التشبه بالجنس الآخر، تاركا تفاصيل كثيرة لتقدير «رجل أمن» قد يكون متحاملا أصلا، إن بسبب تنشئته أو انتمائه، على كل ما له علاقة بالمرأة. والمؤسف أن أثر هذا القانون المعيب يمتد ليشمل حتى من لا علاقة لهم، أو لهن، بالتشبه، وخاصة أولئك الذين أثبت الفحص المختبري والرأي الطبي أنهم، نفسيا وفيزيولوجيا، من جنس مختلف عما هو مدوّن في هوياتهم الشخصية، وحتى بعد خضوعهم لعمليات تحول جنسية! ولكن هذا القانون المعيب، وغيره من «عادات وتقاليد بالية»، تجرم ما قاموا به من «تحول»، وتعارض طلبات تغيير مسمياتهم وجنسهم بحجج واهية، ويصرون على بقائهم في حالة لم يخلقوا لها أصلا!
والآن كيف يمكن الأخذ بيد هذه الفئة المظلومة، بالرغم من صغر عددها، ومساعدتها في محنتها، علما بأن بإمكان أي وكيل مساعد، في أكثر من جهة معنية، تسهيل أمورهم، ولكن خوفهم من سطوة التيار الديني وانكشافهم حكوميا، ربما يمنعانهم من التصرف بإنسانية أكثر!

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

الشعب النسَّاي

النائب المخضرم أحمد السعدون يحمّل الحكومة مسؤولية حماية الكويت من الانتخابات الفرعية والرشاوى.
النائبة رولا دشتي تقترح تشكيل لجنة تحقيق في حسابات النواب يكون أعضاؤها النائبين الصرعاوي وجوهر.
الحركة الدستورية تشارك في اقتحام المجلس، وتستنكر اقتحامه وترابط في ساحة قصر العدل للإفراج عن المتهمين في اقتحامه.
تلك هي تصريحات وتصرفات النواب وتياراتهم السياسية فور توارد أنباء عن حل مجلس الأمة.
النواب يعتقدون للأسف الشديد أن ناخبي الكويت هم مجموعة من الأغبياء لا يأخذون إلا نهاية التصاريح والأفعال منهم؛ على أن تجبّ هذه التصاريح ما قبلها من سلوكيات قريبة أو بعيدة.
نبدأ بأكبرهم سنا وتاريخا في المجلس النائب أحمد السعدون، وهو زعيم التكتل الشعبي الذي يضم بين صفوفه أحد نواب الفرعيات التي يطالب السعدون اليوم بمحاربتها، وهو من احتضنها بترحيبه بنائب مزوّر لإرادة الأمة ومتعدٍّ على القانون والدستور والدولة، ويعلم السعدون قبل غيره أن نائبه الفرعي لن يخوض الفرعية مجددا، فوجوده بقرب “ضمير الأمة” مسلّم البراك كما تحلو لهم تسميته و”الدستور الناطق” أحمد السعدون كما تحلو لهم تسميته أيضا كفيل بإنجاح النائب المزوّر لإرادة الأمة دون حاجة لفرعية جديدة.
السعدون بتاريخه الطويل ومواقفه المتعددة يعتقد أنه يتعامل مع شعب أمي لا يفقه، فمجموعة تصاريح قبل الانتخابات كفيلة بأن تنسينا كيف قبل هو قبل غيره بامتهان الدستور من خلال ترحيبه بجرائم الانتخابات وتزوير إرادة الناس.
أما النائبة رولا دشتي التي رفضت، بل احتدم النقاش بينها وبين زملائها في كتلة العمل الوطني قبل أيام قليلة من استقالة الحكومة، رفضت أن يتم انتداب نائبين هما الصرعاوي وجوهر للتحقيق في البلاغات المقدمة من قبل البنوك إلى “المركزي”، لتأتي بعد استقالة الحكومة وتطلب انتداب الصرعاوي وجوهر لنفس الأمر بشكل آخر، وهو ليس مجرد استخفاف بعقول الناس فحسب بل تعمّد واضح لتغييب حتى ذاكرة الناس عما حدث قبل أيام قليلة من رفضها للدور الرقابي السليم المفترض من مجلس الأمة، وهي أحد أعضائه.
أما “حدس” فحدّث ولا حرج، فهم مساكين فعلاً فما زالت صفعة الشعب الكويتي لهم في الانتخابات الماضية تجعلهم يترنحون في مواقفهم، فهم مؤيديون للاقتحام لمن يعجبه ذلك، ومعارضون له لمن لا يعجبهم في طريقة سخيفة لاستجداء الأصوات، بل إن مرشحهم في الدائرة الثانية قد قام فعلاً بحجز مقر له في المنطقة قبل الحل وقبل الدعوة إلى الانتخابات أصلاً، وهو تعدٍّ على أراضي الدولة بالمناسبة.
ما أود قوله باختصار أن بعض النواب والتيارات السياسية قد كرروا الاستخفاف بعقولنا على مدى السنين الماضية وما زالوا، وهو أمر حقق لهم النجاح في مناسبات سابقة، ومن المخزي حقا أن يتحقق لهم النجاح اليوم، وهم يقولون علنا وصراحة إننا شعب غبي ننسى المواقف ونصوّت لتصريح.
دعونا ولمرة واحدة نرفض على الأقل هذا الطعن في عقولنا، ونقولها صراحة إن البقاء لمن يحترمنا ويحترم الوطن والدستور فقط.

عادل عبدالله المطيري

الدروس المستفادة من ساحة الإرادة

لا شك ان الحراك السياسي في الأيام السابقة وما صاحبها من مناورات حكومية وبرلمانية أثرت على مسار الأحداث الأخيرة، إلا أن المتغير الأكثر حسما وتأثيرا كان موقف الشباب الكويتي والذي حضر بكثافة الى ساحة الإرادة في الأسبوعيين الأخيرين، مما شكل عامل ضغط غير مسبوق على الحكومة والنواب على حد سواء وأدى الى قرارات تاريخية.

وبالتأكيد لا أقصد استقالة الحكومة أو حتى حل مجلس الأمة ولكن ما كان يدور خلف الكواليس المهمة، عموما هناك دروس يجب أن تعيها الحكومة القادمة من خروج الشباب الكويتي لساحة الإرادة منها:

على الحكومة القادمة ان تعتمد على الكتل السياسية التي تتفق معها على النهج الحكومي، وتترك الأغلبية البرلمانية المزيفة التي تعتمد على المستقلين ذوي المصالح الخاصة، فقد أثبتت التجارب الحكومية السابقة فشلها.

وعلى الحكومة ألا تكابر إذا ما أخطأت ويجب أن تتراجع فورا، فتكلف الثبات على الأخطاء أكبر من التراجع عنه، حيث تبدأ المعارضة كأقلية ومع مرور الوقت وتراكم الأخطاء الحكومية تتشكل الأغلبية البرلمانية المعارضة. كما أثبتت الأحداث الأخيرة ان الشارع السياسي هو مكمن الخطر الحقيقي على الحكومة، فعندما انتهجت الحكومة السابقة سياسية إسقاط الاستجوابات عن طريق تحويلها إلى الدستورية ومن ثم شطبها مستغلة وجود ثغرات قانونية ودستورية، أدى ذلك الى تعطل الأدوات الدستورية الممكنة للنواب لمعرفة حقيقة اتهامات الفساد الكبيرة الموجهة الى الحكومة. بدأ الشباب الكويتي بالخروج الى الشارع معبرا عن غضبه من السياسات الحكومية ورغبة منه لمعرفة حقيقة التهم الموجهة للحكومة وبعض النواب، لقناعته بأن الحكومة ستمارس مبدأ شطب الاستجوابات أو على الأقل ستحول الجلسة الى سرية، مما أدى الى ان يطالب الشباب برحيل السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولا يمكننا أن نحسب تواجد الشباب الكبير وغير المسبوق في تاريخ الكويت في ساحة الإرادة وساحة قصر العدل على تيار سياسي معين، فالجميع كان حاضرا بل إن أغلب الموجودين هم شباب وطني ولا يتبع تيارا سياسيا بعينه، أخرجه الوضع الكويتي البائس والخطير، فقد تعاملت الحكومة السابقة مع البرلمان والدستور بطريقة استفزازية وتعدت عليهما بكل جرأة، ولم تترك خيارا أمام الشباب إلا الخروج إلى الساحات للتعبير عن غضبه.

لقد حاولت المعارضة النيابية ومنذ أكثر من عام أن تسقط الحكومة السابقة عن طريق الشارع ولكنها فشلت، لأن التيارات السياسية تستطيع حشد الآلاف فقط من المواطنين، ولكنها وحدها القضايا الوطنية هي القادرة على حشد الجميع.

احمد الصراف

سيدي الرئيس

لا أعلم، وأنتم بكل ما فيه من هم وانشغال، إن كانت ستصلكم رسالتي هذه، ولكني أكتبها على اية حال إبراء للذمة. أعلم جيدا، وهذا طبيعي تماما، أنك مشغول أولاً بمصيرك الشخصي ومصير الأقربين لك دما وفكرا. كما لا أشك في قلقك الكبير على مصير مجاميع الشعب السوري، وخاصة المنتمين لطائفتك ولبقية الأقليات، وبالذات المسيحيين منهم! وأدرك جيدا قلقك من احتمال وصول المتشددين دينيا للحكم، وما سيسعون لإحداثه من تغييرات جذرية في بنية الحكم وطريقته، وفوق كل ذلك لا أشك في وقوف غالبية الشعب السوري معك، إن محبة، أو خوفا من الخراب الذي يعتقدون بأنه سيأتي من بعدك، ولكن ربما تدرك يا سيدي الرئيس، أن كل ما تقوم به الآن من «مقاومة وقتل للمخربين» ما هو إلا تأجيل ليوم سيأتي حتما، ربما ليس غدا، ولكنه سيأتي حتما! وأستميحك العذر في ان أقول انه ليس بإمكان أحد تأجيل اليوم الذي ستعتقد فيه، لسبب أو لآخر، بأنك غير قادر على الاستمرار في الحكم، ولكن الخروج وقتها لن تكون له ظروف اليوم ولا طعمه المقبول الآن، وسيكون للتأجيل ثمن مخيف وخطير على سوريا وشعبها اولا وأخيرا، وعلى شعوب جاراتها وبضع دول أخرى! فما بإمكانك اليوم القيام به، بما عرف عنك من شجاعة، ومع كل ما تمتلكه، ولا تزال، من رصيد محبة واحترام بين غالبية ابناء شعبك، لا يمكن تأجيل القيام به، وبالتالي ليس أمامكم، يا سيدي الرئيس، غير الإقدام على ثورة سياسية وإصلاحية لم يجرؤ أحد في التاريخ على القيام بما يماثلها، وذلك بإلغاء قانون الطوارئ، وكل القوانين الأخرى المقيدة للحريات، وفتح المعتقلات، وإعادة الجيش الى ثكناته، وصدور عفو عام عن الجميع، والدعوة خلال شهرين لانتخابات عامة وحرة لاختيار برلمان تأسيسي، تكون مهمته وضع دستور جديد للبلاد، والاختيار بين النظام البرلماني أو الرئاسي، ومن بعدها يمكنكم يا سيدي الرئيس، المشاركة في تلك الانتخابات، كأي مواطن غيور وحريص على مصلحة وطنه، أو كرئيس حزب سياسي محب لأبناء وطنه، وليس لديّ ذرة من شك في أن الشعب سيختاركم، ليس فقط لما اقدمتم عليه من نكران للذات، وتغليب للمصلحة العامة، بل وأيضا لشجاعتكم التي سيخلدها التاريخ!
وبغير ذلك سيستمر هدر الغالي من دم أبناء شعبك، على يد فئة اخرى منه، والقتل لن يجرّ غير القتل، ولنا جميعا عبرة وأسوة في التاريخين القديم والحديث.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

الجلوس على الركبة

أحمل في يدي اليمنى هذه المقالة، وفي اليسرى اعتذاراً عن غياب مقالتَي الثلاثاء والخميس الماضيين. والسبب، أقصد سبب غياب المقالتين، هو كل هذا الغبار النووي الذي ارتفع  في سماء الكويت، ما دعانا إلى ربط الاجتماع بالاجتماع، والنقاش بالنقاش، والاختلاف بالاختلاف، والصراخ بالصراخ، والضحك بالضحك، والإرهاق بالإرهاق… فتشوّشَ الذهن، وانكمش الوقت المخصص للكتابة، فخشيت أن أقدم شيئاً لا يليق، فاعتذرت، لأنني أرى أن “المقالة قصيدة” يجب أن يرسم بدايتها امرؤ القيس، ويتولى متنها وخاتمتها أبو الطيب المتنبي (يقول بعض النقاد: “الاستهلال – أي بدء القصيدة – لامرئ القيس، والبقية للمتنبي”).
وتسألني فأجيبك: ليس لدي نقطة شك في أن نواب البرلمان المقبل سيدخلون القاعة وهم مكشرو الأنياب، والدماء تقطر من أفواههم بعد كل ما جرى.
أمسك قلمك، أو قلبك، وسجل ما أقوله… سيتراوح عدد “الغاضبين” في البرلمان ما بين 32 و37 نائباً غاضباً، منهم 16 نائباً “مسجل خطر”، بزعامة أحمد السعدون، وأنت تعلم أن السعدون يمتلك صبراً يُخجل عمّال النسيج والسدو، ومعه “حامل البيرق” الملهم مسلم البراك، ود. جمعان الحربش، ود. فيصل المسلم، وعبد الرحمن العنجري، وأمثالهم ممن سيتولى قيادة “كتيبة المواجهة والصدام”. أما “كتيبة التطويق” فسيقودها مجموعة من الانتحاريين الشبان، كطارق المطيري، وخالد الفضالة، وعبد الله الأحمد، وأمثالهم من نواب الـ “كاموكازي”.
أما النساء النائبات، فيبدو أنهن “خسائر حرب”، باستثناء د. أسيل، التي “قد وقد”. وبالمناسبة، آه ما أشرس النساء اللواتي شاهدتهن في ساحتي “الإرادة” و”ناصر المصري”، وما أعمق اللواتي قرأت آراءهن في “تويتر” وفي “المدونات”.
عموماً، لن أشغلك بالتفاصيل، سأوجز لك… الشعب، في غالبيته، متأهب متحفز، يجلس على ركبته اليسرى ويثني ركبته اليمنى، كما يفعل عدّاء الأولمبياد قبل الانطلاق. ويقول البدو: “فلان مستفرس”، وهي كلمة تقال بعد الحرب مباشرة عن الفارس الذي قتل عدداً من الأعداء، ويلاحظ أنه حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها تبقى “شهية القتال” مسيطرة عليه، لذا يتفادى الجميع إغضابه. والشعب اليوم “مستفرس”، ألا هل بلّغت، اللهم فاشهد.
وأظن أن على الحكومة المقبلة، برئاسة الشيخ جابر المبارك، أن تطلب التفاوض في الحال، وأن تتفادى الصدام بأي شكل من الأشكال، بدءاً من أصواتها في انتخابات رئاسة البرلمان، وليس انتهاء بأصواتها في انتخابات اللجان، وأظن في الشيخ جابر المبارك – حتى هذه اللحظة – الظن الحسن، ما لم، و”ما لم” أداة تنقض الميثاق، وترفع الوضيع وتضع الرفيع.
وتسأل أكبر العرافين السياسيين، فيضم منكبيه ويمط شفته السفلى ويُظهر باطنها، دليل جهله، لكنني سأقرأ الفنجان وأتفحص الفلك فأقول: ستعود رئاسة البرلمان إلى الشعب، وستعود اللجان معها، ومكتب المجلس، وستتقدم الكويت خطوات، وستتوقف فترات متقطعة، بسبب فواتير الحكومة السابقة ولدواعي الطائفية التي ستنشط انتقاماً لغياب رئيس الوزراء السابق، قبل أن تتوقف الدولة وتبدأ مرحلة التراجع، ويبدأ الصدام من جديد، فينتصر الشعب مرة أخرى، وتنطلق الكويت انطلاقتها الدائمة.

سامي النصف

أعينكم على الحكومة وأعين الشعب عليكم!

  نحمد الله على ان سمو الأمير ـ حفظه الله ـ حفظ للكويت كرامة أمير المستقبل سمو الشيخ نواف الأحمد عبر تكليف الشيخ جابر المبارك بتشكيل الحكومة، فمن يدعي ان الجمع بين ولاية العهد ورئاسة الوزارة يحصن المنصب الأخير من التجريح والتعدي عليه ان يتذكر كم أصاب الشيخ سعد العبدالله رحمه الله من أذى وأزمات سياسية متتالية رغم جمعه للمنصبين، فصل الحكم عن الحكومة أمر محق ومثله تسييد مبدأ ان الحكم أهم من الحكومة.

***

كلمة يجب ان تقال بحق الشيخ ناصر المحمد الذي تعرضت حكوماته لظروف غير طبيعية، فقد كان راقي الأخلاق عف اللسان لم نسمع منه قط كلمة نابية او جارحة بحق مخالفيه والمتهجمين عليه، ويكفي ان أكبر عيوبه بنظر خصومه كرمه وسخاء يده ومساعدته لمن يقصده من المواطنين، والحق ما شهد به الأعداء قبل الأصدقاء.

***

عام جديد وحكومة جديدة برئاسة الشيخ جابر المبارك الذي عرف عنه الحكمة في الرأي والحسم في القرار والطهارة في اليد والصفاء في السريرة، ومطلب من الشعب الكويتي كافة بأن نعيش فترة هدوء تام تستمر لأعوام كي يمكن لبلدنا ان يتفرغ للإنماء والبناء وخلق مستقبل واعد للأبناء بعد ان ضاعت علينا عشرات السنوات في صراعات وأزمات سياسية متلاحقة لا فائ‍دة منها على الاطلاق أبقت طائرتنا قابعة ساكنة في المطار وطائرات الجيران تحلق سريعا في سماء الانجاز الأقرب للاعجاز.

***

أخيرا، ان كانت أعين بعض النواب الأفاضل مفتوحة كما ذكروا على اعمال الحكومة التي لم تشكل بعد (!) فإن أعين الشعب والناخبين مفتوحة على هؤلاء النواب، فإن استمروا في التهديد والوعيد والتأزيم المتواصل ثبت بما لا يقبل الشك مظلمة رئيس الوزراء المستقيل وثبت معها صدق مقولة ان التأزيم مطلوب لذاته تحقيقا لمكاسب شخصية وليس منها مصلحة الوطن وهو أمر خطير جدا يستحق من يقوم به المحاسبة الشديدة.

***

آخر محطة:

(1) نشرت الزميلة «القبس» في عدد أمس مؤشرات الشفافية ومحاربة الفساد الدولية، والملاحظ من قراءة الجداول ان دولنا الإسلامية تحتل وبجدارة كبيرة مؤخرة تلك المؤشرات في وقت تحتل فيه الدول العلمانية والليبرالية مقدمتها، ملاحظة أخرى هي ان الدول الخليجية «غير الديموقراطية» تحتل ومنذ سنوات طوال مقدمة قائمة مؤشرات الشفافية في المنطقة، بينما يقبع بلدنا العريق بالديموقراطية والذي يمتاز باستقلال القضاء والحريات الإعلامية ووفرة الأجهزة الرقابية ووجود جمعيات للشفافية والحفاظ على المال العام في مؤخرة الركب.

(2) أسئلة تطرح نفسها بناء على تلك المؤشرات المستمرة منذ سنوات منها: ما فائدة وجود كل تلك الأجهزة الرقابية التي تكلف الدولة مئات الملايين كل عام إذا لم تستطع الحد من الفساد؟! وهل هذه الأجهزة جزء من الحل ام انها باتت جزءا من المشكلة بعد اقتناع الناس باستشراء الفساد في بعض الأجهزة الرقابية كالسلطة التشريعية وغيرها؟ وإذا كان كل هذا الفساد قائما مع وجود كل تلك الأجهزة فماذا كان سيحدث لو كنا كالأشقاء دون أجهزة رقابية ودون حريات اعلامية تفضح المستور؟! الأرجح لن يبقى كُحل او حتى رمش في العيون.. دون سرقة!

(3) السبب الرئيسي لانتخاب الناس للأحزاب الاسلامية في دولنا العربية والإسلامية هو الاعتقاد الراسخ بطهارتهم ومحاربتهم للفساد، الغريب ان ايران والسودان وأفغانستان وحتى العراق المحكوم بأحزاب اسلامية يحتلون المراكز الأخيرة في مؤشرات الفساد الدولية.. يعني «لا طبنا ولا غدا الشر»!

حسن العيسى

نحو معارضة حزبية

ملاحظة محمد الجاسم للمعارضة في موقع “ميزان” صحيحة؛ فبعد أن وجه نصحه إلى الشيخ جابر المبارك بأن “العين عليه” رغم الوضع الصعب الذي يجد فيه الشيخ جابر نفسه بسبب أسرته (مجلس الشيوخ الحاكم) وبسبب التركة السياسية لمن سبقه (حدد الزميل محمد الجاسم هذه التركة بالشيخ ناصر المحمد ودور رئيس مجلس الأمة السيد جاسم الخرافي) بينما أعتقد أن الميراث المر يمتد إلى ما قبل الشيخ ناصر المحمد بكثير، وكانت بداية تراكماته تعلو ويخبو معها وهج ضوء “درة الخليج” عند لحظة إغلاق قبر الشيخ عبدالله السالم. يعود الزميل الجاسم بخطابه للمعارضة بأن عليها الآن أن تنقل نفسها إلى العمل الإيجابي (معارضة البناء)، وضربَ مثلاً وأمثلة للعمل الإيجابي المفروض على المعارضة العمل على تحقيقها، كتعديل قانون الإجراءات الجزائية، وأيضاً قانون تنظيم القضاء، كي لا تتكرر مسائل مثل احتجاز المواطنين على ذمة الحبس الاحتياطي مدداً طويلة في قضايا سياسية، ويختل التوازن المفترض بين التهمة (التي لم تصبح بعدُ جريمة بحكم نهائي) والعقوبة، فالحبس الاحتياطي هو إجراء احترازي (خشية من هروب المتهم) ولا يفترض أن يكون عقوبة بحد ذاته.
ولنتحدث عن المعارضة الإيجابية، وأرى أن أي معارضة، ولو لم يكن لها برنامج سياسي، أو قصرت دورها على الانتقاد والاعتصامات، هي “بطبيعتها” وبسبب علة وجودها، إيجابية مهما اختلفنا أو اتفقنا معها، فلا أحد يتصور وجود أي نظام حاكم من دون معارضة، مهما كان ذلك النظام كاملاً في عمله ومنهجه السياسي، وسواء حكمنا على هذه المعارضة بالرجعية والتخلف الحضاري أو بالتغريبية، حين تتبنى المرجعية الغربية. لكن العور والعيوب التي يفترض أن تضلع في تقويمها وإصلاحها تلك المعارضة يجب ألا تكون قاصرة على تعديل قانون الإجراءات الجزائية أو تكريس مبدأ استقلال القضاء والنأي به عن التجاذبات السياسية، فالمسألة يجب أن تكون حزمة تصورات لمشروعات قوانين تقتلع قوانين كثيرة من جذورها، قوانين أحالت أوراق الدستور إلى ورق تنظيف الواجهة السياسية للدولة (كدولة دستورية) في الشكل، ولكنها حقيقة ليست كذلك.
هناك أمثلة كثيرة لهذه القوانين المخجلة، وهناك أمثلة أكثر لمشروعات قوانين تائهة، وهناك غياب متعمد أو “لا اكتراث” لتنفيذ تلك القوانين القائمة (على سبيل المثال لا الحصر قانون المرور ونسله المتمثل في حرب الشوارع) وهناك تصورات يمكن أن نفكر فيها، من قانون الجنسية الظالم لمستحقيها إلى الكثير من مواد قانون الجزاء، حين تصادر أبسط الحقوق والحريات الخاصة، إلى قانون المطبوعات والنشر، إلى قانون العزل الجنسي في الجامعات، إلى غياب تشريعات تنظم حقوق العمالة المنزلية… والقائمة طويلة، والعبرة ليست بوجود قانون ظالم أو غياب قانون كان يمكن أن يحقق العدالة، بل الداء هنا هو غياب إرادة جادة في تحقيق العدل والإصلاح عند أهل السلطة.
حتى تضطلع تلك المعارضة المحصورة في تكتلات سياسية بهذا الدور (الإيجابي) يجب أن تشرع في تحويل نفسها إلى أحزاب سياسية منظمة ببرنامج عمل واضح، سواء باركت السلطة الحاكمة تلك الأحزاب أم لعنتها. وحين تصبح لدينا أحزاب نقرأ برامج عملها بعيون ثاقبة ونقيّم مواقف قياداتها، يمكن لنا عندئذ ـ وعندئذ فقط ـ أن نرفع الرأس قليلاً.

احمد الصراف

تساؤلات البحيري

وصلت، أو ستصل قريباً، أحزاب دينية للحكم في أكثر من دولة عربية. وسيمر وقت قبل أن تكتشف شعوبها أن ما سمعته من وعود لم يكن أكثر من خواء، فهذه الأحزاب لم يصدر عنها، خلال 80 سنة، أي «منافستو» واضح يبين كامل رؤيتها ومواقفها من عشرات القضايا الخطرة التي تشغل بال شعوبها وتقلقهم، فهم يطالبون بالحكم فقط، وبعدها «يصير خير»! ويستثنى من ذلك ما سبق أن أعلنوه من مواقف من قضايا هامشية كتعدد الزوجات وفرض الحجاب وإطالة اللحى، وهي أمور لا تقترب من القضايا الخطرة. وفي مقال للزميل المصري سامي البحيري، في «إيلاف»، نشر قبل فترة، ذكر أن أياً من أحزاب مصر الدينية لم تعلن صريح موقفها من إسرائيل غير نيتها إلغاء معاهدة السلام معها، فهل مصر مستعدة لخيار الحرب مثلاً، ونصف الشعب يعيش تحت خط الفقر؟ وماذا عن أميركا، فعداء هؤلاء لها واضح، ولكن هل سيستمر أم ستتغلب «وصولية» الإخوان والسلف في نهاية الأمر؟ وماذا عن المعونة الأميركية والسلاح وقطع الغيار؟ وماذا لو امتنعت الدول العربية الغنية عن مساعدة مصر وتونس مثلاً، فهل بإمكانهما التخلي عن العرب؟ وماذا عن البطالة، وقد بلغت الملايين؟ هذا غير مشكلة تزايد السكان، ومتطلباتهم من سكن ومستشفيات وطرق؟ وماذا عن السياحة، مصدر النقد الأكبر في مصر وتونس والمغرب، هل ستتم مراقبة تصرفات السياح ومنعهم من الترفيه، والأنشطة الأخرى من بارات وكازينوهات وفنادق، وعدد من يعتمد عليها في معيشته فيها يفوق العشرة ملايين بكثير؟ كما تعاني الدول المرشحة لحكم الإسلاميين من ديون ضخمة تدفع عليها المليارات كفوائد ربوية، فكيف سيتم التعامل معها، ومع القروض الدولية؟ وهل سنجد أنفسنا أمام موجة هائلة من الفتاوى التي تحلل وتحرم الكثير من الأمور لأن «مولانا الشيخ» يرى ذلك؟ وماذا عن المتاحف وما بها من تماثيل، هي في حكم الأصنام، وتلك التي في الميادين، هل سيتم تحطيمها كما حطمت طالبان تمثال بوذا في بانيان، وكبير السلف في مصر هو الذي وصف حضارة الفراعنة بالعفنة؟ وماذا عن دور السينما، ونوعية الأفلام، ومعاهد الموسيقى ومئات آلاف المشتغلين بمختلف الفنون والثقافات، من تلفزيون وإذاعة ومنشورات، وكبير السلف سبق أن وصف نجيب محفوظ، رمز ثقافة مصر، بأنه عار عليها؟ وما الموقف من تأسيس أحزاب علمانية وليبرالية وحتى شيوعية، وعن الكثير من مواد الدستور «غير» الإسلامية؟ وهل ستبعث الخلافة الإسلامية؟ وماذا عن مسيحيي الكويت لو أصبح لكم قرار في الحكم، هل ستفرضون الجزية عليهم، يدفعونها عن يد وهم صاغرون؟ كما أن في مصر وحدها 8 ملايين مسيحي، فهل سيجبرون على مغادرة وطن عاشوا فيه لآلاف السنين؟ وماذا عن بناء الكنائس وإقامة الحدود على أهل الكتاب، فمن قتل مسلماً يقتل ومن قتله مسلم.. يعزر؟
وحيث إن كل هذه معضلات خطرة لا تستطيع أي جهة دينية، مهما ارتفع كاحلها، الإجابة عنها، فإن أمام من يتسلم من هؤلاء الحكم أحد طريقين: إما لحس كل سابق تصريحاتهم وتطبيق القشور من الأمور من لحية ورداء ونقاب، والاعتراف بالواقع، وهذا سيكشف كذبهم ومراءهم، وإما تطبيق ما يعتقدون أنه شرع الله، حسب فهمهم، ووقتها سيحل الخراب.

أحمد الصراف