محمد الوشيحي

الضفدع والأكواب الثلاثة

سابقاً، كنا وكانت حدس (الحركة الدستورية الإسلامية… ممثل الإخوان المسلمين في الكويت)… كنا لا ننام إلا بعد أن نغلق أبواب بيوتنا ونتأكد من إحكام إغلاق نوافذنا، خشية مرور “حدسي” متلثم. كنا كلما زارنا حدسي تحسسنا مسدساتنا، وكلما غادر تفقدنا أصابعنا وأشياءنا، وحمدنا الله إذا لم نفقد شيئاً منها. كنا نتناصح “إذا كنت رئيساً لموظف حدسي فابحث لك عن منصب آخر، فالحدسي سيقفز قفزة الضفدع الجسور ويتجاوزك، فتحزن فتُضرب عن الطعام فتجوع فتموت مقهوراً مدحوراً مكسورا… رحمة الله عليك”. كنا وكانت حدس تلاعبنا ألاعيب الحواة، تُمسك الأكواب الثلاثة المقلوبة على الطاولة وفي إحداها كرة صغيرة، وبسرعة تبدّل مواقع الأكواب، ثم تسألنا: “وين الكرة يا شطار؟”، فنجيبها ببراءة: “في الكوب الأوسط”، فتبتسم لنا بخشوع وهي تجمع فلوسنا: “للأسف خسرتم، كانت الكرة في الأيمن”، وكانت الحكومة هي التي توفر لها الأكواب والكرة وتحشد لها الجمهور: “قرّب قرّب بص بص”. وتباعدت المسافات بيننا وبين حدس، وطلّقنا بنتهم وطلّقوا بنتنا، وبعد أن كانت إبلنا ترعى في رياض حدس بلا حماة لاعتقادنا بورعها، أعدنا إبلنا إلى رياضنا وطوّقناها بخيرة فرساننا ليحموها من غدر حدس، وبنينا سياجاً بيننا وبينها أمتن وأطول من سور الصين العظيم. ودارت الأيام ومرت الأيام ما بين بعاد وخصام، كما تقول أم كلثوم بلسان مأمون الشناوي، إلى أن ظهر في ديار حدس رجل اسمه “جمعان الحربش”، يحمل سحنة الصدق وملامح الطمأنينة وغضبة بني وائل، يقود مجموعة من الشبان الغاضبين، فاقتحم بهم خيمة القيادة، فكسروا الأكواب ورموا الكرة، وهدموا السياج، وأرسلوا إلينا: “هاتوا إبلكم إلى رياضنا بلا حماة، نحن حماتها، وهاكم امرأتكم وأعيدوا إلينا امرأتنا حفظاً للشمل”، قبل أن يحتذوا بالأديب الفرنسي “دوما” فيمزّقوا مؤلفاتهم المخادعة ويشرعوا في كتابة مؤلفات جديدة، وانتزعوا حدس من أحضان الحكومة ليعيدوها إلى أحضان الناس. هنا، استقبلنا جمعان وجيشه الشاب وحدس بالأحضان، وأكملنا قصيدة مأمون الشناوي: “وقابلته، نسيت إني خاصمته… ونسيت الليل اللي سهرته، وسامحت عذاب قلبي وحيرته… معرفش ازاي أنا كلمته”. وولدت حدس جديدة، صادقة واثقة، وماتت حدس القديمة ذات الغمزة واللمزة، لكن روحها مع الأسف الحارق والألم الخارق انتقلت إلى جسمين سياسيين آخرين، متناقضين، “التجمع السلفي” و”التيار المدني”.* وفجأة… أطال التيار المدني لحيته وقصّر ثوبه وحمل مسبحة حدس القديمة ورسم على جبهته زبيبة تشبه زبيبتها، قبل أن يتبنى سياسة “الضفدع الجسور” الذي يجيد القفز إلى المناصب بنظام “هوووبّا”!  في حين قصّر التجمع السلفي لحيته قليلاً، وأطال ثوبه قليلاً، ليتشابه شكلاً ومضموناً مع حدس القديمة، قبل أن يضع أكوابه الثلاثة مقلوبة على الطاولة، ويطلب من الحكومة الصراخ في السوق: “قرّب قرّب بص بص”. ونحن إذ نتابع ما يفعله “التيار المدني” و”التجمع السلفي” نقول: “رحم الله (حدس)، فقد كانت أكثر حياء”… نقول ذلك ونحن ننتظر ولادة “جمعان” في كلا التيارين السياسيين، يكسر الأكواب ويقتل الضفدع.

* الحديث هنا عن جزء من التيار المدني وجزء من التجمع السلفي.

حسن العيسى

احتفال الفلسفة بإمارة الإكسات

بمجرد أن النائب x محمد هايف (إكس بمعنى السابق) علم أن حفلاً سيقام في مدرسة متوسطة بمنطقة سعد العبدالله، بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة تتخلله ورشات عمل وندوات بريئة، سارع بإطلاق تهديداته التي اعتدناها منه ومن رفاقه في جيوش وسرايا جزاري ذبح العقول وسلخ العقلانية الإنسانية، متهما “الفلاسفة وما عليهم من شبهات… !” وأن الحفل فيه اختلاط للجنسين ولو كان هذا بفرض صحته هو “اختلاط أطفال” طاهر تتم فيه ندوات وحوارات تربي فيهم روح النقد والجدل الفكريين الغائبين عن إمبراطورية السلف المستبدة بالدولة الكويتية وشقيقاتها وجاراتها من الخليج الخامل إلى المحيط الفاشل. حفل سنوي للفلسفة يعني حفلة x وإكس تعني الآن مشهداً خلاعياً جنسياً بفيلم يستحيل أن يطأ دور السينما الكويتية المقطعة المشاهد، ومصنفاً بدرجة “إكس ريتد” لا يجوز للأطفال (ولا حتى العجائز الذين خمدت فيهم رغبات التناسل وجذوة العشق) مشاهدته والتفكير فيه، ومن هنا تصبح الفلسفة ذاتها “فاحشة جنسية” بدرجة x كبيرة من نتاج الغرب الكافر لا يصح أبداً الاحتفاء بها ويصبح المفكرون والفلاسفة من براميندس وسقراط في يونان ما قبل الميلاد حتى أكبر فلاسفة اليوم في الشرق والغرب دعاة فسق وفجور ودعارة، أي أن مكنة التفكير الحر ذاتها هي مشروع فسق متكامل يولد الشبهات ويهز عوالم اليقين وحقائقه المطلقة الكاملة التي تعيش تحت ظلالها أمة التكفير لا التفكير. زميلنا بمهنة المنطق العقلي الصارم، أي مهنة القانون وزير التربية x (أي السابق) أحمد المليفي، الذي يقوم بتسيير العاجل من الأمور في التعليم والعدل، سارع متجاوباً مع نداءات النائب x محمد هايف وألغى الاحتفال ربما متصوراً أن مثل هذا الاحتفال يعد “فعلاً فاضحاً يخل بالحياء العام” كجريمة تعاقب عليها قوانين الجزاء في الكويت وبقية الدول التي على شاكلتها في إمبراطوريات العيب وتقنين الأعراف الرجعية المتزمتة، وبجرة قلم ألغى الاحتفال وترك الزميل باسل الزير يئن حزناً على ما حدث في إمارة x ليكتب مقالاً في “القبس” بعنوان “تعال أعلمك الفلسفة”! ولا أدري من هم الذين يريد الزميل باسل تعليمهم الفلسفة! فهذه لا يمكن تعليمها لحزب الإكسات الذين يعيشون في عوالم المطلقات واليقينيات، فهم لا يؤمنون بحرية العقل بالتفكير، ويجرمون حق الإنسان بالمعرفة والتأمل وتدبر معنى الوجود، ويرون أن منجزات الإنسانية العلمية والروحية من بركة المصادفة والقدر المكتوب وليست نتاجاً عقلياً تراكمياً تم بجهد مضن لفلاسفة ومفكرين مهدوا لعصر الأنوار في أوروبا بنهايات القرن السابع عشر لتجني الإنسانية في ما بعد ثمار عذابهم وشقائهم في العلوم الطبيعية والاجتماعية، وكلها في النهاية نتاج الفلسفة التي يعتقد النائب x محمد هايف أنها شبهة، حسب فقهه وفقه من والاه من وزراء الإكسات…! ولقد أسمعت يا باسل لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي.

احمد الصراف

إبراهيم الغانم والمفتشات

لا يكاد يمر شهر من دون أن نسمع أو نقرأ خبرا يتعلق بالكشف عن شحنة تهريب ضخمة، لا تتناسب وحجم البلاد، وغالبا ما تكون المواد المهربة مشروبات روحية، أو مخدرات خطرة من النوع البدائي، أو أكثر خطورة من التي تستحضر كيميائيا في مختبرات معقدة، وكان آخر تلك النجاحات، وأغربها، محاولة تهريب كميات كبيرة من وقود الديزل لدولة مجاورة في صهاريج ضخمة، للاستفادة من فرق السعر، المدعوم محليا. وورد في الخبر أن أحد المفتشين أحبط المحاولة، ورفض ما عرضه عليه المهرب (الآسيوي!) من رشوة بلغت ستين الف دينار!
جميل أن نرى هذا التفاني في محاربة الجريمة في خضم كل هذه الفوضى الإدارية والفساد السياسي الذي تعيشه البلاد منذ فترة طويلة، ولا أعتقد أن المفتش، أو المفتشين المعنيين بهذه الضبطيات، سيكونون بكل هذا التفاني والإصرار على حماية المواطنين والمقيمين من خطر سموم المخدرات بالذات، والروحية بريئة منها، لو كانت قيادتهم خربة وفاسدة، وبالتالي يستحق منا، الرجل النظيف، مدير عام الجمارك، السيد إبراهيم الغانم، تحية خالصة والشكر على جهوده وجهود العاملين معه، وهنا نتمنى عليه تشجيع العنصر النسائي للعمل في مهام التفتيش الجمركي، بعد ان أثبتت المرأة جدارتها في أكثر من ميدان كان مغلقا أمامها.
***
ملاحظة 1: نهنئ الكويت وانفسنا بفوز الاستاذ خليفة الوقيان بجائزة مدينة فلورنسا العالمية للابداع والتميز في الشعر، فهو يستحق هذا وأكثر.
***
ملاحظة 2: تبرع الاستاذ علي اليوحة، أمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون، بمجموعة من نسخ رواية «النمر الأبيض»، كهدية لقراء القبس، والنسخ متوافرة في استقبال الجريدة.

أحمد الصراف