سامي النصف

طيور الظلام

  مع انتهاء الحرب الكونية الثانية، خشي الغرب من سقوط الدول العربية تحت الحكم القمعي للاتحاد السوفييتي ومن ثم استغلاله لموارد العرب الطبيعية لتقوية جيشه، وعليه فقد قاموا بتحذير شعوبنا مرارا وتكرارا من الدعوات اليسارية والشيوعية والاشتراكية دون فائدة، ولما أعيتهم الحيلة سمحوا في نهاية الامر ـ اذا لم نقل ساعدوا ـ على وصول قوى اليسار للحكم في مصر والعراق وسورية وليبيا واليمن والسودان.. الخ حتى كفرت الشعوب بعد التجربة المرة بتلك المبادئ الهدامة بعد ان أضاعت نصف قرن من عمرها تحولت خلالها بلدانهم الى خرائب واطلال وتعرضوا فيها للهزائم والنكسات والقمع والطغيان ما جعلهم يترحمون بحق على عهود الاستعمار.

***

منذ اعوام وتحديدا العام 2001 والغرب يحذر شعوبنا دون فائدة من التوجه الاسلامي المتشدد (لا المثال الاسلامي التركي المعتدل)، ومرة اخرى يصيب الطرش الشديد اذان تلك الشعوب، لذا قد نشهد تكرار ما حدث في السابق ومن ثم السماح او حتى دعم وصول القوى الاسلامية المتشددة للسلطة، كي تشعر شعوبنا بعد خمسين عاما اخرى من العذاب والخراب بخطأ ذلك المسار والاختيار مع فارق ان الثمن هذه المرة قد يكون افدح من الهزائم العسكرية، حيث سيمتد لانقسام وانفصال وتجزئة دولنا العربية تحت رايات الاسلاميين المتشددين.

***

لذا، فعـندما نـطالب الـقـوى الاسلامية الـمعـتدلة بـأن يحرصوا على رفع شعار مدنية وليبرالية الدولة فإننا لا نقصد مناكفتهم او الحد من مكاسبهم، بل فقط الحفاظ على وحدة دولهم، حيث ان شركاءهم في الاوطان من اقليات دينية وطائفية وحتى عرقية سيتوجهون للانفصال والاستقلال (جنوب السودان كمثال) بمباركة دولية وأسوأ ما يمكن سماعه هذه الايام هو الاقاويل المخادعة لبعض المتشددين الاسلاميين كحال مرشح الرئاسة المصري حازم ابواســماعيل ان الاقـليات «تسـعد بـحكم المتشـددين الاسلاميين».

***

وإشكال حقيقي يجب ان يشغـل بال الاسـلاميين المعتـدلين وـمعـهم القوى الوطنية والليبرالية والعلمانية وهو ان كثيرا من الاسلاميين المتشددين ـ كحال الحزب الحاكم في السودان ـ يؤمنون بأن حكم امارة اسلامية خالصة في جزء من البلاد خير لهم من حكم بلاد بأكملها يشاركهم ويناكفهم فيها العلمانيون واصحاب الديانات الاخرى، لذا لا مانع لديهم حسب هذا المنطلق الديني الذي لا يؤمن اساسا بالوطنية او الدولة القومية من انفصال اجزاء من البلاد التي يصلون لسدة الحكم فيها، وهو امر مرشح للحدوث في المستقبل القريب في سورية ومصر واليمن والعراق وليبيا وحتى الجزائر والسودان مرة اخرى، وكم من جرائم ارتكبت بالامس تحت رايات «الوحدة العربية» وترتـكب اليـوم تحت شعار «الاسلام هو الحل».

***

آخر محطة:

 1 ـ ادعت كتائب القذافي ان حلف الناتو ابلغ القيادة الليبية بأن هناك اسرابا من الطيور البيضاء ترفرف في الصحراء لتدل الأتباع والمؤمنين والمريدين على مكان قبر القذافي، ان صدقت الرواية، وهي غير صادقة، فتلك على الارجح طير ابابيل ترمي ابرهة العصر بحجارة من سجيل على قتله الآلاف من شعبه، فحرمة دم مسلم واحد اعظم عند رب العباد من هدم الكعبة المشرفة الذي انتواه الطاغية الافريقي الآخر.. ابرهة الحبشي!

2 ـ لمعرفة كيف اضاع العرب بطيشهم وقلة حكمتهم وقراراتهم الخاطئة نصف قرن من عمرهم، نذكر ان حقبة ما قبل ثورات الخمسينيات كانت حافلة بالحراك السياسي حيث الديموقراطية والتعـدد الحـزبي والحريـات الاعــلامية التـي نفخر بـ «العودة» لها.

3 ـ لا تنظروا للانتخابات الاولى بعد الثورات، انتظروا الانتخابات الثانية.. ان سمح الفائزون بها!

احمد الصراف

إشارات وعلامات

في هذه اللحظات، وأنت تقرأ هذه الكلمات، تكون قد بلغت عمرا لم تبلغه من قبل، وكنت قبلها اصغر ما كان بإمكانك أن تكونه، فعليك أن تنعم بالحياة وتجعل كل يوم جديدا وسعيدا، ما استطعت لذلك سبيلا!
تطرأ علينا، ونحن نتقدم في العمر، تغيرات نفسية وفزيولوجية عميقة، حيث يتوقف البعض عن محبة ابنائهم ليتعلقوا لدرجة الوله بأحفادهم. كما يشعر من يتقدمون في السن بالسعادة عند الخروج من البيت، ولكنهم سرعان ما يحنون للبيت ويصبحون أكثر سعادة بالعودة اليه. ومع التقدم في العمر نشعر بأننا اصبحنا ننسى أسماء البعض، ولكن سرعان ما نكتشف أن من حولنا ليسوا بأفضل منا! ويصبح الأمر مضحكا أو مربكا عندما نكتشف أن شريك، أو شريكة، حياتنا، التي اعتمدنا عليها في تذكر أمور معينة هي أسوأ منا، وأن الأمور التي كنا نهتم بأدائها، أصبحنا لا نهتم بأدائها، ويصيبنا القلق لعدم اهتمامنا بها!
ومن علامات الكبر أن النوم أمام تلفزيون يصدر موجات صوتية من دون صورة اصبح أكثر راحة وافضل منه في الفراش. ونعلم اننا كبرنا عندما نكتشف أن الأجهزة الكهربائية التي بين أيدينا أصبحت تتطلب أكثر من معرفة ON وOFF. كما نبدأ بالإكثار من استخدام كلمات مثل آسف أو أعتذر وماذا، ولماذا، وكيف، ومتى، ولا أتذكر، وربما ولا اسمع! وعندما نضطر أحياناً، عندما نبلغ من العمر عتيا، لإصدار صوت من بطوننا المنتفخة من عشاء الليلة السابقة، فإننا عادة لا نكترث بما يقوله الآخرون عنا! ويكثر الهمس من حولنا، ويبدأ الجميع بالتحدث بصوت منخفض، وكأن هناك أسراراً جنسية لا نعرفها. وعندما نكبر ويصبح بإمكان البعض شراء ما يريد، لا نقوم بذلك بحجة أنه إسراف لا داعي له، أو أن من الأمان عدم اقتناء المجوهرات الثمينة. وعندما يتقاعد الرجل تعتقد الزوجة أن ايام الراحة والاستمتاع بالصحبة قد بدأت، لكن سرعان ما تشعر بأنها على استعداد لأن تقوم بأي شيء ليحصل زوجها على عمل، ويبقى خارج البيت! كما نكتشف فجأة أن أكثر ملابسنا من قياسات صغيرة، ولكن نرفض التخلص منها، مع علمنا أن لا إمكانية، فيما تبقى لنا من عمر، في أن نرتديها يوما. ومع الكبر نسمع الجميع ينادينا بـ «يا عمي» ويا «حجي»! وعندما نكثر من الاهتمام بإطفاء الأنوار، لغرض التوفير وليس الرومانسية، فهذا من علامات الكبر، ومن علاماته أيضا أن شمعات كيكة الميلاد تصبح أقل، فكل شمعة تمثل عقدا من الزمن وليس سنة! وفجأة نكتشف أن الكثيرين على استعداد للتخلي عن كراسيهم لنا في الحافلات وعند الطبيب، وما أكثر زياراتنا له، وما أن نسمع بنجاح أحدهم حتى نطلب رقم هاتفه وتخصصه. كما يتزايد عدد من يعرضون مساعدتهم لنا في حمل حقائبنا على درج الطائرة أو وضعها في خزانة الأمتعة العلوية. وتصل الأمور لذروتها عندما تبدأ بنسيان أسماء أحفادك!
إن التقدم في العمر يجعل كل شيء تقريبا يبدو سيئا، إلا أن هناك دائما أغاني قديمة لا نحب سماع غيرها، وأفلاماً قديمة لا نتذكر غيرها، وعادات قديمة لا نرغب في نسيانها، وأفضل من كل ذلك اصدقاء قدامى لا نتخلى عنهم بكل ما في العالم من مال! وعلينا بالتالي أن نستمتع بكل مرحلة عمر نمر بها.

***
• الفكرة من نص على الإنترنت، مع تصرف كبير.

أحمد الصراف