محمد الوشيحي

الجلوس على الركبة

أحمل في يدي اليمنى هذه المقالة، وفي اليسرى اعتذاراً عن غياب مقالتَي الثلاثاء والخميس الماضيين. والسبب، أقصد سبب غياب المقالتين، هو كل هذا الغبار النووي الذي ارتفع  في سماء الكويت، ما دعانا إلى ربط الاجتماع بالاجتماع، والنقاش بالنقاش، والاختلاف بالاختلاف، والصراخ بالصراخ، والضحك بالضحك، والإرهاق بالإرهاق… فتشوّشَ الذهن، وانكمش الوقت المخصص للكتابة، فخشيت أن أقدم شيئاً لا يليق، فاعتذرت، لأنني أرى أن “المقالة قصيدة” يجب أن يرسم بدايتها امرؤ القيس، ويتولى متنها وخاتمتها أبو الطيب المتنبي (يقول بعض النقاد: “الاستهلال – أي بدء القصيدة – لامرئ القيس، والبقية للمتنبي”).
وتسألني فأجيبك: ليس لدي نقطة شك في أن نواب البرلمان المقبل سيدخلون القاعة وهم مكشرو الأنياب، والدماء تقطر من أفواههم بعد كل ما جرى.
أمسك قلمك، أو قلبك، وسجل ما أقوله… سيتراوح عدد “الغاضبين” في البرلمان ما بين 32 و37 نائباً غاضباً، منهم 16 نائباً “مسجل خطر”، بزعامة أحمد السعدون، وأنت تعلم أن السعدون يمتلك صبراً يُخجل عمّال النسيج والسدو، ومعه “حامل البيرق” الملهم مسلم البراك، ود. جمعان الحربش، ود. فيصل المسلم، وعبد الرحمن العنجري، وأمثالهم ممن سيتولى قيادة “كتيبة المواجهة والصدام”. أما “كتيبة التطويق” فسيقودها مجموعة من الانتحاريين الشبان، كطارق المطيري، وخالد الفضالة، وعبد الله الأحمد، وأمثالهم من نواب الـ “كاموكازي”.
أما النساء النائبات، فيبدو أنهن “خسائر حرب”، باستثناء د. أسيل، التي “قد وقد”. وبالمناسبة، آه ما أشرس النساء اللواتي شاهدتهن في ساحتي “الإرادة” و”ناصر المصري”، وما أعمق اللواتي قرأت آراءهن في “تويتر” وفي “المدونات”.
عموماً، لن أشغلك بالتفاصيل، سأوجز لك… الشعب، في غالبيته، متأهب متحفز، يجلس على ركبته اليسرى ويثني ركبته اليمنى، كما يفعل عدّاء الأولمبياد قبل الانطلاق. ويقول البدو: “فلان مستفرس”، وهي كلمة تقال بعد الحرب مباشرة عن الفارس الذي قتل عدداً من الأعداء، ويلاحظ أنه حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها تبقى “شهية القتال” مسيطرة عليه، لذا يتفادى الجميع إغضابه. والشعب اليوم “مستفرس”، ألا هل بلّغت، اللهم فاشهد.
وأظن أن على الحكومة المقبلة، برئاسة الشيخ جابر المبارك، أن تطلب التفاوض في الحال، وأن تتفادى الصدام بأي شكل من الأشكال، بدءاً من أصواتها في انتخابات رئاسة البرلمان، وليس انتهاء بأصواتها في انتخابات اللجان، وأظن في الشيخ جابر المبارك – حتى هذه اللحظة – الظن الحسن، ما لم، و”ما لم” أداة تنقض الميثاق، وترفع الوضيع وتضع الرفيع.
وتسأل أكبر العرافين السياسيين، فيضم منكبيه ويمط شفته السفلى ويُظهر باطنها، دليل جهله، لكنني سأقرأ الفنجان وأتفحص الفلك فأقول: ستعود رئاسة البرلمان إلى الشعب، وستعود اللجان معها، ومكتب المجلس، وستتقدم الكويت خطوات، وستتوقف فترات متقطعة، بسبب فواتير الحكومة السابقة ولدواعي الطائفية التي ستنشط انتقاماً لغياب رئيس الوزراء السابق، قبل أن تتوقف الدولة وتبدأ مرحلة التراجع، ويبدأ الصدام من جديد، فينتصر الشعب مرة أخرى، وتنطلق الكويت انطلاقتها الدائمة.

سامي النصف

أعينكم على الحكومة وأعين الشعب عليكم!

  نحمد الله على ان سمو الأمير ـ حفظه الله ـ حفظ للكويت كرامة أمير المستقبل سمو الشيخ نواف الأحمد عبر تكليف الشيخ جابر المبارك بتشكيل الحكومة، فمن يدعي ان الجمع بين ولاية العهد ورئاسة الوزارة يحصن المنصب الأخير من التجريح والتعدي عليه ان يتذكر كم أصاب الشيخ سعد العبدالله رحمه الله من أذى وأزمات سياسية متتالية رغم جمعه للمنصبين، فصل الحكم عن الحكومة أمر محق ومثله تسييد مبدأ ان الحكم أهم من الحكومة.

***

كلمة يجب ان تقال بحق الشيخ ناصر المحمد الذي تعرضت حكوماته لظروف غير طبيعية، فقد كان راقي الأخلاق عف اللسان لم نسمع منه قط كلمة نابية او جارحة بحق مخالفيه والمتهجمين عليه، ويكفي ان أكبر عيوبه بنظر خصومه كرمه وسخاء يده ومساعدته لمن يقصده من المواطنين، والحق ما شهد به الأعداء قبل الأصدقاء.

***

عام جديد وحكومة جديدة برئاسة الشيخ جابر المبارك الذي عرف عنه الحكمة في الرأي والحسم في القرار والطهارة في اليد والصفاء في السريرة، ومطلب من الشعب الكويتي كافة بأن نعيش فترة هدوء تام تستمر لأعوام كي يمكن لبلدنا ان يتفرغ للإنماء والبناء وخلق مستقبل واعد للأبناء بعد ان ضاعت علينا عشرات السنوات في صراعات وأزمات سياسية متلاحقة لا فائ‍دة منها على الاطلاق أبقت طائرتنا قابعة ساكنة في المطار وطائرات الجيران تحلق سريعا في سماء الانجاز الأقرب للاعجاز.

***

أخيرا، ان كانت أعين بعض النواب الأفاضل مفتوحة كما ذكروا على اعمال الحكومة التي لم تشكل بعد (!) فإن أعين الشعب والناخبين مفتوحة على هؤلاء النواب، فإن استمروا في التهديد والوعيد والتأزيم المتواصل ثبت بما لا يقبل الشك مظلمة رئيس الوزراء المستقيل وثبت معها صدق مقولة ان التأزيم مطلوب لذاته تحقيقا لمكاسب شخصية وليس منها مصلحة الوطن وهو أمر خطير جدا يستحق من يقوم به المحاسبة الشديدة.

***

آخر محطة:

(1) نشرت الزميلة «القبس» في عدد أمس مؤشرات الشفافية ومحاربة الفساد الدولية، والملاحظ من قراءة الجداول ان دولنا الإسلامية تحتل وبجدارة كبيرة مؤخرة تلك المؤشرات في وقت تحتل فيه الدول العلمانية والليبرالية مقدمتها، ملاحظة أخرى هي ان الدول الخليجية «غير الديموقراطية» تحتل ومنذ سنوات طوال مقدمة قائمة مؤشرات الشفافية في المنطقة، بينما يقبع بلدنا العريق بالديموقراطية والذي يمتاز باستقلال القضاء والحريات الإعلامية ووفرة الأجهزة الرقابية ووجود جمعيات للشفافية والحفاظ على المال العام في مؤخرة الركب.

(2) أسئلة تطرح نفسها بناء على تلك المؤشرات المستمرة منذ سنوات منها: ما فائدة وجود كل تلك الأجهزة الرقابية التي تكلف الدولة مئات الملايين كل عام إذا لم تستطع الحد من الفساد؟! وهل هذه الأجهزة جزء من الحل ام انها باتت جزءا من المشكلة بعد اقتناع الناس باستشراء الفساد في بعض الأجهزة الرقابية كالسلطة التشريعية وغيرها؟ وإذا كان كل هذا الفساد قائما مع وجود كل تلك الأجهزة فماذا كان سيحدث لو كنا كالأشقاء دون أجهزة رقابية ودون حريات اعلامية تفضح المستور؟! الأرجح لن يبقى كُحل او حتى رمش في العيون.. دون سرقة!

(3) السبب الرئيسي لانتخاب الناس للأحزاب الاسلامية في دولنا العربية والإسلامية هو الاعتقاد الراسخ بطهارتهم ومحاربتهم للفساد، الغريب ان ايران والسودان وأفغانستان وحتى العراق المحكوم بأحزاب اسلامية يحتلون المراكز الأخيرة في مؤشرات الفساد الدولية.. يعني «لا طبنا ولا غدا الشر»!

حسن العيسى

نحو معارضة حزبية

ملاحظة محمد الجاسم للمعارضة في موقع “ميزان” صحيحة؛ فبعد أن وجه نصحه إلى الشيخ جابر المبارك بأن “العين عليه” رغم الوضع الصعب الذي يجد فيه الشيخ جابر نفسه بسبب أسرته (مجلس الشيوخ الحاكم) وبسبب التركة السياسية لمن سبقه (حدد الزميل محمد الجاسم هذه التركة بالشيخ ناصر المحمد ودور رئيس مجلس الأمة السيد جاسم الخرافي) بينما أعتقد أن الميراث المر يمتد إلى ما قبل الشيخ ناصر المحمد بكثير، وكانت بداية تراكماته تعلو ويخبو معها وهج ضوء “درة الخليج” عند لحظة إغلاق قبر الشيخ عبدالله السالم. يعود الزميل الجاسم بخطابه للمعارضة بأن عليها الآن أن تنقل نفسها إلى العمل الإيجابي (معارضة البناء)، وضربَ مثلاً وأمثلة للعمل الإيجابي المفروض على المعارضة العمل على تحقيقها، كتعديل قانون الإجراءات الجزائية، وأيضاً قانون تنظيم القضاء، كي لا تتكرر مسائل مثل احتجاز المواطنين على ذمة الحبس الاحتياطي مدداً طويلة في قضايا سياسية، ويختل التوازن المفترض بين التهمة (التي لم تصبح بعدُ جريمة بحكم نهائي) والعقوبة، فالحبس الاحتياطي هو إجراء احترازي (خشية من هروب المتهم) ولا يفترض أن يكون عقوبة بحد ذاته.
ولنتحدث عن المعارضة الإيجابية، وأرى أن أي معارضة، ولو لم يكن لها برنامج سياسي، أو قصرت دورها على الانتقاد والاعتصامات، هي “بطبيعتها” وبسبب علة وجودها، إيجابية مهما اختلفنا أو اتفقنا معها، فلا أحد يتصور وجود أي نظام حاكم من دون معارضة، مهما كان ذلك النظام كاملاً في عمله ومنهجه السياسي، وسواء حكمنا على هذه المعارضة بالرجعية والتخلف الحضاري أو بالتغريبية، حين تتبنى المرجعية الغربية. لكن العور والعيوب التي يفترض أن تضلع في تقويمها وإصلاحها تلك المعارضة يجب ألا تكون قاصرة على تعديل قانون الإجراءات الجزائية أو تكريس مبدأ استقلال القضاء والنأي به عن التجاذبات السياسية، فالمسألة يجب أن تكون حزمة تصورات لمشروعات قوانين تقتلع قوانين كثيرة من جذورها، قوانين أحالت أوراق الدستور إلى ورق تنظيف الواجهة السياسية للدولة (كدولة دستورية) في الشكل، ولكنها حقيقة ليست كذلك.
هناك أمثلة كثيرة لهذه القوانين المخجلة، وهناك أمثلة أكثر لمشروعات قوانين تائهة، وهناك غياب متعمد أو “لا اكتراث” لتنفيذ تلك القوانين القائمة (على سبيل المثال لا الحصر قانون المرور ونسله المتمثل في حرب الشوارع) وهناك تصورات يمكن أن نفكر فيها، من قانون الجنسية الظالم لمستحقيها إلى الكثير من مواد قانون الجزاء، حين تصادر أبسط الحقوق والحريات الخاصة، إلى قانون المطبوعات والنشر، إلى قانون العزل الجنسي في الجامعات، إلى غياب تشريعات تنظم حقوق العمالة المنزلية… والقائمة طويلة، والعبرة ليست بوجود قانون ظالم أو غياب قانون كان يمكن أن يحقق العدالة، بل الداء هنا هو غياب إرادة جادة في تحقيق العدل والإصلاح عند أهل السلطة.
حتى تضطلع تلك المعارضة المحصورة في تكتلات سياسية بهذا الدور (الإيجابي) يجب أن تشرع في تحويل نفسها إلى أحزاب سياسية منظمة ببرنامج عمل واضح، سواء باركت السلطة الحاكمة تلك الأحزاب أم لعنتها. وحين تصبح لدينا أحزاب نقرأ برامج عملها بعيون ثاقبة ونقيّم مواقف قياداتها، يمكن لنا عندئذ ـ وعندئذ فقط ـ أن نرفع الرأس قليلاً.

احمد الصراف

تساؤلات البحيري

وصلت، أو ستصل قريباً، أحزاب دينية للحكم في أكثر من دولة عربية. وسيمر وقت قبل أن تكتشف شعوبها أن ما سمعته من وعود لم يكن أكثر من خواء، فهذه الأحزاب لم يصدر عنها، خلال 80 سنة، أي «منافستو» واضح يبين كامل رؤيتها ومواقفها من عشرات القضايا الخطرة التي تشغل بال شعوبها وتقلقهم، فهم يطالبون بالحكم فقط، وبعدها «يصير خير»! ويستثنى من ذلك ما سبق أن أعلنوه من مواقف من قضايا هامشية كتعدد الزوجات وفرض الحجاب وإطالة اللحى، وهي أمور لا تقترب من القضايا الخطرة. وفي مقال للزميل المصري سامي البحيري، في «إيلاف»، نشر قبل فترة، ذكر أن أياً من أحزاب مصر الدينية لم تعلن صريح موقفها من إسرائيل غير نيتها إلغاء معاهدة السلام معها، فهل مصر مستعدة لخيار الحرب مثلاً، ونصف الشعب يعيش تحت خط الفقر؟ وماذا عن أميركا، فعداء هؤلاء لها واضح، ولكن هل سيستمر أم ستتغلب «وصولية» الإخوان والسلف في نهاية الأمر؟ وماذا عن المعونة الأميركية والسلاح وقطع الغيار؟ وماذا لو امتنعت الدول العربية الغنية عن مساعدة مصر وتونس مثلاً، فهل بإمكانهما التخلي عن العرب؟ وماذا عن البطالة، وقد بلغت الملايين؟ هذا غير مشكلة تزايد السكان، ومتطلباتهم من سكن ومستشفيات وطرق؟ وماذا عن السياحة، مصدر النقد الأكبر في مصر وتونس والمغرب، هل ستتم مراقبة تصرفات السياح ومنعهم من الترفيه، والأنشطة الأخرى من بارات وكازينوهات وفنادق، وعدد من يعتمد عليها في معيشته فيها يفوق العشرة ملايين بكثير؟ كما تعاني الدول المرشحة لحكم الإسلاميين من ديون ضخمة تدفع عليها المليارات كفوائد ربوية، فكيف سيتم التعامل معها، ومع القروض الدولية؟ وهل سنجد أنفسنا أمام موجة هائلة من الفتاوى التي تحلل وتحرم الكثير من الأمور لأن «مولانا الشيخ» يرى ذلك؟ وماذا عن المتاحف وما بها من تماثيل، هي في حكم الأصنام، وتلك التي في الميادين، هل سيتم تحطيمها كما حطمت طالبان تمثال بوذا في بانيان، وكبير السلف في مصر هو الذي وصف حضارة الفراعنة بالعفنة؟ وماذا عن دور السينما، ونوعية الأفلام، ومعاهد الموسيقى ومئات آلاف المشتغلين بمختلف الفنون والثقافات، من تلفزيون وإذاعة ومنشورات، وكبير السلف سبق أن وصف نجيب محفوظ، رمز ثقافة مصر، بأنه عار عليها؟ وما الموقف من تأسيس أحزاب علمانية وليبرالية وحتى شيوعية، وعن الكثير من مواد الدستور «غير» الإسلامية؟ وهل ستبعث الخلافة الإسلامية؟ وماذا عن مسيحيي الكويت لو أصبح لكم قرار في الحكم، هل ستفرضون الجزية عليهم، يدفعونها عن يد وهم صاغرون؟ كما أن في مصر وحدها 8 ملايين مسيحي، فهل سيجبرون على مغادرة وطن عاشوا فيه لآلاف السنين؟ وماذا عن بناء الكنائس وإقامة الحدود على أهل الكتاب، فمن قتل مسلماً يقتل ومن قتله مسلم.. يعزر؟
وحيث إن كل هذه معضلات خطرة لا تستطيع أي جهة دينية، مهما ارتفع كاحلها، الإجابة عنها، فإن أمام من يتسلم من هؤلاء الحكم أحد طريقين: إما لحس كل سابق تصريحاتهم وتطبيق القشور من الأمور من لحية ورداء ونقاب، والاعتراف بالواقع، وهذا سيكشف كذبهم ومراءهم، وإما تطبيق ما يعتقدون أنه شرع الله، حسب فهمهم، ووقتها سيحل الخراب.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

تحديات أمام الرئيس المكلف

اختيار الشيخ جابر المبارك لرئاسة الحكومة في هذه المرحلة الحساسة اختيار موفق ومستحق، فالشيخ المبارك لم يتورط في موضوع الإيداعات المليونية ولم يتورط في علاقات مشبوهة، كما أن لديه علاقات جيدة مع المسؤولين في دول الخليج الشقيقة، وليس لديه علاقات مزعجة مع إيران (أقصد مزعجة لدول مجلس التعاون)، والرئيس المكلف تربطه علاقات مميزة بالكتل البرلمانية المحافظة، مع أنه محسوب على التيار الوطني الليبرالي، لكل هذه الأسباب اعتقد ممكن اعتبار اختيار الشيخ جابر المبارك اختياراً مناسباً. ولكن!
هل هذه الظروف كافية لضمان نجاح الرئيس المكلف في مهمته؟ لا أعتقد ذلك! فأمامه تحديات من الضروري الانتباه إليها وعلاجها علاجاً صحيحاً وجريئاً وسريعاً، ولعل أهمها وأولها اختيار الوزراء الجدد لملء الفراغات الناشئة عن استقالات الوزراء في الحكومة الأخيرة، وكذلك اختيار الحكومة الجديدة بعد الانتخابات المرتقبة في مطلع فبراير 2012، والتحدي الكبير هو أن تطلق يده في الاختيار، ولا تفرض عليه أسماء معينة من قبل أصحاب «الكوتات» من أبناء الأسرة وآخرين. فالمعلوم من تشكيل الحكومات السابقة أن كل فخذ من أسرة الصباح له ممثل في الحكومة، وأن الشيوخ الكبار لهم «كوتة» في التشكيل، بينما المفترض أن يتم اختيار الوزراء من دون تقييد، حتى تكون المحاسبة مستحقة على الرئيس! ويا ليت تنتبه الأسرة الكريمة إلى المتغيرات الكبيرة التي حدثت في العالم أخيراً، وتهتم بترسيخ علاقات متينة مع مكونات الشعب، وتعيد بناء جسور اهتزت أركانها من خلال أحداث كلنا نعرفها.
التحدي الآخر هو معالجة قضية الإيداعات المليونية بشكل شفاف، وأعتقد أن إحالة الموضوع برمته إلى النيابة أحد هذه الحلول، وإن تمكن من أخذ رأي المجلس الحالي قبل حله، لتحديد خارطة طريق لهذا الحل، فهذا أفضل، شريطة ألا يستغل وجود أغلبية حكومية متورطة في تحديد هذه الخارطة!
تحدٍّ ثالث يواجه الرئيس المكلف، وهو إدارة العملية الانتخابية لمجلس أمة جديد، حيث يشترط هنا عدم انحياز أي طرف حكومي لأي مرشح سواء إعلامياً، أو في إنجاز المعاملات، وهي ظاهرة كانت واضحة في السنوات الماضية، ويرتبط بهذا التحدي تحدٍّ آخر وهو قيام بعض أبناء الأسرة بدعم بعض المرشحين مادياً للوصول إلى المجلس الجديد، كي يتم تكوين أغلبية خاصة لهذه الأطراف، ولعلنا نشاهد إدراكا جيداً لواقع جديد تتعامل معه كل الأطراف ينتج عنه رضا وقبول الجميع بنتائج الانتخابات.
تحدٍّ آخر.. وغريب.. وعجيب.. هو علاقته مع بعض نواب الدائرة الأولى! هؤلاء كانوا سنداً ودعماً للرئيس السابق، وكانوا معه على الخير والشر، وكانوا سبباً في تضليله واستمراره في أخطائه حتى طاح في الحفرة! اليوم هؤلاء صبوا غضبهم على النظام والحكومة والمجلس، لأنهم خرجوا من المولد بلا حمص، ولأنهم تفشلوا أمام أهل الكويت، الذين أثبتوا أن الأغلبية الصامتة كانت ضدهم، وأن «كلكهم» مع الأسرة والحكومة كان مكشوفاً! لذلك لن يسكتوا عن الحكومة الجديدة والرئيس الجديد، وسيكون لهم دور مزعج ومقلق، على الرئيس المكلف معالجته.
التحديات كثيرة.. ولا نقول إلا الله يعينه وييسر الأمور له ويسخّر خلقه له.