محمد الوشيحي

:الحروف… تنفجر أحياناً

يغني العاشق الأكبر، نزار قباني، في رائعته “من مفكرة عاشق دمشقي”: “ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا”، وأغني أنا بعد التحريف والتصريف: “ما أجبن الحرف إن لم يُسقط الرتبا”.
ويقول العارفون: “الخارق، هو من يخرق قوانين الطبيعة”، فالطبيعة، وهي الطبيعة، لن تحترمك إن أطعتها وأذعنت لأوامرها وانقدت لها كالخروف. خذها مني، الطبيعة امرأة، والنساء لا يلفتهن الباحث عن رضاهن. الطبيعة تبحث عمن يهز كتفيها، فهزهما كي تهتز لك، وإذا أردت تقبيل عنقها فلا تحشر رأسك بين رقبتها وحنكها، بل شد شعرها ليرتد رأسها إلى الخلف وينفتح “ملعب العنق” أمامك لا أم لك. الطبيعة أنثى، والأنثى تبحث عمن يُشعرها بأنوثتها، ولا تشعر الأنثى، السوية، بأنوثتها إلا في حضرة “المتمرد”.
اكسر واجرح وانزع وامزع وعالج وافعل كل ما هو غير عادي، فإذا لم تُغضب هذا وتُفرح ذاك، وتُبكي هذا وتُضحك ذاك، فلا تُتعب الأقلام ولا تزحم الأوراق ولا تشغل الحروف.
التفت وراءك إلى التاريخ واسأله: “هل خلّدت (العاديين)؟” وسيجيبك مستنكراً: “لا وقت لدي للحشو”.
تطرق أذنيك عشرات الآلاف من القصائد، ولا شيء منها يبقى ويستقر، كلها تمر كما تمر القوافل، باستثناء “القصائد المتمردة”… وتملأ عينيك ملايين المناظر، ولا شيء منها يبقى ويستقر، كلها تمر كما تمر السيارات على الطريق العام، ما عدا المناظر الخارقة… تدخل في حياتك عشرات الصبايا، ولا واحدة منهن تبقى وتستقر في ذهنك، إلا “الصبية غير العادية”، تلك فقط، لا غيرها، تبقى وتُبقي مكانها محجوزاً خلفها في الذاكرة والوجدان، لا تسقط بالأقدمية… وتمتلئ الصحف بالأخبار والمقالات، ولا شيء منها يبقى ويستقر، ما خلا “الأخبار الثائرة والمقالات المتفجرة”.
وعودة إلى نزار وقصيدته ذاتها، عندما يعلن فيها بصيغة السؤال، وهو يحض العرب على حمل البنادق لا الكتب دفاعاً عن فلسطين: “متى البنادق كانت تسكن الكتبا؟”، سامحك الله يا نزار، كل هذه الدماء التي تسيل من الحروف لم تلفتك؟ كم من كتاب متفجر، وكم من كلمة متشظية، وكم من سطر حارق، وكم من حرف خارق، وكم من فاصلة فاصلة، كل هذا لم يُثِرك؟ ليتك سألت كتبك وكلماتك وحروفك وفواصلك، أو كتب أحمد مطر وكلماته وأبياته وحروف قصائده قبل أن تكتب هذا الشطر.
أيا نزار، إن لم تكن تعلم فاعلم أن “أبا نواس” لم يكن ليخلد في أذهاننا لولا حروفه وقصائده، وهو الوقح الشاذ الشحاذ، الذي وُلِدَ لأم بغيّ، وترعرع بين العاهرات وفتيات الليل اللواتي كانت أمه تجمعهن في بيتها للباحثين عن المتعة بمقابل، وانتسب – أبو نواس – لأبٍ لا يُعرف أبواه، وأدمن الخمر ووو، ولا مبادئ له ولا أخلاق، ومع ذا هو خالدٌ في أذهان أهل الأدب وسائر العرب، فقط بسبب حروفه وكلماته، في حين تلاشى الملايين من حملة البنادق.

حسن العيسى

هذه أختك

شرطة الكويت أضحت شرطة دينية لا تختلف موضوعاً عن جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية، رجال الشرطة، لا بارك الله في حماسهم ولا في غيرتهم على الأخلاق المزعومة، أخذوا يهدرون كرامة البشر وحرياتهم دون حكم القانون، ولو كان حقيقة يوجد مثل هذا النص “الدراكوني” في قوانين القهر والتزمت لقلنا ليذهب هو ومن شرعه للجحيم.
حكايات مؤلمة نقرأها بين فترة وأخرى بالصحف تثير شغف الفضوليين وتروي نهماً جنسياً مكبوتاً في دولة الحرمان، منها ما نشر في جريدة الراي بالأمس عن توقيف دورية شرطة سيارة فجراً فيها رجل وامرأة على طريق الشاليهات، لاحظوا أن الجريمة في الخيال المريض، والتي أثارت شكوك شرطتنا الدينية، هي وجود ذكر وأنثى معاً في سيارة بطريق الشاليهات بلحظات الفجر…! الشرطة بعد أن فردت عضلاتها بدوريات الدعم ساقت “المجرمين” للتوقيف في المخفر، رغم أن الضحية “المجرمة” تحدت الشرطة بعبارة ولو جاء وزير الداخلية فلن أركب الدورية… لكن في النهاية كان النصر لجيوش الدوريات السائرة بهدي السلطة وبركة أهل التقوى، وتم فضح المرأة ومرافقها.
أين الجريمة أو الاشتباه بها في مثل تلك الحكاية المقرفة، ومثلها مئات الحكايات التي تنشر في صحفنا اليومية؟ هل وجود رجل وامرأة في سيارة بحد ذاته يشكل جريمة؟! وهل يخول مثل ذلك “الوجود” شبهة الجريمة حتى يطلب رجال الأمن البطاقات الثبوتية “للمتهمين”؟ وهل استتب الأمن في الدولة وارتفعت رايات النصر لحزب الفضيلة على ربوع الديرة بعد أن تم اصطياد هؤلاء المجرمين؟! أين حقوق البشر في خصوصياتهم، وأين أضحت كراماتهم في خرافة دولة القانون؟! ما شأنكم يا شرطة الكويت بحقيقة علاقة ذلك الرجل والمرأة؟! شقيقته أو قريبته أو زوجته أو خطيبته أو حتى عشيقته… ليس هذا من شأنكم ولا شأن من ولاكم أن تكونوا “بصاصين” ومراقبين مرعبين على حرياتنا تهدرون أبسط كراماتنا… إذا نحيتم القانون جانباً وتشبثتم بإرثكم الديني فتذكروا حكاية الفاروق عمر حين سمع أن أحدهم يشرب الخمر في منزله فتسلق عمر سور المنزل ليعرف الحقيقة، وحين واجهه المتهم، قال له الأخير إن ارتكبت أنا معصية فقد ارتكبت أنت يا أمير المؤمنين ثلاثاً… فقد قال الله ولا تجسسوا وأنت تجسست، ونهى عن التسور وأنت تسورت… إلى بقية الرواية، التي انتهت بحياء العادل عمر مما فعل وأغلق القضية… فأين أنتم من الفاروق… وأين أنتم بعد أكثر من ألف سنة من مبدأ “دو بروسس”، أي مراعاة حكم القانون في الإجراءات الجزائية؟!
قبل سنوات طويلة وفي أيامنا الجميلة التي ولت من غير رجعة في السبعينيات أخبرني صديق عن حكاية نقطة تفتيش في الشارع، وكان صديقي برفقة زوجته حين وقف عند الدورية… وبعد أن قدم صديقي رخصة قيادته سأله شرطي نقطة التفتيش عن السيدة التي كانت برفقته، وما علاقته بها… فكان رد صديقي سريعاً وحاسماً: هذه أختك.

احمد الصراف

نحن ونوبل

أشيع الكثير عن عدم حيادية مانحي جائزة نوبل، وأنهم مسيسون، وأن قراراتهم تخضع لحسابات محددة، إلا أن لا أحد مثلنا بالغ في الطعن في مصداقية ما منح منها، خاصة في حقل الاكتشافات والاختراعات العلمية والطبية! فما هو الاختراع، أو العمل الأدبي أو الفكري الهائل الذي انتجته العقول العربية والإسلامية، الذي لم يحصل على هذه الجائزة المرموقة؟ وعليه يعتبر الفوز بجائزة نوبل مؤشرا واضحا، وعادلا إلى حد بعيد، على تقدم أي أمة ومقدار مساهمة مواطنيها في الجهد البشري العام والمفيد في ميادين الاقتصاد والفن والأدب والعلم، وغير ذلك. وفي هذا الصدد، قام صديق بالبحث في موقع الويكيبيدا، وتحليل خلفيات من فاز بهذه الجائزة العالمية المرموقة عبر تاريخها الطويل، فتبين له أن من اصل 807 جوائز فاز الأميركيون بــ 333 منها، مقارنة بــ 20 للكنديين، و120 بريطانياً، 102 الماني، 27 روسياً، و58 فرنسياً، وفقط 19 يابانياً، أما السويد، وطن الجائزة، فلم يفز بها غير 29. ومن الظواهر اللافتة أن %20 من الــ 807 جوائز فاز بها يهود، ومن جنسيات متعددة، منهم 10 إسرائيليين! ولاحظ الباحث أن الخلفية الدينية لغالبية الفائزين بالجائزة عادة معتدلة، ضعيفة أو حتى معدومة غالبا، مع غياب لأي متشدد أو متعصب دينيا بينهم! مقابل ذلك فاز عشرة مسلمين بالجائزة: 8 رجال وسيدتان، ومن هؤلاء العشرة 6 عرب، أربعة منهم من مصر. والغريب أن 8 من العشرة فازوا بالجائرة في مجال السلام، ومن منطقة لم تعرف السلام إلا نادرا، اما الاثنان الآخران فجنسية أحدهما غير عربية، والاثنان تلقيا علومهما في الغرب!
أما النساء فقد فزن بــ 44 جائزة من اجمالي الجوائز، ومثل ذلك %5، علما بأن العالمة الفيزيائية ماري كوري، حصلت عليها مرتين!
ويعتقد صديقنا الباحث أن حصة النساء الضئيلة من جوائز نوبل تدعم وجهة نظر المدافعات عن حقوقهن من انهن يتعرضن للتفرقة والظلم! كما تؤيد النسبة نفسها وجهة نظر المتشددين الدينيين، ومن المسلمين بالذات، من أن النسبة نفسها تثبت افضلية الرجل على المرأة، وقوامته عليها… وتعال حلها!

أحمد الصراف