محمد الوشيحي

كوت وبلوت

والأمن مستتب، والناس تلعب الجنجفة، الورق بلغة الضاد… في المناطق الداخلية يلعبون «الكوت بو ستة» وهي لعبة تشع غباء سميكا يتقاسمه اللاعبون الستة بالتساوي المريح، غباء لن تجد له مثيلا لا في الصين ولا في النويصيب. وفي المناطق الخارجية يلعبون «البلوت» وهي لعبة يقال بأن مصدرها السعودية، وقيل بل فرنسا، واختلف الرواة. أما الكوت بو ستة فمصدرها البقر. والبلوت أقل غباء من شقيقتها الكوت، لكن لاعبيها هم أنفسهم الأغبياء، فهم يبتسمون في بداية الأمر ويتقاتلون بعد نصف ساعة على أحسن الأحوال: «وين غلام السبيت يا الحرامي؟»/ «الحرامي أبوك»/ «طلّق أختي منت كفو نسب»… ويحتدم النقاش، فيتدخل «العقلاء» بعد أسبوع لإصلاح ذات البين، وتذبح الذبائح وتعود المياه إلى مجاريها، وتعود المرأة المسكينة إلى عش الغراب، ويعود اللاعبان إلى التحدي مرة أخرى، ويبتسمون، وبعد نصف ساعة: «وين غلام السبيت يا الحرامي؟»/ «الحرامي أبوك»/ «طلّق أختي»… ويتدخل العقلاء.
والأمن مستتب، والكوت بو ستة حامية الوطيس، والبلوت تشتعل، وإيران تجرب صواريخها، فيفشل أحدها في الانطلاق فتلجأ إلى تزوير الصورة وترفع درجة استعداد الجيش إلى القصوى، والكوت حامية والبلوت تشتعل، والإسرائيليون وموسادهم لا ينامون استعدادا للأسوأ، والكوت بو ستة حامية والبلوت تشتعل، ورجال ونساء المخابرات الأميركية يشربون القهوة في أقداح خوفا من أن يداهمهم النوم في مثل هذه اللحظات، والكوت بو ستة حامية والبلوت تشتعل، وحكومة فنلندا تدرس إمكانية شراء كميات ضخمة من الذهب لمواجهة المتغيرات الاقتصادية المتوقعة في حال نشوب الحرب، والكوت بو ستة حامية والبلوت تشتعل، وجريدة الراي تتساءل عن استعدادات حكومتنا للطوارئ، فيجيبها مسؤول المياه: «مخزون المياه الاستراتيجي في أفضل أحواله»، فأقسم بأغلظ الأيمان وأطولها، أنا يا الوشيحي، بأن بين هذا الكلام والصدق مسير أربعين يوما بلياليها للبعير الأشعل، وكنا قد عرضنا في برنامج «مانشيت» على تلفزيون الراي كارثة تخزين مياهنا الاستراتيجية، التي سنلجأ لها لو قصفت محطاتنا، بجانب مكب النفايات السائلة.
والكوت بو ستة حامية والبلوت تشتعل، ومسؤول الكهرباء يبشرنا بأن الكهرباء مؤمنة (بتشديد الميم وترقيص الحواجب والمسح على البطن)، ويضحك الشعب ويستغرب كيف عجزوا عن توفير الكهرباء في السلم ويدّعون قدرتهم على توفيرها في الحرب، ويواصل الشعب لعب الجنجفة، فالكوت بو ستة حامية والبلوت تشتعل… ومسؤول الصحة يشرب النسكافية بالحليب ويصرح بأن وزارة الصحة جاهزة للحرب، وهي الوزارة التي عجزت في أيام السلم وطفرة الأموال عن توفير تكييف لغرفة العناية المركزة الوحيدة لعلاج قلوب الأطفال، وعجزت كذلك عن تأمين طبيب مناوب لمستوصف الصباحية وأشقائه، وأقوم أنا بالاتصال بأطباء ثلاثة وأسألهم عن نوعية الاستعدادات، فيجيبني أحدهم إجابة بليغة: «والله ولا كحّة تغيرت»، والكوت بو ستة حامية والبلوت تشتعل… وسمو رئيس الحكومة يسافر في كل الدنيا ويترك حكومته ويتركنا في الأوضاع العصيبة كالعادة، والقرار ينتقل من يده إلى يد النائب الأول الشيخ جابر المبارك، والشيخ جابر المبارك لن يتفقد استعدادات الطوارئ فهو أكبر من ذلك بكثير وربع، والكوت بو ستة حامية والبلوت تشتعل: «وين غلام السبيت يا الحرامي»؟/ «الحرامي أبوك»… ويتدخل العقلاء فيمنعون عرض المسلسلات في رمضان.

 

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *