سامي النصف

الوظائف العامة بين الوزير والخفير

نبحث في بلدنا دائما عن الحلول السهلة اي حلول الابيض أو الاسود، المنع المطلق او المنح المطلق، والحقيقة تظهر ان الخيارين يضران البلد، ومن ذلك اعتراضنا قبل مدة على تعميم منع التدوير الوزاري كحال اعتراضنا على من اباح ذلك التدوير بشكل مطلق، بينما يجب ان تتم المحاسبة على التدوير في كل قضية على حدة، فان أُحسن استخدامه قُبِل وإن أسيء استخدامه رُفض.

في العمل الخاص يحق لمن يشتري اغلب اسهم شركة ما ان يغير فيها ما يشاء ومن يشاء، فيبقي من يبقي ويقيل من يقيل، فهو حر في نهاية الأمر في امواله، وان كان ذلك الامر – للعلم – غير معمول به في الدول المتقدمة التي تفصل عادة بين الملكية والادارة ومن ثم تمنع الاستباحة والتخريب بحجة ان هذا الطرف او ذاك اصبح يملك الاغلبية في إحدى الشركات.

في العمل العام والملكية العامة يلغى ذلك المفهوم تماما حيث لا فرق بين وزير وخفير، فالجميع يعملون بأجر لدى الدولة وللجميع مسطرة واحدة للقياس والمحاسبة، لذا لا فرق ان قام على شؤون الوزارة او الادارة بالأمس او اليوم او الغد زيد او عبيد، حيث لا مجال لتحكيم الاهواء والآراء الشخصية في العمل بل يقاس الأمر بالكفاءة والأمانة فيبقى القوي الأمين ويُحاسب المتعدي والمتجاوز على المال العام.

لذا يصعب وضع قرار واحد للاشكالات التي سمعنا بها الاسبوع الماضي في الوزارات المعنية ومن ذلك خطأ تعميم القول بأن للوزير ان يقيل من يريد من قياديي الوزارة، ومن ثم نعرّض انفسنا في المستقبل لعمليات طرد واقالة من قبل الوزراء للاكفاء من الموظفين، كما لا يجوز القول بعكس ذلك بالمطلق اي ان تُغلّ يد الوزير في محاسبة الجهاز الاداري المحسوب على وزارته فيبقى الفساد او عدم الكفاءة معششا بالوزارات والدوائر الحكومية دون بتر.

ان مقياس ومسطرة القرارات المتعلقة بكبار مسؤولي الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية في كل الاوقات هما حسن الاداء ونظافة اليد والامانة، فان توافر حسن العمل وجب البقاء، وان ساء العمل وجبت المغادرة ولا يمكن تصور العكس من ذلك، اي ابقاء المتجاوزين والمنتفعين من المال العام كون امر كهذا لا يقوم به شريف أبدا.

آخر محطة:
التهنئة القلبية للعقيد محمد الصبر لتعيينه ناطقا رسميا باسم وزارة الداخلية، بوهاشم هو الرجل المناسب في المكان المناسب.

احمد الصراف

عندما يختفي التسامح

نجاح البرلمان اللبناني، او اخفاقه في انتخاب رئيس جديد للبلاد، لن يغير شيئا من قضايا ومشاكل لبنان المعلقة من دون حل منذ سنوات، بلغت في بعضها ستين عاما. ومع ان لبنان سيستعيد عافيته النسبية ‘آجلا’ فانه سيبقى قبل وبعد ذلك، ولفترة طويلة في العناية المركزة، فانتخاب رئيس جديد لن يقضي على ولاءات غالبية السادة والقادة امراء الحرب اللبنانيين لهذه الجهة، او الدولة او الطائفة او الحزب، كما ان انتخاب رئيس لن يقدم او يؤخر كثيرا في مشكلة سلاح حزب الله، ولا في ولائه وانتمائه للخارج. كما ان مشكلة المخيمات الفلسطينية، التي يقطنها اكثر من 550 الف فلسطيني، اغلبهم من دون عمل، ويعيشون عالة على مساعدات المجتمع الدولي، ستبقى لسنوات طويلة قادمة، فعودتهم لوطنهم لن تكون بتلك السهولة واستيعابهم ضمن التركيبة اللبنانية سيكون دائما اكثر صعوبة، اما مشكلة الدين العام، الذي زاد على الاربعين مليار دولار، فقضية اخرى لا يبدو ان حلها سهل ولكنه ليس بالمستعصي كالحلول الاخرى، اما اكبر مشكلة يعاني منها لبنان فتتمثل في ذلك النزيف البشري، خصوصا من المتعلمين والمهنيين واصحاب الخبرات، ومن الجانب المسيحي بالذات، الذي يغادر وطنه يوميا، ونسبة منهم من دون رجعة، وقد لخص رسم كاريكاتيري هذه المشكلة على صورة حفل توزيع شهادات تخرج جامعية في المطار من قبل رئيس الجامعة، الذي وقف على سلم الطائرة المغادرة لبنان ليسلم الشهادات للطلبة ويودعهم للعمل في الخارج.
نعم، سيعود لبنان في نهاية الامر، لكنه يعود اقل نضارة واقل اخضرارا، واكثر رمادية وقبحا، والاسوأ من ذلك اقل تسامحا!!
فضيلة التسامح لدى اللبناني سهلت كثيرا في تسويق ثروات بلاده العظيمة، التي لا يمكن ان تعمل واحدة منها بمعزل عن الأخرى، والتي تشكل بمجملها كوكتيلا لا يضاهى، فهواء لبنان مميز، ولا مثيل له، وهذا سهل من صناعة السياحة فيه، ومع السياحة نمت بيوت العلم، حيث نجد في لبنان سلسلة من الجامعات والمعاهد العريقة التي غذت مخرجاتها مختلف دول المنطقة بألمع الكفاءات، كما صاحب ذلك في فترة لاحقة صناعة طبية مميزة مدعومة بخبرات طبية قل نظيرها، وكان لا بد من ان تكتمل التوليفة بعدد كبير ومميز من منابع بيع اللقمة الطيبة، والكبة التي اشتهرت بها الطاولة اللبنانية، والمضيف اللبناني الكريم، واخيرا زان كل ذلك حرية رأي ومسرح ومطبعة، وهذه جميعها لا تعني شيئا عندما يختفي التسامح من قلوب البشر، فصناعة بيع الهواء والعلاج والعلم واللقمة لا تجدي نفعا في بيئة طاردة وكارهة للابتسامة والمودة والتراحم، الذي لايمكن لصناعة سياحية مميزة ان تتواجد وتنمو وتزدهر من غيره، فمتى يعود لبنان التسامح مرة اخرى، يبدو ان الانتظار سيطول كثيرا!!
***
بمناسبة الحديث عن مستشفيات لبنان المميزة والكثير من اطبائها الاكثر تميزا، فقد تعرضت والصديق نجيب الحميضي لعملية خداع وتلاعب واضحة عند مراجعتنا ل’مركز كليمنصو الطبي’ الذي يدار من قبل مجموعة من الاطباء الفلسطينيين الذين سبق ان كان للكويت فضل عليهم.. والمستندات لا تزال بحوزتنا.. هذا للعلم فقط!!
***
ملاحظة: السيد عصام البشير، امين عام المركز العالمي لنشر الوسطية، اختفى مؤقتا عن الساحة ليترك المجال لرئيسه، ومرؤوسه في الوقت نفسه، وكيل وزارة الاوقاف السيد عادل الفلاح ليعلن عن بدء العمل في ‘برنامج علماء المستقبل’ الذي يهدف الى تخريج علماء في الشريعة تفاديا لخلو ‘الامة’ من العلماء والمفكرين الذين خطف الموت عددا منهم! وهكذا اضاف المركز، المتخصص اصلا في نشر الوسطية في العالم اجمع، نشاطا جديدا يتعلق بصنع ‘علماء’ في الشريعة، وهذا يتطلب تخصيص ملايين اضافية لهذا النشاط الجديد! ومنا الى وزير الاوقاف.
أحمد الصراف

 

سامي النصف

القروض وخلق مشكلة أخرى من العدم

في العام 82 كتبت سلسلة مقالات اعترضت خلالها على إنشاء صندوق صغار المستثمرين المتضررين من انهيار سوق المناخ وذكرت ان من كتب شيكا عليه دفع ثمنه بدلا من ان تقوم الدولة بسداد ذلك الدين عنه، وفي العام 93 كتبت سلسلة مقالات أخرى معترضا كذلك على برنامج المديونيات الصعبة، لذا ليس غريبا ان أقف اليوم ضد برنامج شراء المديونيات السهلة التي يسدد 98% من المقترضين فيها ديونهم دون مشاكل.

وواضح اعتماد من يطالبون بشراء الديون هذه الأيام، على تجربة شراء المديونيات الصعبة عام 93 رغم اختلاف الظروف وما قيل من ان تلك المديونيات كانت ستتسبب في انهيار النظام المصرفي ومن ثم تضرر الجميع وان كبار المدينين تضرروا من انهيار المناخ والكساد الاقتصادي الذي تلاه ثم أكمل عليهم الغزو المدمر – لذا فتجربة شراء المديونيات السهلة 2007 سيتم الرجوع إليها سريعا بعد عام أو أكثر لإسقاط أو شراء المديونيات السهلة الجديدة ولن تكون هناك حجة للرفض لتطابق الظروف، وسيتكرر المولد أو الحفل كل عام حتى إفلاس الدولة وذهاب كل شخص لحاله.

وعمل البنوك في جميع أنحاء العالم هو منح القروض «للمقترضين المحترمين» ولا أعلم لماذا اعتبر القرض في بلدنا جرما شنيعا يضرب المثل باعداد من «ارتكبه» فيقال بصوت هامس ان هناك 300 ألف مقترض في الديرة يجب ان نبرئهم من تلك التهمة، ثم ما الذي ستفعله البنوك بعد ان تشتري الدولة مديونيات المواطنين، أي هل ستوزع أموالها هبات للناس أم ستلجأ لإقراض ما بقي من أموالها لمواطني الهند والسند وبلاد تركب الأفيال منعا للمشاكل؟!

ثم ان شراء المديونيات يعني ان الدولة ستضخ 4.5 مليارات في البنوك ومن ثم خلق آثار غلاء وتضخم فادحة ستصيبنا جميعا بالضرر، وفي هذا السياق هناك 200 دولة أخرى تشاركنا كوكب الأرض ربعها على الأقل أثرى منا حيث تمتلك الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والسياحة والمياه لا نفطا ينحدر سعره كل يوم وينحدر معه سعر العملة التي نبيعه بها كما انخفض حجم احتياطياتنا النفطية من مائتي عام الى عقود قليلة.

ولا أعلم لماذا علينا ان نفترض ان المواطن الكويتي لا يعلم ما يفعل حتى انه يقوم بالاقتراض من البنوك الكويتية بنصف راتبه ثم يقوم بالسفر للبلدان الأخرى للاقتراض من بنوكها بضمان نصف راتبه الآخر، ثم إذا كانت البنوك هي المخطئة عبر تسهيلاتها للأفراد فلماذا نكافئها عبر شراء الدولة لمديونياتها بدلا من تركها «تتدبس» فيها؟

آخر محطة:
استباقا لما قد يأتي، هل يمكن إصدار تشريع يمنع مقترحا مستقبليا بتوزيع دخل النفط والاستثمارات آخر كل عام على الشعب الكويتي المصطف في ساحة الصفاة أو ساحة العلم؟!

سامي النصف

خصخصة «الكويتية» من تاني!

ذكرنا في مقال سابق ان تخصيص «الكويتية» يتعارض ويتناقض تماما مع القرار الاستراتيجي الصائب بتحويل الكويت الى مركز مالي، حيث ان «جميع» الدول الأخرى التي تحولت الى مركز مالي ناجح يقصده ملايين السائحين والمستثمرين نجحت في الوصول لذلك الهدف السامي عبر إنشاء شركات طيران حكومية عملاقة لذا لا يمكن تصور نجاح سنغافورة أو دبي أو قطر أو أبوظبي دون الدور الهام الذي لعبته شركات طيرانها العامة، فهل عقول البعض منا أكبر من عقول الخبراء والمختصين في تلك الدول مجتمعين؟!

أظهرت الأرقام ان خسائر «الكويتية» للعام المقبل تفوق 25 مليون دينار قابلة للزيادة تبعا للظروف الأمنية المحيطة، وهناك من يعتقد وبذكاء خارق يحسده عليه كثيرون ان القطاع الخاص الكويتي يغلب عليه الغباء الشديد لذا سيقوم بشراء مؤسسة خاسرة كحال «الكويتية» ثم سيتكفل هو بتشذيبها وتهذيبها والتفاهم مع نقاباتها، أي ان القطاع الخاص سيضع الحصان خلف العربة الثقيلة ليدفعها برأسه حتى ينفجر!

وتظهر بالمقابل «جميع» تجارب الدول الأخرى ان الحكومات هي من يقوم بتحويل القطاعات العامة الى الربحية «قبل» عرضها على القطاع الخاص فقد تسلم اللورد كنغ شركة الطيران البريطانية وكانت خسائرها قد تجاوزت 246 مليون استرليني فاستطاع ان يحيل تلك الخسارة الى ربحية قدرها
187 مليون استرليني في العام الأول ثم يستمر في الربحية لثلاث سنوات متتالية قبل ان يقتنع القطاع الخاص بشرائها.

وفي الأردن كانت خسائر الأردنية في منتصف التسعينيات تبلغ 635 مليون دولار واصبح الخيار آنذاك بين إعلان إفلاسها، نظرا لسوء الأوضاع المالية للدولة، وخصخصتها ضمن برنامج «التخصاصية» الذي شمل عشرات القطاعات المختلفة وقد تقرر في النهاية ان يتم بيع الأردنية للقطاع الخاص «بعد» تحولها للربحية ضمن حماية امتدت لـ 8 سنوات لها من المنافسة لمساعدتها على الربح ولترغيب المستثمرين والشركاء الاستراتيجيين فيها وهو ما تم.

وهناك من يطرح وبعبقرية نادرة كذلك تجربة خصخصة الدول الأخرى ويطابقها بتجربة الخصخصة القادمة للكويت ناسيا ومتناسيا الفارق الكبير بين حالتهم وحالتنا حيث ان القطاعين الحكومي والخاص في أميركا وروسيا وأوروبا وباقي دول العالم يعمل به مواطنوهم بنسبة تقارب 100% ومن ثم لا فارق على الإطلاق إن كانت البريطانية أو الأردنية.. الخ تملكها الحكومة أو القطاع الخاص.

لدينا ما يقارب 99% من الكويتيين يعملون في القطاع الحكومي ويعمل 1% منهم فقط في القطاع الخاص ومن ثم سيعني تخصيص أي قطاع بهدف الربحية طرد الأغلبية المطلقة من الموظفين الكويتيين (الهنود الحمر الجدد) واستبدالهم بعمالة آسيوية رخيصة، ودون حل هذا الإشكال الأساسي والرئيسي يصبح الحديث أو العمل على تخصيص «الكويتية» وغيرها من قطاعات مختلفة هو الدواء القاتل للكويتيين وللشباب الكويتي الذي أرحم منه الداء، والغريب ان من يطالب بهذا الخيار أو الدواء السام هو في الأغلب من لا يوظف إلا 1% من الكويتيين في شركاته ولا يكتفي بذلك بل يلاحقهم ويهدف الى طردهم من الوظائف التي وفرتها الحكومة لهم، وخوش وطنية!

آخر محطة:
المرجو من وزير المواصلات الفاضل عبدالله المحيلبي وقد ورث تركة ثقيلة لا يحسده أحد عليها، ان يغل يد من يتدخلون في عمله ويدّعون المعرفة بعلوم الطيران وهم أجهل الناس بتلك العلوم «التخصصية»، وان يستعين بمستشارين أكفاء من داخل أو خارج الكويت، فما نراه هو دمار ماحق لاحق قادم ممن تسببت أعمالهم الخاطئة في موجة الاضرابات التي شهدتها الكويت للمرة الأولى في تاريخها.

سامي النصف

أميركا والعرب.. الرواية الحقيقية

استضافنا برنامج «بانوراما» الذي تقدمه الزميلة منتهى الرمحي للحديث حول مؤتمر «آنابوليس»، وقد ضم اللقاء السيد صائب عريقات الذي كان هناك تفهم لما قاله، وأخوين فاضلين أحدهما من دولة عربية كبرى والآخر من فلسطين، لم نستسغ ما طرحاه كونه سيطيل معاناة الشعب الفلسطيني.

الأخ العربي ردد ما يقوله هيكل من ان المفاوضات هي انعكاس لموازين القوى، لذا علينا ألا نجلس على طاولة المفاوضات مع الاسرائيليين حتى نقوي أنفسنا ونتعادل معهم في القوة «التقليدية» ولربما النووية، وكان ردنا أن طرحا كهذا يربط التفاوض بشرط استحالة، حيث ان الدول العربية هذه الأيام إما متصالحة مع اسرائيل عبر معاهدات ومواثيق لا يمكن النكوص عنها أو يجاهد بعضها الآخر للحفاظ على وحدته القومية وتجنب عمليات الاقتتال الداخلي ولا يمكن ضمن تلك المعادلة الحقيقية والواقعية تحقيق موازين قوى في المستقبل المنظور، فهل نبقي مأساة العيش اليومي الفلسطيني لأجل غير مسمى؟! تتبقى حقيقة ان 90% من حالات التفاوض تتم عادة بين أطراف متفاوتة في القوة ولا عيب أو ضرر من ذلك.

الأخ الفاضل من فلسطين طالب بالرفض ومقاطعة المؤتمر وأيد اخراج المظاهرات ضده واتهم أميركا بأن تاريخها يظهر أنها وسيط غير محايد لذا لن تقوم بعمل جدي لتحقيق السلام، كان الرد بأن منهاجية الرفض والمقاطعة والتظاهر قد جربت مرارا وتكرارا كوصفة ناجعة لحل القضية الفلسطينية منذ اليوم الأول لبدئها إلا أنه في كل مرة ينتهي ذلك الخيار الرافض الى كوارث وتراجع في المواقف يجعلاننا نندم في الغد على ما رفضناه اليوم.

أما عن ان الواقع التاريخي يثبت ان أميركا وسيط غير محايد، فالتاريخ ذاته يثبت عكس ذلك تماما، فمع صدور وعد بلفور عام 1917 والوعد بذاته للعلم لم يخلق دولة اسرائيل بل نشأت اسرائيل نتيجة لضعفنا وتفرقنا واخطاء قيادات القضية الفادحة ورفضها لكل عمليات التفاهم والتفاوض والتعامل بحنكة وحكمة مع المتغيرات الدولية آنذاك ومع حقيقة ما يجري على الأرض الفلسطينية اضافة الى رهانها الدائم على الأحصنة القمعية الخاسرة من هتلر حتى صدام.

نقول مع صدور وعد بلفور وتمخض الحرب الكونية الأولى عن انتصار الحلفاء وتكشف أسرار اتفاقية سايكس بيكو، رفضت الولايات المتحدة تلك المؤامرة التي تتناقض مع مبادئ الرئيس ويلسون المعلنة، وقد طالب العرب المشاركين في مؤتمر فرساي عام 1919 بوصاية الولايات المتحدة على دولنا، كما أيدت أميركا عبر لجنة «كنج – كرين» مطالب عرب الحجاز والشام بالوحدة عقب ثورة الشريف حسين عام 1916 والتي لم تكن للعلم ثورة عربية، حيث لم تتطرق لمطالب عرب الجزيرة أو الخليج أو مصر والسودان أو ليبيا ودول المغرب العربي بل كانت ثورة حجازية – شامية امتدت للعراق.

والى العصر الحديث، ففي مؤتمر كامب ديڤيد الأول للسلام عام 79 كان تشدد الاسرائيليين أكثر من تشدد العرب أو تحديدا المصريين الذين استقال لهم وزيرا خارجية وقال بيغن اقطع يميني قبل ان اتنازل عن مستوطنات ومطارات سيناء فقد عشنا بدون سلام 30 عاما ولا مانع ان نعيش بدونه 300 عام أخرى الا اننا لا نستطيع العيش دون الأراضي الآمنة والتاريخية لاسرائيل.

وكانوا يستعدون للسفر عندما طرق الرئيس كارتر الباب الساعة الـ 3 صباحا على عيزرا وايزمان «كتاب الحرب لأجل السلام» لإقناعه بالضغط على بيغن للتنازل، وهو ما تم، وفي مؤتمر كام ديڤيد (2) عام 2000 قام كلينتون بالدور ذاته وحصل للفلسطينيين على 97% من أراضي الضفة والقطاع ومعها انشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس خلال خمسة أعوام، إلا أن الرئيس عرفات الرافض لكل شيء، فقد كل شيء وفي هذا قال الرئيس كلينتون في ختام المؤتمر لعرفات «لقد حضرت منذ اسبوعين ولم نسمع منك غير الرفض لكل شيء دون اعطاء بدائل، لذا أنت المسؤول عن افشال المؤتمر وبقاء معاناة شعبك» ولم تكن تلك المرة هي الأولى أو الأخيرة التي يتسبب فيها الراحل عرفات في الاضرار بشعب فلسطين.. ومازال بعض حلفائه على نفس الدرب سائرين، والحديث ذو شجون.

احمد الصراف

ديموقراطية الجهل

حب ‘جيليان جيبونز Gillian Gibbons’ للاطفال ولمهنة التدريس دفعها للذهاب ليس الى واحدة من دول الخليج المتخلفة والمتخمة بالدولارات، بل الى السودان، حيث المرض والقهر والتخلف والجوع، وهناك كانت المفاجأة بانتظارها في صباح ذلك اليوم الاغبر.
بدأت مأساتها عندما طلبت من اطفال فصلها، الذين لم تتجاوز اعمارهم السادسة بكثير، التصويت، ديموقراطيا، على اختيار اسمين لدميتين مصنوعتين من القطن وضعتهما امامهم، فاختارت الاغلبية، ديموقراطيا، اطلاق اسم ‘محمد’ على دمية ‘الدب’!
وصل الخبر الى بعض آباء الاطفال فثارت حميتهم الدينية واعلموا السلطات بالامر، فقامت هذه من فورها بزج السيدة جيبونز في السجن لعدة ايام. وفي فترة قياسية لم تشهد محاكم السودان المتأخرة في كل شيء مثيلا لها، قدمت جيبونز للمحاكمة وحكم عليها بالسجن 15 يوما والفصل من العمل والطرد من الجنة بتهمة ‘الاساءة للاسلام والتحريض على الكراهية’!
لا اعرف، أين التحريض على الكراهية في اطلاق اسم ما على دمية مصنوعة من القطن، وتمثل دبا صغيرا محببا لجميع اطفال العالم، وله مكانة مميزة في قلب كل طفل غربي بالذات..؟ ولكن هذه قصة اخرى.
من الواضح ان المدرسة لم تختر الاسم، بل اختاره الاطفال بطريقة طفولية عفوية، لسبب او لآخر.. والارجح لكونه اسما شائعا بينهم، واطلاقه على دمية لا يعني ابدا ان في ذلك اساءة لأي رمز او طرف، ولو اصررنا على تطبيق هذا المبدأ المستحدث لوجب على كل محاكم الدول الاسلامية مضاعفة احكام السجن على كل المذنبين من حملة عدد محدد من الاسماء.
ولكن عندما نطلب من الآخر، والآخر هنا ممثل بالسيدة جيبونز التي افترضت المحكمة في السودان انها اساءت للاسلام، ضرورة احترام ديننا وعاداتنا وتقاليدنا، فهل نتصرف بمثل ذلك مع الآخر؟ وهل نفكر عميقا، ان فكرنا، في معنى وأصل اي تسمية قبل اطلاقها مثلا، او مدى ما يحمله الاسم من اساءة لمعتقدات الآخر.. أيا كان؟ لاشك ان لا احد منا يهتم بمثل هذه الامور، وبالتالي من المهم ان نفترض ان ‘الآخر’ يتصرف مثلنا، فكلنا بشر في نهاية الامر!
ان هذا الحكم المتخلف الذي هلل له الكثيرون اظهر، وبشكل واضح، ليس فقط حالة الهلع، او ‘الفوبيا’ التي اصابت الكثيرين، بل واظهرت كم نحن على استعداد لاستعداء العالم اجمع علينا، ودفعه دفعا ليس فقط للخوف من الاقتراب والتعامل معنا، بل لتسخيف طرق تفكيرنا، والضحك على ‘المبكي’ من تصرفاتنا!
لا شك ان حالة البيات الشتوي التي ارتضيناها لعقولنا ستمتد لتشمل بقية فصول السنة.. والى الابد.
ويا سيدة جيبونز ارجو ان تتقبلي اعتذارنا لما فعله بك السفهاء منا الذين أبادوا مئات الألوف من المسلمين من ابناء وطنهم في دارفور وعارضوا كل المساعي الدولية لوقف هذه المجزرة!
***
ملاحظة: بعد كتابة المقال اعلاه ومع انتهاء صلاة الجمعة في الخرطوم خرج آلاف المتظاهرين المسلحين بالفؤوس والسيوف والعصي من الجوامع للهتاف بالموت لبريطانيا والخزي والعار لها، ولمطالبة الحكومة السودانية بقطع رأس المدرسة البريطانية جيبونز!!
أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

مجهولون يختطفون الأطفال

 

منذ حادثة اختفاء الطفل بدر، في قرية سماهيج ظهيرة يوم الثلثاء العاشر من يونيو/ حزيران الماضي، تضاعف الاهتمام بمراقبة الأطفال من جانب الكثير من الأسر… وخصوصا تلك التي لا تولي هذا الأمر أهمية! ولا تدري أين يذهب أطفالها حين يخرجون من المنزل، ومع من يلعبون، بل وأين يلعبون، ولربما خرج الأطفال من دون علم ذويهم!

لكن منذ فترة، وأنا شخصيا أسمع أحيانا، وأتلقى اتصالات في أحيان أخرى، بشأن وقوع محاولة هنا أو هناك لاختطاف أطفال تبوء بالفشل… فأحد الآباء يقول إن طفلته البالغة من العمر 12 عاما كانت في طريقها إلى البقالة مع شقيقها الصغير البالغ من العمر 4 سنوات، عندما اقتربت منها سيارة شحن صغيرة وفيها اثنان من الآسيويين طلبا من الطفلة أن تركب هي وشقيقها السيارة (زرقاء اللون)، فهربت وهي تصرخ، ما جعل سائق السيارة يولي هاربا أيضا!

وفي قصة أخرى، يقول أحد المواطنين أن طفله البالغ من العمر 10 سنوات تعرض لمحاولة اختطاف من جانب شخص «بحريني» دعاه إلى ركوب السيارة، لكنه رفض وصرخ حتى سمع بعض المارة صراخه وركضوا نحوه ليولي المجهول هاربا، ولم يتمكن أحد من التعرف على شكله أو تدوين رقم سيارته… أما القصة الثالثة فكانت قصة طفل عائد من المدرسة عندما لاحقته سيارة فيها آسيوي حاول الإمساك بالطفل، لكن الأخير تمكن من الهرب ليبلغ أهله بما حصل ويصف لهم السيارة وشكل الآسيوي.

الغريب في القصص التي وردتني، أنها كانت مشتركة في الإجابة على سؤال واحد: «هل أبلغتم الشرطة بما حدث؟»، فيكون الجواب: «لا»؟!

وبغض النظر عن صحة تلك القصص من عدمها، تحدثت إلى مسئول أمني بشأن ما إذا كانت هناك بلاغات وردت إلى الأجهزة الأمنية بشأن وقوع محاولات لاختفاء أطفال، فكان الجواب بالنفي أيضا! وهذا ما حصل مع النائب الشيخ حمزة الديري الذي أبلغه الأهالي قبل فترة عن محاولة اختطاف طفل في قرية الدير لكن من دون وجود معلومات كافية بشأن الحادث، لكنه تحدث في الصحافة محذرا من إهمال الأطفال وعدم مراقبتهم في الوقت الذي تنشط فيه بعض العصابات في بعض الدول لتتاجر في الأطفال.

ويبدو أنه من الأهمية بمكان أخذ الحيطة والحذر، سواء صحت تلك القصص أم لم تصح، فمنذ اختفاء الطفلة فاطمة في العام 2002 واختفاء الطفل بدر في العام الجاري، لايزال هناك أطفال صغار يتسكعون في الشوارع ويتجولون في المزارع ويتجهون إلى السواحل في غفلة من الأهل، ولعل الخطوة الأولى لمنع تكرار حوادث اختفاء الأطفال، هي زيادة اهتمام الأسر بأطفالها الذين يذهبون إلى كل مكان وفي أي وقت! وكذلك تحمل المسئولية المجتمعية من جانب الأفراد قبل رجال الأمن في حال رؤية طفل في مكان يجب ألا يكون فيه! ومتى ما كان الناس متيقظين، فلن يكون للمجهولين وجود، والعيون ترقب تحركاتهم.

احمد الصراف

النصيحة الطائفية

في مقابلة مع تلفزيون الكويت جرت قبل سنوات مع الزميل محمد مساعد الصالح، ذكر أن أحد قراء ‘الوطن’، عندما كان يرأس تحريرها، ألح عليه بضرورة نشر صورته ضمن قائمة المرشحين للدخول في تشكيلة وزارية كان يتم الاعداد لها في ذلك الوقت. وقال انه رفض طلب ذلك الشخص المرة تلو الأخرى، ليس فقط لعدم أهليته بل لانعدام حظوظه في دخول الوزارة لأسباب كثيرة. ولكن للتخلص من إلحاحه وضغطه المستمرين، ولادخال روح الطرافة في موضوع الترشيح قبل، على مضض، نشر صورته ضمن صور المرشحين، وفوجئ الجميع بعدها بأيام بوجود اسمه ضمن الحكومة(!!).
***
لم أفاجأ ابدا عندما قرأت اسم السيد محمد الطبطبائى، عميد الشريعة، ضمن قائمة المرشحين لدخول الوزارة الأخيرة،
السيد الطبطبائي، الذي يعمل عميدا لكلية دينية في الكويت، والمحسوب على تيار ديني معروف، ارسل في أواخر الشهر الماضي رسالة ‘رسمية’ لسمو رئيس مجلس الوزراء، بين فيها حرص كلية الشريعة على جمع الكلمة وعدم تفريق الصف، ومن هذا المنطلق فانه رأى أن مطالبة طائفة اسلامية بمسجد لها مخالف لمقاصد الشريعة، لأن في الاستجابة مفسدة كبيرة!
وطالب عميد الشريعة رئيس مجلس الوزراء بتدخله لمنع اقامة مسجد خاص لطائفة على حساب طائفة أخرى، وأن ذلك، برأي العميد العتيد، سيشعل فتنة طائفية في البلاد!
لا أدري كيف قبل السيد محمد لنفسه وصف ‘طلب’ بناء مسجد لطائفة بأنه ‘مفسدة كبيرة’، وهو يعلم تماما أن الحكومة هي التي تقدمت أصلا بذلك الطلب للمجلس البلدي للموافقة عليه، فكيف يكون عملها مفسدة كبيرة.. وهو الطالب الدائم لودها؟
وكيف سمح السيد الطبطبائي لنفسه بتقديم النصح والارشاد الديني والطائفي لرئيس الوزراء، وكل تلك الأجهزة وجهات الافتاء تحيط به من كل صوب؟ وما علاقة عميد شريعة في مسألة تقديم النصح والتوجيه لرئيس حكومة؟
أسئلة لا يمكن أن يجيب عنها غير الطرف المعني.
(نص الرسالة موجود لدينا لمن يود الاطلاع عليه)
أحمد الصراف