سامي النصف

الأحزاب والإضراب

أحد عيوبنا في الكويت – وما أكثرها – قلة القراءة والاطلاع حول القضايا الرئيسية التي نزمع اتخاذ القرارات المصيرية حولها، وكذلك الحج الى أمور عادت الناس عنها، كما أننا لا نستمع عادة للنصح حتى الوقوع المؤلم في الحفر – كحال خصخصة «الكويتية» – ودفع الاثمان الباهظة نتيجة لمناهجية التجربة والخطأ المعتادة.

تزامنا مع صيحات المطالبة بالاضرابات نشرت مجلة «البزنس ويك» الاميركية الشهيرة في عدد الاسبوع الماضي 3/12 مقالا عن النقابات بعنوان «نقابات اضعف وأقل تأثيرا» اظهرت من خلاله وبالارقام ان الموظفين والعمال غير النقابيين «غير المسموح لهم بالاضراب» في أميركا أصبحوا أكثر حصولا على المكاسب والجوائز من زملائهم النقابيين.

وأظهرت المجلة أن الاضرابات قضية قاربت على الاختفاء في العالم المتقدم، ففي الخمسينيات كان هناك ما معدله 352 اضرابا سنويا في أميركا، وفي الستينيات 283 اضرابا وفي حقبة السبعينيات 289 اضرابا وفي الثمانينيات 83 اضرابا والتسعينيات 35 اضرابا ومنذ بداية القرن الجديد 23 اضرابا بينما لم يزد هذا العام في الولايات المتحدة التي يزيد عدد سكانها على الدول العربية مجتمعة على 14 اضرابا وهو ما كنا سنحصده خلال اسبوع واحد فقط، فهل اصبح دعاة الاضراب لدينا اكثر علما واطلاعا وحرصا على مصلحة الاوطان من زملائهم في الدول المتقدمة؟!

وضمن التحقيق ذاته وضعت المجلة مقارنة بين عدد «الدقائق» المضاعة بسبب الاضرابات لعام 2006 في الدول المختلفة «8 ساعات يوم عمل» حيث أظهرت أن الفلبين أضاعت دقيقة ونصف الدقيقة فقط خلال ذلك العام وتركيا 4 دقائق واستراليا 6 دقائق واميركا 8 دقائق وايطاليا 9 دقائق وبريطانيا 13 دقيقة.. إلخ، وواضح أننا نضيع ودون اضرابات من اوقات العمل اضعافا مضاعفة لتلك الدقائق القليلة، فهل المطلوب ان نزيد الخراب خرابا؟!

والى الاحزاب حيث صدر قبل مدة قصيرة كتاب بحثي ضخم لمجموعة من المؤرخين الاميركيين أسموه Ruling America أو «الطبقة الحاكمة في أميركا» وتحدثوا فيه عن الحياة السياسية في أميركا عبر التاريخ، ومما لاحظه المؤرخون اضمحلال دور الاحزاب في أميركا خلال الاربعين عاما الماضية حتى قاربت على الافول هذه الايام، حيث استبدلت بالمناطقية والمسيحية السياسية والثراء السياسي حتى أضحى مجلس الشيوخ الذي يفترض ان يمثل الولايات المختلفة ممثلا للطبقة الثرية التي حصدت الاغلبية المطلقة من كراسي ذلك المجلس المهم.

وقد أصبحت اللعبة السياسية الاميركية حسبما جاء في الكتاب لا تدار من قبل مقرات الاحزاب الايديولوجية أو منظريها ممن بات لا يعرفهم أحد، بل تدار اللعبة من قبل المال السياسي وقيادات الكنائس التي تجيش الملايين من الاتباع وقت الانتخابات امثال جيري فولويل وبات روبرتسن من البيض وجيسي جاكسون وآل شاربتن من السود، كما تسبب ترسخ الولاء «المناطقي» خلال تلك الحقبة في انحسار قيادة الشمال «نيويورك، اوهايو، نيوجرسي، ايلينوي، انديانا» التي قادت المسيرة خلال الفترة 1868 – 1968 لمصلحة قيادة تحالف مناطق الجنوب والغرب «نيكسون وريغان من الغرب وكارتر وبوش الاب والابن وكلينتون الزوج والزوجة جميعا من الجنوب»، ويظل لدينا من يعتقد ان تحولنا الى الاضراب سيقضي على امراض الفئوية والطائفية والقبلية والمناطقية التي لم تقض عليها الحزبية في أميركا بعد 300 عام من نشوئها.