سامي النصف

رؤية داخلية

عيدكم مبارك وكل عام وانتم بخير، التهنئة القلبية للمستشار ناصر عبدالله الروضان على ثقة سمو ولي العهد الغالية به، ولأبي خالد آراء ورؤى معروفة عنه تمتاز بالحكمة وبعد النظر، والتهنئة موصولة كذلك للمستشار علي الزميع ان صح ما اتى في الزميلة «عالم اليوم» في عدد يوم امس.

الامن كالصحة لا يشعر بأهميتهما الا من يفتقدهما، نحن امام عهد جديد في وزارة الداخلية يحرص فيه الوزير الفاضل الشيخ جابر الخالد على الاطلاع كل صباح على ما يكتب في الصحف من قبل الكتاب والمحررين وما تنقله الصحف من شكاوى المواطنين ثم متابعتها شخصيا حتى يتم حلها.

الحوادث المميتة واختناقات الطرق في كل الاوقات اصبحت لا تطاق، وسنقترح بعض الحلول التي نرى انها ستساهم في التخفيف من تلك الازدحامات كي لا نصل لمستوى مدن مثل القاهرة او بيروت او دبي وان كانت الاخيرة تعمل جاهدة لايجاد الحلول لمشاكلها المرورية المتزايدة، وتلك الحلول في الاغلب لا كلفة مالية لها.

المقترح الاول الذي يصلح للكويت والقاهرة معا هو بيع مباني الوزارات المختلفة الواقعة في قلب البلد وترك العاصمة لموظفي ومراجعي القطاع الخاص والقيام في المقابل ببناء مجمعات وزارية حديثة وبديلة في ضواحي العاصمة (الدائري السادس او السابع في الكويت و6 اكتوبر او القاهرة الجديدة في مصر) كي يتحول تحرك موظفي ومراجعي القطاع العام في اتجاه معاكس لموظفي القطاع الخاص، حيث يتوجهون «لخارج» العاصمة في الصباح و«لداخلها» ظهرا، وسيقضي المقترح على الازدحامات ويوفر فوائض مالية من بيع اراضي قلب العاصمة.

ونحتاج الى استخدام التكنولوجيا الحديثة في حل الاشكالات المرورية كوضع لوحات اعلان ضوئية ومحطات اذاعية تنبه السائقين طوال الوقت للشوارع المزدحمة وتقترح الطرق البديلة وخلق غرف تحكم متقدمة، ويمكن تعديل زمن الاشارات المرورية لتخفيف الازدحامات وكذلك خلق نظام كالحال في اميركا للاتصال بـ G.P.S السيارات ووضع خرائط للطرق الاقل ازدحاما وزرع لوحات ضوئية تحسب بالثواني زمن تحول الاشارة من الاحمر الى الاخضر والعكس.

اكثر من 77% من طرق الكويت دون حارات امان، ولا ضرر من ذلك، لذا يمكن تحويل حارة او حارتي الامان الواقعة على يمين وشمال بعض الطرق السريعة الى حارات سريعة «دائمة»، فيتحول الشارع ذو 3 حارات الى 5 حارات وذو 5 حارات الى 7 حارات مما يخفف الازدحام على طرق السفر خصوصا، ويمكن تزويد سيارات المرور بكاميرات تصور الحادث في ثوان ثم تبعد على الفور السيارات المتضررة عبر ناقلات القطاع الخاص ويدفع ثمنها مرتكب الحادث، كما يمكن الاستعانة بساتر قماش يغطي السيارات حتى ازالتها منعا للازدحامات التي يخلقها الفضوليون ممن يقفون للفرجة.

والطريق الرابع هو شريان البلد الاساسي وأحد المسببين الرئيسيين للاختناقات المرورية في البلد، والافضل ان تزداد السرعة فوقه الى 120 كم عدا الجسور فقط التي يجب ان تخفض السرعة فوقها الى 80 كم مما سيسرع في اخلائه وتقليل ازدحاماته، كذلك يجب ارجاع الطريق الثالث الى تصميمه الاول الذي قامت به مصلحة الطرق الفيدرالية الاميركية، اي ازالة الاشارات الضوئية منه كي يصبح طريقا رديفا للسيارات المتجهة من الشويخ الصناعية وما خلفها الى السالمية وحولي والنقرة والشعب البحري مما سيخفف زحمة الدائري الرابع الدائمة.

ونحتاج الى الاستعانة بالقطاع الخاص لخلق دورات تدريبية متصلة لرجال المرور تكشف لهم الممارسات الخاطئة التي يقوم بها البعض منهم كعدم التقيد بالسرعة او عدم لبس حزام الامان او تخطي الاشارات الضوئية في كونها ترسل رسائل واضحة بعدم الانضباط لمئات آلاف السائقين الآخرين القادمين للبلاد ومن ثم نلحظ الفوضى المرورية القائمة، ان عملية Feed Back والتدريب المستمر لرجال المرور والمحاسبة لا غنى عنهما لضبط شوارعنا المتسيبة.

آخر محطة:
ونحتاج ايضا الى فلاشات اعلامية مرورية في الاذاعة والتلفزيون حول اهمية ربط الاحزمة وخطورة السرعة وكيفية التعامل الصحيح مع الطوارئ كانفجار الاطارات.. الخ.

احمد الصراف

الغول والعنقاء والخل الوفي

لا اعرف أيا من اغاني الفنانة ماجدة الرومي، ربما يعود سبب ذلك لطغيان صوت فيروز على ذوقي وفكري من جهة، وربما لعدم استساغتي لصوت الاولى من جهة اخرى. ولكن هذه السيدة استطاعت، خلال عشر دقائق، ان تهزني من الاعماق، وتسحب الدموع قسرا من مقلتي المرة تلو الاخرى بعد ان شلت قدرتي على المقاومة وانا استمع لها وهي تلقي كلمتها في الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد النائب والصحافي جبران ابن الكبير غسان التويني.
بعزم وقوة ومن دون لعثمة او تردد وبصوت واضح وبمنتهى القسوة الادبية، قالت كلمتها ورأيها في ما هو جار في وطنها لبنان منذ اكثر من ثلاثين عاما، ولا يمكن تخيل، لمن لم يسمعها، كم كانت صادقة وباهرة ودقيقة ومؤلمة في ما قالته.. قالت، وبلهجتها اللبنانية المحببة: ‘كم سنة بعد راح ننطر تنشوف خلاص لبنان. كم قلب لازم ينكسر وكم بيت لازم يخرب وينكسر وكم لبناني لازم ينام على الهم ويفيق على الغم وكم شب وصبية لازم يفلوا تا تجتمعوا وتتفقوا وتقرروا وتنهوا ها لوضع المأساوي اللي نحنا فيه.
‘كيف فينا ننقسم لدرجة انه انا مثلا الاقي ناس تقول لي اوعك تروحي تصلي في جناز بيار. او اوعك تروحي تحكي بذكرى جبران!
مين التانيين؟ مين الأولين؟ مش كلنا لبنانية؟ وهالشهدا كلن يللي ماتو بصدق وبدون تجميل من اقصى جنوب لبنان لاقصى الشمال، من شهدا الجيش لكل اللي ماتوا إلنا، لخيرة شبابنا واللي كانوا معهم ومرافقينهم مش كلهم ذنبهم انهم لبنانية؟ ما عدنا نلتقي حتى على الشهدا! صارفيه شهيد إلهم وشهيد إلنا؟! كم هو مؤلم هذا الحكي وانا برفضه واعلن من هون انه يشرفني اكون في جناز بيار ويشرفني اكون في ذكرى جبران، واذا انا متهمة بأني لبنانية.. نيالي!’.
***
مساحة هذا العمود المحدودة لا تكفي لكتابة كل ما قالته هذه الفنانة، التي كبرت كثيرا في عيني وفكري، ولا يمكن تخيل روعة ما قالته دون سماعها ورؤيتها وهي تتكلم بجمال وثبات وصدق، وكأن كلماتها طلقات تخرج من فمها لتصيب صدور السياسيين اللبنانيين الذين اوصلوا الحال في ذلك البلد الجميل لما هو فيه الآن، والاقرب للكارثة منه لأي شيء آخر.
ما ورد في كلماتها جعل مشاعري تختلط بشدة. فمن جهة بات واضحا مدى عظمة لبنان الى درجة اصبحنا نردد مع الآخرين ان اهله غير جديرين به.
ومن جهة اخرى، اصبحنا نردد في الوقت نفسه ان وجود هذه السيدة وامثالها كفيل باستمرار لبنان المحبة والعطاء الى الابد.
ان لبنان، كما كررنا في اكثر من مناسبة وكلمة ومقال، لا يحتاج لمحبة مواطنيه بقدر ما هو بحاجة لاحترامهم! واعتقد انني لم اقابل حتى هذه اللحظة، على الرغم من مرور اكثر من خمسين عاما على معرفتي الوثيقة بلبنان، ارضا وشعبا، من هو على استعداد لان يحترم وطنه، ويضعه قبل الدين وقبل الطائفة وقبل رأي الزعيم!
وحتى ايجاد ذلك المواطن، يبقى تشاؤمنا السابق على ما هو عليه.
ملاحظة: لمن يود تسلم كلمة السيدة ماجدة الرومي الاتصال بنا عن طريق عنوان الانترنت ادناه.
أحمد الصراف