سامي النصف

نحو قواعد جديدة للعبة السياسية

أسوأ ما يمكن سماعه هذه الأيام حول ما يدور في البلد هو ان الوضع طبيعي ومطمئن كون لا شيء يحدث خارج إطار الدستور، وان الأزمات السياسية التي تلد أزمات أمر معتاد ضمن الممارسة الديموقراطية المتقدمة (!)، وبالتالي لا يوجد خطأ أو ضرر على البلاد والعباد من الأزمات السياسية والاضرابات النقابية والتخندقات الشعبية التي قاربت ان تقسم البلد وتبث الفتنة بين صفوف أبنائه.

ان من «المصائب» ان يقول بعض الساسة والكتاب والنواب – مكابرة – إن الأمر طبيعي، وهم من يعلمون في قرارة أنفسهم بعكس ذلك، ومن «الكوارث» بالمقابل ان يقول بها آخرون، ساسة وكتاب ونواب وهم يعتقدون حقيقة بصحة تلك الممارسات، ان الأزمات السياسية أمور لا يفتخر بها وهي دلالات أمراض مجتمعية خطيرة تعيق التنــمية وتسبب التخلف كما انها أعراض ضعف وانقسام وعلامات دالة على مستقبل مظلم للبـــلدان المبتــلاة بها، فلم تحــدث كـوارث كبــرى من حــروب أهلــية وانهيارات اقتصادية في الدول المختلفة إلا سبقتها أزمات متلاحقة.

اننا بحاجة الى وقفة جادة من عقلاء البلد لما يحدث على الساحة السياسية والإقرار بخطئه ومعه القيام بما يلزم لتصحيحه، والإيمان توازيا بأن أهم أسس اللعبة السياسية الناجحة والبناءة والداعمة لعملية التنمية المستدامة هي التي «لا يشعر بها أحد»، لا التي تصم أصواتها آذان الجيران والعالم.

ان تلك الرؤية الجديدة للعبة السياسية التي ستقفز بالبلد خطوات ضخمة الى الأمام تحتاج الى قواعد جديدة للعبة تبتعد بها عن المماحكات والتصريحات الإعلامية اليومية الساخنة، كما يجب ان تشتمل القواعد الجديدة على كم كبير من التفاهم والتسامح وغض النظر عن صغائر الأمور كحال الأخطاء اليومية في الوزارات المختلفة والتي تحتاج محاسبة الوزراء عليها الى الاستبدال اليومي لهم، ان حادثة استقالة وزير النقل الياباني في أواخر الستينيات على معطى خروج قطار عن السكة هي الاستثناء الذي يثبت القاعدة، فلم نسمع بعد ذلك عن استقالات في اليابان أو غيرها على معطى الأخطاء الحكومية اليومية وما أكثرها.

ان جوائز ذلك النهج الجديد ستصيب المواطنين والنواب والوزراء والوطن بالتبعية، فسيتوقف المواطنون عن جرعات التوتر والتذمر اليومي من أداء المجلس، كما سيرتاح النواب من الحاجة الى التسخين السياسي المتعب لكسب رضا الناخبين، كما سيتفرغ الوزراء للإبداع والإنجاز في وزاراتهم كحال زملائهم في الدول الخليجية التي نحسدها على إنجازاتها الناتجة عن استقرارها السياسي، كما ستقلع طائرة الوطن التي أدماها التوقف منذ سنوات رغم الهواء الساخن والضجيج العالي الصادر من محركات يدفع نصفها بعكس نصفها الآخر فتبقى الطائرة ساكنة رغم علو الصوت في حين انطلقت طائرات الدول الأخرى مسرعة نحو المستقبل المشرق.

آخر محطة:
ومن قواعد اللعبة الجديدة ضرورة البعد عن المطالبات المدغدغة وغير العقلانية غير المعمول بها في 200 دولة أخرى شريكة لنا على كوكب الأرض والتي تحرج بقية النواب كي لا نسمع ذات يوم بمقترح توزيع مداخيل الدولة أولا فأولا على المواطنين ممن سيصطفون يوميا قرب الموانئ لتوزيع دخل بيع النفط ناقلة فناقلة.

احمد الصراف

أروى والتطوع

كتبت الزميلة في صفحة المقالات أروى الوقيان مقالا جميلا وحساسا في الوقت نفسه عن عيني سارة الحزينتين. تعلق موضوع المقال بما يفتقده الكثيرمن المرضى، خصوصا من المصابين بأمراض مستعصية من نزلاء المستشفيات الخاصة والحكومية، من رعاية اجتماعية وتوفير حنان واهتمام ومواساة وتشجيع!
على الرغم من أهمية هذا الجانب في شفاء المريض والتخفيف من معاناته، فإن أحدا لا يتوقع من الهيئة الطبية أو حتى التمريضية القيام به أثناء ساعات عملها لانشغالها بمهمات أخرى. وعليه يكمن الحل في قيام طرف ثالث بتلك المهمة عن قناعة تامة ومن دون مقابل، لا من خلال وظيفة يتقاضى مقابلها راتبا شهريا! فتوفير الرعاية النفسية والاجتماعية للمرضى، وخصوصا أولئك الذين يضطرون للبقاء في الدار أو المشفى لفترات طويلة، والتخفيف من معاناتهم والبقاء معهم لساعات وقراءة القصص لهم والاتصال بأهاليهم ومشاركتهم في الأعياد والأفراح وإقامة البسيط والبريء من الحفلات لهم، كلها أمور لا يمكن تنظيمها إداريا ووضع قواعد وأنظمة لها، بل تحتاج الى من يتطوع من تلقاء نفسه للقيام بها، وهذا ما طالبت به ‘أروى’ في مقالها وفيه يكمن الحل الذي يتطلب تنفيذه فتح باب التطوع لمن يرغب من المواطنين والمقيمين في القيام بهذه الأعمال.
على الرغم من نبل الفكرة وجمالها، وهي فكرة سبق ان طالبنا قبل سنوات بتطبيقها، فإننا اكتشفنا ان ما يعيق تنفيذها لا يتعلق فقط بغياب القواعد المنظمة لفكرة التطوع من ناحية ساعات المشاركة، من دخول وخروج، والطريقة والمؤهلات المطلوب توافرها في المتطوع وسيرته الذاتية وغير ذلك الكثير، بل ما يعيق تطبيق الفكرة حقا هو غيابها من أدبيات حياتنا اليومية.
فالتطوع فكرة إنسانية سامية لم تعرفها ولا تعرفها مجتمعاتنا، التي تعودت من الحكومة أن تقوم نيابة عنها بالكثير من المهمات، ومن الخادم والخادمة والسائق ببقيتها. كما أنها بعيدة عن أخلاقيات الكثيرين منا لعدم ورود ذكر لها في كتب التراث بشكل واضح ومحدد. إن صفة التراحم والتوادد التي طالما تغنينا بها، والتي قد يكون لها بعض الوجود بيننا، شيء، والتطوع للقيام بمهمة تطوعية في مستشفى أو دار رعاية أو مأوى عجزة شيء آخر تماما. فنحن بحاجة ماسة الى ان نعد أنفسنا نفسيا واجتماعيا لتقبل فكرة القيام بالتطوع للعمل في مستشفى أو دار حضانة أو مركز إيواء لقطاء أو أيتام، هذا إذا كنا على استعداد أصلا لأن نعترف بوجود لقطاء ‘كويتيين’ بيننا!
لا يكفي يا عزيزتي ‘أروى’ أن يكون لديك ‘منفردة’ كل هذا الإحساس الإنساني المرهف وهذا الحماس لمساعدة الآخرين والتخفيف من معاناتهم، وهذا في حد ذاته أمر رائع يبين طيب معدنك وحسن تربيتك، ولكن المشكلة أكبر من ذلك بكثير والبؤس الاجتماعي مستمر.. وفي فمي ماء يمنعني من قول ما أريد وبقلمي كسرة تمنعه من كتابة ما أعتقد.
أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

حياة كريمة للجميع

 

الأمن الاجتماعي واستقرار المعيشة ورخاء الوطن والمواطن، هو كل ما نطمح إليه… إذن، سيكون أمام الدولة، على مدى السنوات الخمس المقبلة، مسئولية على قدر كبير من الحساسية والأهمية، في الوقت الذي يجب فيه البحث عن آلية سريعة جدا لتفعيل الجوانب الآتية بشكل عاجل:

– منح المزيد من الصلاحيات والدعم للمؤسسة التشريعية الممثلة في البرلمان من خلال تجاوب منجز يبني ثقة، أو لنقل «يزرع ثقة» ليست موجودة أصلا بين المواطنين ونوابهم، ولاسيما في مشروعات التوظيف والإسكان وتحسين مستوى المعيشة.

– اتخاذ إجراءات ضد جميع أشكال الفساد المالي والإداري، وعدم التباطؤ في تقديم المتنفذين والمسئولين الذين يسيئون استغلال مناصبهم ومسئولياتهم بالشكل الذي يضر بالمال العام ويخلق حالة من الغضب والتوتر والتذمر بين المواطنين.

– عدم إهمال الملفات المتراكمة التي تكدست جراء غياب الرادع القانوني المشدد ضد أي شخص يعمل على إثارة الفتن الطائفية والتمييز، أو تلك الملفات التي تسير عكس اتجاه طموح المواطن في العيش حياة كريمة ومستقرة وآمنة لا ينغصها وجود «ممارسين محترفين» لا هم لهم إلا السير عكس التيار والتفنن في تجاوز القوانين والأنظمة بالشكل الذي يلحق ضررا بمصالح الناس.

– الشباب والناشئة، هذه قضية… نعم قضية في غاية الحساسية، فهاتان الفئتان تفرضان وجود خطة رعاية شاملة ليس على مستوى التعليم والرعاية والرياضة، بل على مستوى النظر إلى هذه الفئة على أنها جزء كبير ومؤثر في المجتمع، والمستقبل، والنظر بعين فاحصة إلى ما يمكن أن يؤديه ضياع شباب يافعين في طريق لا نبغيه لهم، وتكون انعكاساته مؤلمة في حياتنا اليومية، بدءا بالانتقام من كل شيء حولهم، انتهاء عند تشكل فئات «مضادة للمجتمع».

– على رغم وجود خطط وبرامج نظرية جيدة على صعيد مكافحة الفقر والعوز ورعاية الأسر الفقيرة، فإن المطلوب توسيع التنفيذ من خلال زيادة المخصصات المالية لانتشال آلاف الأسر من حالة الفقر والحرمان.

أما على مدى السنوات الخمس المقبلة، فأرى من وجهة نظري المتواضعة، أننا في حاجة إلى خطة استراتيجية شاملة تضمن تحقيق تطوير نوعي في مجال: الممارسة الديمقراطية – تعزيز المواطنة من دون أية منغصات طائفية تقوم على أساس تكافؤ الفرص والحقوق – تدارك الأخطاء الناتجة عن التجنيس غير القانوني والاستقدام العشوائي للأجانب بشكل يؤثر على التركيبة الاجتماعية ويحدث خللا في العلاقات داخل المجتمع – النظر بعين الاعتبار إلى المتغيرات المحيطة وانعكاساتها، والاستفادة من مؤشر النمو الاقتصادي في إشعار المواطن بالرفاهية.

ولعل فيما ذكرت جوانب قاصرة، لكن الصورة المكتملة بالنسبة إلي، هي كسب طاقة كل مواطن في هذا البلد ليكون مشاركا في الحياة الكريمة للجميع.