من المدارس العريقة التى يستطيع المرء أن يتعلم منها الدروس والعبر والحكم مدرسة «روزنامة العجيرى» والتى يصدرها الدكتور الفلكى الكبير الأستاذ «صالح العجيرى»! إسمه بالكامل هو «صالح محمد صالح عبدالعزيز العجيرى»، من مواليد 23 يونيو عام 1920، له كتاب مهم بعنوان: «هل البروج ثلاثة عشر»؟ تعتبر روزنامته الشهيرة التى يصدرها كل عام «جامعة علوم مصغرة» بما تحتويه من معلومات وأشعار وحكم وبلاغة! قد لا يعلم الكثير من القراء إنه أنهى الأن إعداد وطباعة روزنامة عام 2018، ونحن مازلنا فى منتصف عام 2015 ، وحدد فيها بكل دقة – كعادته – مواعيد دخول شهر رمضان ورؤية الهلال والتى كثيراً ما ترفض حكومتنا الرشيدة الالتزام بها، ثم تكتشف – لاحقاً – إنه على صواب وهى على خطأ.. بدليل أن أهل الكويت خبروا كيف أن «الديرة أفطرت» بعد صيام إلى منتصف النهار فى عام 1977 أو قبل ذلك بقليل حين اكتشفت انه «عيد الفطر» وان «رمضان» قد انتهى يوم ..أمس!
الدكتور«أبو محمد» رجل فيلسوف وساخر وله «طلعات عجيبة»، منها إنه صرح ذات يوم بأن «طقم الأسنان» الذى قام بتركيبه أخيراً يستخدمه عند الضرورة لـ «حك ظهره»!
وقبل حوالى ثلاثين سنة، كنت أتناول معه سحور رمضان فـ ديوانيه الراحل «برجس حمود البرجس» في منطقة الشويخ، ويتكون من..«محمرّ، دبس، ومرق، خباط مالح»، ومن تعليقاته الطريفه بعد تناول هذه الوجبة إنه يقول: «من شدة وكثرة قوة الدبس.. فإن النمل يسير ورائى حتى البيت»!
حين أرسله والده وهو صغير إلى قبيلة «الرشايدة» الكريمة فى بر«رحية» جنوب غرب الجهراء لتعلم الرماية والفروسية والحياة الصحراوية، كان يعشق تأمل السماء خلال الليل وتبهره أعداد النجوم وتشكيلاتها فى بداية مبكرة لعشقه لعلم الفلك مما دفعه للذهاب إلى مصر «أرض العلوم والدراسة» فى جامعة «الملك فؤاد الأول» والتى تخرج منها عام 1946!!
تزوج وهو فى سن العشرين ورزقه الله بابنة واحدة وأربعة أولاد ذكور لم يهتم أحدهم بالفلك إلا أصغرهم «جمال»!
أول تقويم أراد طبعه كان فى بداية الأربعينيات ولم يكن فى الكويت مطبعة فقرر التوجه إلى بغداد حيث قيل له إن تكلفتها 20دينارا عراقيا، ولم يكن يملك ربعها، فتبرع له المرحوم «مساعد الصالح» بخمسة دنانير، والمرحوم «عبد العزيز العلي العبدالوهاب» بخمسة دنانير وتبرعت دائرة المعارف بخمسة دنانير، لكنه لم يستطع أن يحصل على الخمسة دنانير الرابعة ..فتوقف المشروع!
حين تقرأ فى «روزنامة العجيرى» إن «اليوم يكثر النمل» نتأكد أن «النمل» سيكثر خلال أقل من ساعة، وعندما يقول فى بداية مطلع أيام الصيف «يستلذ بشرب الماء البارد»، فتأكد انك لن تستلذ بشرب الماء فى ذلك اليوم إلا…باردا!
من أبيات الشعر الجميلة التى ينشرها فى أوراق روزنامته واحدة تقول: «ألا قل لمن كان لى حاسداً /أندرى على من أسأت الأدب؟/ أسأت على الله فى فضله/ لأنك لم ترض لى ما وهب» وهى للإمام الشافعى طيب الله ثراه!
وأيضاً نشر هذا الشعر الجميل الذى يقول: «إذا ما رأيت فتى ماجدا/ فكن بابنه سئ الإعتقاد / فلا المجد يورث من والد / ولا تورث النار إلا الرماد»!
ويكتب فى ورقه يوم آخر جديد هذا الشعر الذى يقول: «ما أن دعانى الهوى لفاحشة/ إلا عصاه الحياء والكرم/ فلا إلى حرمة مددت يدى / ولا مشت بى لريبه..قدم»
إن الدكتور «العجيرى» يبحر فى داخل محيطات الشعر ويغوص بأعماق الشعراء من كل الملل والنحل والحضارات عبر التاريخ فينتقى الأجمل والأحكم لينشرها فى الروزنامة ومنها هذا البيت الجميل للشاعر الفارسى القديم «عمر الخيام» الذى يقول فيه: «عاشر من الناس كبار العقول / وجانب الجهال أهل الفضول / وإشرب نقيع السم من عاقل / وإسكب على الأرض دواء…الجهول»!. أطال الله فى عمره وجعلنا ننهل من علمه هذا الرجل السمح الكريم والعالم الجليل «صالح محمد صالح عبدالعزيز العجيرى»!