فؤاد الهاشم

«اصبغ شعرك… يا ولد»!!

نظرية مؤكدة يعرفها كل صحافي في العالم يسافر إلى بلد ما، إن أفضل – وأول من يستقي منه معلومات عن ذلك المكان لحظة خروجه من المطار – هو.. سائق التاكسي!! هذه النظريه تأكد صحتها معي حين وصلت العاصمة الإكوادورية «كيتو» قبل 30 سنة، وفي بنما وفي واشنطن دي. سي، والقاهرة وبيروت وتونس وفرنسا والسويد وحتى جيبوتي والخرطوم والسنغال.. إلى آخره!! سائق التاكسي هو «العين السحرية» الموجودة في كل أبواب غرف الفنادق في العالم، فإن كانت «عين الفندق» تطل على الممر، فإن عين سائق الأجرة تطل على كل دهاليز وشوارع ومقار وأحزاب وأسرار البلد الذي يعرف كل زاروب .. فيه!!سائق التاكسي مثل الحلاق «يحب الهذرة والسوالف»، وقد وجدت حلا لحلاقي الخاص لإغلاق لسانه بإعطائه دينارا زائدا «كبقشيش»، مشترطا عليه أن ينهي عملية الحلاقة في عشر دقائق بدلا من نصف ساعة، فيتحرك بسرعة الضوء ولا يجد وقتا للحديث حتى يفوز.. بالدينار!! سائق التاكسي في «الإكوادور» وبإنجليزيته الركيكة أخبرني عن أطرف وأغرب محاوله انقلاب حدثت عندهم حين اقتحمت مجموعة ثورية يسارية مسلحة مطبعة الجريدة اليومية الأولى في البلاد، وأجبرت العمال على طباعة بيان الثورة داخل الصحيفة وإلغاء المادة الصحافية التي كانت منشورة فيها لتصبح جزءا من الجريدة، وقبل أن يتم تحميل الكمية على السيارات، داهمت قوات الجيش مبنى الجريدة ودكته على من فيه، فلم يتسلم المشتركون صحيفة الصباح المعتادة في ذلك اليوم، وانتهى انقلاب لم يعلم به نصف الشعب الإكوادوري! سألت السائق: «وكيف علمت أنت بهذا الخبر»؟ فأضحكني حين قال: إنه بعد أن ينتهي من عمله على سيارة شركة الأجرة، يذهب بسيارته الخاصة إلى الصحف اليومية؛ لأنه يعمل معهم موزعا لها، وشهد الواقعة في تلك الليلة.. بكاملها!!
أنا حاليا في نيويورك، وقد ركبت مع سائق تاكسي أسود، فسألته: «هل تؤيد فوز هيلاري أم ترامب»؟ فقال إنه يؤيد هيلاري! ثم سألني هو: «وأنت؟ من ترغب برؤيته رئيسا للولايات المتحدة الأميركية»؟ فقلت: «ترامب؛ لان هيلاري وراء كل مصائب الشرق الأوسط، وإنها ديمقراطية ومن سبقها الديمقراطي الأسود أوباما فشل في أن يكون أسود، وفشل في أن يصبح أبيض، المواطنون السود يقتلون في الشوارع برصاص الشرطة البيض، وهو جالس وصامت ويتفرج»!! عند الإشارة المرورية توقفت السيارة، فالتفت ناحيتي، وقال: «أنت تعرف الكثير عن مجتمعنا، لكنني سأضيف لك معلومة أخرى، إن الأسود الذي يحرص على التعليم ويذهب للجامعة يتهمه رفاقه السود بأنه يريد أن يصبح.. أبيض! وأن الأسود الذي يميل لونه إلى السمار يعتبره السود – شديدو السواد ملوثا من البيض، وليس منهم»!!
تعاملت مع «بياع – فقع» في الكويت على أنه سائق تاكسي في الربيع الماضي، وسألته: «أنت منين»؟ فقال: «إيراني من الأهواز»، فقلت: «وشللي جابك على الكويت»؟ فرد: ..«لقمة العيش والجوع في إيران»، ثم استكمل: «الله يرحم الشاه عن هذوله الشاهنشاهات لبيسة العمايم»!! لو كنت وجهت أسئلتي تلك في معظم البلاد التي زرتها إلى وزراء خارجيتها لما أجابني أحدهم إلا كذبا، لكن «سواقي تكاسيها» أكثرهم صدقا!!

***
آخر العمود:
قال الشعبي كنت جالسا عند شريح، إذ دخلت عليه امرأة تشتكي زوجها، وهو غائب، وتبكي بكاء شديداً، فقلت: أصلحك الله ما أراها إلا مظلومة، قال: وما علمك؟ قلت: لبكائها، قال: لا تفعل، فإن إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون وهم له ظالمون.

***
آخر كلمة:
«اصبغ شعرك.. يا ولد»:
سألتها قبلة يوما وقد نظرت
شيبي وقد كنت ذا مال وذا نعم
فأعرضت ومالت وهي قائلة
لا والذي أوجد الأشياء من عدم
ما كان لي في بياض الشيب من أرب
أفي الحياة يكون القطن حشو فمي؟

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *