حلت علينا أمس الذكرى السادسة والعشرون للغزو العراقي للكويت، الذي استمر ٧ أشهر. عندما تحررت الكويت في ٢٦ فبراير ١٩٩١ كنت و١١٨٢ إنساناً من الكويتيين والبدون، أسرى في معتقل أبوصخير، أو “قرمة علي” شمال البصرة. أثناء زياراتي المتكررة للعراق في مهمات إنسانية دولية، بعد غزوه في ٢٠٠٣، حرصت على زيارة المعتقل الذي كنا فيه، كان ذات المكان، بظرفين مختلفين، بين موت وحياة. كانت فرصة نادرة لاسترجاع ذكريات “تنذكر ولا تنعاد”.
كانت الكويت حاضرة بقوة في مجلس الأمن مرتين، فصلتهما ثلاثة عقود تقريباً، الأولى سنة ١٩٦١ حين تقدمت بطلب عضوية في الأمم المتحدة، والثانية في ١٩٩٠-١٩٩١، عندما أريد شطبها من عضوية الأمم المتحدة.
في ١٩٩٠ خدمت التحولات السياسية الكويت، فالاتحاد السوفياتي قد تفكك، وخرج من رحمه ١٥ دولة جديدة، وتفلشت الحرب الباردة، وتغيرت موازين القوى الدولية، فصدرت مجموعة قرارات لصالح الكويت لم تحدث في تاريخ الأمم المتحدة، بما في ذلك منظومة التعويضات، وترسيم الحدود، وتحريك الجيوش لتحريرها، فكانت استفادة الكويت من الأمم المتحدة استثنائية بين الدول. بالطبع، لم يكن التجاوب الأممي مع الكويت إبان غزوها، بسبب “سواد عيوننا” أو لأننا “خوش أوادم”. فالأمم المتحدة، هي محفل سياسي، وهي ليست هيئة خيرية تتحرك بهذا الاندفاع رفعاً للظلم، ولكن توقيت مغامرة الغزو، ضمن تحولات دولية عارمة، أسهم بشكل كبير في استعادتنا لبلادنا، التي تعرضت لظلم شديد. فتحققت المعادلة النادرة في العلاقات الدولية، وهي أن يلتقي الحق مع القوة. وفي هذه المرة، كان رفع الظلم متوافقاً مع موازين القوى. فلو كان رفع الظلم عنصراً أساسياً في العلاقات الدولية، لما ظلت قضية فلسطين يعبث فيها العابثون حتى الساعة.
في المقابل فشلت محاولات الكويت للدخول في عضوية الأمم المتحدة، بسبب استخدام الاتحاد السوفياتي للفيتو ضدها، ولم تصبح عضواً إلا بعد سقوط قاسم، سنة ١٩٦٣، وتطبيع العلاقات مع النظام الجديد، وعلى أثرها تقدمت الكويت مجدداً بطلب الانضمام، وتم قبولها دون اعتراض. وتحركت الكويت بنضج دبلوماسي فأقامت علاقات دبلوماسية كاملة مع الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية، متفردة بذلك عن شقيقاتها الخليجيات ودول عربية أخرى. ففي حين كانت بعض الدول تمنع مواطنيها من زيارة الاتحاد السوفياتي ومنظومته، وكانوا يزورونه سراً، دون ختم الفيزا بالجوازات، كانت الكويت تعزز علاقاتها تلك لدرجة السماح لطلبتها بقبول منح سوفياتية للدراسة.
على من يريد أن يفهم النظام السياسي الكويتي أن يغوص بعمق في حقبة الاستقلال. بالطبع هناك من العوامل الأخرى المؤثرة مما هو أقدم، إلا أن أزمة الاستقلال كانت عنصراً حاسماً ومعجلاً في تشكيل بنية المنظومة الإصلاحية، وكانت معادلة القوة النسبية التي أدركها الآباء المؤسسون هي علاقات خارجية فاعلة وانفتاح سياسي داخلي، والذي يبدو أنه يجري تفكيكه ببطء وعلى نار هادئة.