عندما جاء الاستقلال في يونيو 1961، ومعه أزمته الكبرى بمطالبة قاسم بالكويت ورفضه استقلالها، لم يكن للكويت جهاز متخصص بالشأن الخارجي، حيث إن الشؤون الخارجية كانت مسؤولية بريطانيا بموجب اتفاقية 1899.
وكانت أزمة 1961 تتطلب دبلوماسية فاعلة أكثر من أي أداة أخرى من أدوات إدارة الدولة. ولذا وجدنا السياسة الخارجية الكويتية تولد من رحم الأزمة، ولربما أن تلك الولادة الصعبة هي التي جعلت الشأن الخارجي الكويتي أكثر توازناً من غيره، ففي حين شهدت البلاد في العقود الأخيرة تراجعاً ملحوظاً في كل المرافق تقريباً، تستمر السياسة الخارجية في الحفاظ على توازنها، من دون أن يعني ذلك أنه لا توجد أخطاء وزلات ترتكب هنا أو هناك. الملاحظ هو أن أزمة 1961 كانت من أهم أسباب صناعة سياسة خارجية متوازنة، والأدلة على ذلك كثيرة لا حصر لها.
حتى نيل الاستقلال، كان الشأن الخارجي يدار عن طريق الاتصالات الشخصية، وكانت حرية التواصل مع دول الجوار وغيره قائمة، ولكنها لم تكن على أساس مؤسسي.
ففي البعد المؤسسي تم تأسيس وزارة الخارجية، وتم تكليف جاسم القطامي أول وكيل لها، كما أسلفنا، وصار سمو الشيخ صباح السالم أول وزير لها، ثم صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، الذي أعطاها شخصيتها المعروفة، وظل بها كأقدم وزير خارجية في العالم، لحين توليه رئاسة الوزارة في 2003 .
أما في مرحلة إدارة الأزمة، وقبيل استكمال بناء مؤسسة الشؤون الخارجية، فقد تشكل وفد برئاسة سمو الشيخ جابر الأحمد، وعضوية نصف اليوسف النصف وعبدالعزيز الصقر ويوسف إبراهيم الغانم، يرافقهم عبدالعزيز الصرعاوي وبدر النصرالله وحمد بن يوسف العيسى، وممثلين عن الصحافة الكويتية هما عبدالعزيز المساعيد ومحمد مساعد الصالح. زار الوفد سبع دول عربية خلال أقل من أسبوعين، بدءاً بالمملكة العربية السعودية ثم مصر، فالسودان فليبيا فتونس فالمملكة المغربية ثم المملكة الأردنية الهاشمية ثم لبنان.
وكان الوفد يعقد مباحثاته في كل دولة على أعلى مستوى، وفي أغلب الحالات كان يعقد مؤتمراً صحافياً، تتناقله وسائل الإعلام المختلفة، في الوقت ذاته الذي كانت فيه معركتان دبلوماسيتان محتدمتان في الجامعة العربية والأمم المتحدة. كان ذلك مبرراً لاستقبال الوفد الدبلوماسي العائد استقبالاً كبيراً.
قدم الوفد خلاصة رؤيته من واقع زياراته واستماعه لكبار المسؤولين العرب، وضمن ذلك بتقرير محوري، لا تكفي هذه العجالة لعرضه، ولكن تم على ضوئه وضع أسس لبناء دولة حديثة. وفي إثرها طلب الشيخ عبدالله السالم من القوات البريطانية الانسحاب من الأراضي الكويتية من دون تأخير، الأمر الذي أثار استغراب دوائر القرار البريطاني، وفق وثائقهم.
السياسة الخارجية بالنسبة إلى بلد صغير كالكويت مثلت ومازالت تمثل، كما سنرى، أحد خطوط الدفاع الأولى، ومحطات إنذار مبكر، وهي لا تقتصر على وزارة الخارجية فحسب، ولكن تمثل منظومة واسعة من المؤسسات والأفراد والجهات، بما في ذلك مؤسسات المجتمع المدني.