ما عمّرت الهند وجنوب أفريقيا وحتى رواندا إلا القدرة على المغفرة والتسامح، وما دمر العراق وسورية وليبيا والصومال إلا الرغبة في الانتقام الشديد من المنضوين تحت الأنظمة السابقة مما جعل السابقين يشعرون ويعلمون ان استتباب الأمور في بلدانهم يعني قتلهم وسحلهم في الشوارع، لذا عملوا على الا تستقر أوطانهم قط، ولن يصلح حال دولنا العربية إلا عند إعلان الحكومات والأنظمة العفو والمغفرة عما سبق، ولا يعتد في هذا السياق بما قام به المخلوع المأجور ناكر الجميل علي عبدالله صالح بعد منحه الحصانة فذلك شذوذ لا يقاس به.
***
وحتى لا يعيب علينا الساسة الأميركان الانتقام المدمر نفسه، نذكرهم بما فعله أجدادهم عقب انتصارهم واستقلالهم من الإنجليز عام 1776 عندما توجهوا للانتقام من كل اميركي سمع انه ترنم ذات يوم بالسلام الملكي البريطاني لذا ترك هؤلاء المطاردون وهم بعشرات الآلاف أميركا وتوجهوا شمالا الى كندا، حيث أسسوا دولة خاصة بهم ولو تسامح الأميركان آنذاك لامتدت حدود الولايات المتحدة فور استقلالها الى أقصى القطب الشمالي ولما كانت هناك دولة اسمها كندا بقيت تحت حماية العرش البريطاني.
***
وجزء من دمار دول الحاضرة العربية يقوم على مبدأ «الأرض المحروقة» حيث تقوم القوى المتصارعة في العراق وسورية وليبيا.. إلخ، بتدمير كل ما يقع بيدها كي لا يقع بيد الخصم وهو نهج قامت به روسيا ضد جيوش نابليون وهتلر، كما قامت به للعلم قوات الشمال الأميركي إبان الحرب الأهلية ضد الجنوب ضمن ما سمي بعملية «اناكوندا» التي قادها الجنرال الشمالي الشاب وليم شيرمان، حيث لم يبق حجرا على حجر في الولايات الجنوبية التي اجتاحها، حيث أحرق الزرع والضرع وهدم البيوت والمصانع وقتل الحيوانات والبشر فيما صنفه بعض المؤرخين بأول إبادة جماعية في التاريخ الإنساني الحديث حتى قال القائد مولتكه رئيس جيش بروسيا (ألمانيا) آنذاك: «ان ما حدث أمر لا يصدق ويفوق الخيال بشاعة فما تم كان تجاه وطن خاص بهم، حيث كانت الحرب محسومة أصلا والمدمرون هم في النهاية من سيدفعون ثمن ما دمروه «وهذا ما يتكرر بكل «ذكاء» هذه الأيام في أوطاننا العربية!
***
آخر محطة: (1) عندما اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية كان الدولار يعادل ليرتين لبنانيتين وتبارت القوى المتحاربة في تدمير مبانيها واقتصادها والعملة التي تضمهم جميعا وبات الدولار يقارب الألفي ليرة.
(2) من أوقف انهيار الليرة اللبنانية وأوقف الحرب اللبنانية هو الشهيد رفيق الحريري لذا ففضله ومعروفه على اللبنانيين جميعا وهو من رسخ المحبة والسلام والوئام بين اللبنانيين فكان جزاؤه.. الاغتيال!