خلال أسبوع واحد فقط ظهرت على السطح فضيحتان يفترض أن تهزا بلاداً كثيرة وأشخاصاً نافذين في بلادهم وبلادنا بالطبع.
الفضيحة الأولى هي لشركة “أونا أويل” في موناكو، المتخصصة في تخليص أو “إغلاق” العقود النفطية، عن طريق الرشا. وقد ظهرت للعلن عن طريق انفلات حزمة كبيرة من الإيميلات الخاصة بأحد العاملين في الشركة، ومن ثم نشرها إعلامياً بشكل واسع. الأسماء الواردة كبيرة في بلادها، ومن المفترض أن تطيح برؤوس سواء بموس أو بدون موس.
لم يكد العالم يفيق من فضيحة “إيميلات موناكو” حتى ظهرت لنا “أوراق بنما”، عبر اختراق مكتب المحاماة البنمي “موساك فونيسكا”. وكانت الحصيلة عبارة عن 11.5 مليون وثيقة، أو 2.6 تيرابايت بلغة الكمبيوتر. سربها شخص مجهول لصحيفة ألمانية منذ سنة، فأشركت معها منظمة صحافية دولية للتحقق من المعلومات قبل النشر. وبالتالي باشرت 100 صحيفة في العالم التحقيق في 215 ألف شركة من 200 دولة ومنطقة، للفترة من 1977 حتى ديسمبر 2015. فاتضح أن ما في “الفخ أكبر من العصفور”، فظهرت أسماء 140 شخصية سياسية بارزة، منهم 12 رئيس حكومة حالياً أو سابقاً، إضافة إلى الفيفا ولاعبين مشهورين. وكشفت التحقيقات الصحافية ما يدور في “ملاجئ الفاسدين” أو “أوفشور”، أو “الملاذات الضريبية”. بالطبع ليس كل من يستخدم الأوفشور بالضرورة مذنباً، فهي لا تمثل بذاتها فعلاً مخالفاً للقانون، لكن الأمور قد اختلطت، وتداخلت، وتشابكت، حتى صارت وكأنها موسم هجرة إلى الفساد، وصار الذين يستخدمون تلك الشركات لأغراض غسيل الأموال، وإخفاء ثرواتهم، أو التهرب من الضرائب هم الأغلبية. وكان الكشف عن هذه المعلومات فقط تأكيداً للنمط الفاسد الذي يدار به العالم. وربما يلقي بعض الضوء على أسباب التشوهات الدولية والاحتقانات. مكتب المحاماة البنمي هو رابع أكبر مكتب في العالم يتعامل في شركات الأوفشور، فعلينا فقط أن نتخيل حجم الفساد على المستوى العالمي لو تم اختراق المكاتب الكبرى الأخرى، وتم كشف ما بها من أسرار.
خطورة الفساد ليست في الجانب المالي فقط، فهو الجانب الظاهر. فكلما زاد الفساد قلت العدالة، وزادت الفوارق بين الناس، وزادت الحروب، وزاد التعصب، وزاد عدد الفقراء، وانتشر البؤس، وتضاعفت أعداد اللاجئين. فالفساد على أية حال من أبرز أشكال انتهاك كرامة الإنسان.
ردود الفعل في العديد من دول العالم هي التحقيق الجاد في المعلومات، سواء في “إيميلات موناكو” أو “أوراق بنما”.
وحيث إنه ورد في حيثيات “إيميلات موناكو” ذكر شخصية كويتية نافذة لقب بـ”الجبنة الكبيرة”، كان له دور واضح في “التربيط” و”التضبيط” في زمن فات. فهل سنسمع شيئاً عن فتح تحقيق في المسألة، حتى لو على سبيل الهمس؟ أم أن هناك من سيعتبر الحديث عن الفساد عندنا ضاراً بالأمن الوطني، من يدري؟