شكلت زيارة ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند أخيرا إلى السعودية للقاء الملك سلمان علامة لافتة أبرزت الكثير من الأسئلة، لا سيما التي تناولتها الأوساط الصحافية السياسية على مستويات عدة في شكل العلاقات بين الهند وباكستان والسعودية وإيران على وجه الخصوص. لماذا هذه الزيارة مهمة؟ وما الذي ستؤول إليه نتائجها؟.. وهل يمكن أن تتحرك هذه العلاقات الثنائية قدما دون باكستان كعجلة ثالثة في المركبة؟.. أما أكثر الأسئلة حيوية فهي التي يمكن تداولها على مستوى الإقليم، هل الزيارة تعني أن الهند تتجاهل علاقاتها مع إيران؟..
لا شك أن الإجابة الأكثر بساطة للسؤال الأول حول أهمية تعزيز العلاقات فهي تبادل المنافع الاقتصادية والأمنية بصفة الهند حليفا رئيسا دوليا في الحرب على الإرهاب. العلاقات الجيدة بيننا والهند حتمية بطبيعة الحال في الوقت الراهن، وذلك لأن السعودية هي أكبر مورد للنفط للهند، خاصة مع تزايد شهية الهند وانخفاض أسعار الوقود وتزايد انحدارها. وهو الذي يتزامن وخفض الولايات المتحدة واردات النفط الخام من السعودية إلى النصف بين العامين الماضيين. كما أن المملكة أحد أكبر الشركاء التجاريين للهند. والجزء الأكبر من الشتات الهندي يقع في منطقتنا الخليجية. ويقدر عدد الهنود في المملكة بنحو ثلاثة ملايين عامل، غالبيتهم مما يسمون بـ blue-collar workers، وهي العمالة الرخيصة التي تسهم في إنشاء المشاريع الضخمة.لكن لا ننسى أن الهند فيها قدرات تكنولوجية رفيعة. ولا ننسى أيضا أنها تضم نحو 170 مليون مسلم، وهي أكبر أقلية دينية في الهند. لذا فتجد الهند الطريق ملائما ومعبدا إلى المملكة في الوقت الراهن. وتجد المملكة بالمقابل الطريق أكثر ملاءمة للتعاون.
التعاون الاقتصادي والأمني مع الهند هو عصب العلاقة، وهو ما يقود بشكل طبيعي إلى التفاهمات السياسية. إلا أن السؤال المثير للاهتمام، هو ظهور الهند أمام ورقة باكستان في الخليج، بعد زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى الإمارات التي تضم دبي إحدى أكبر الودائع المالية لأثرياء الهند في الخارج إضافة للشركات الهندية. ومن ثم تبرز صورة العلاقة الوثيقة التقليدية مع باكستان، غريم الهند، أمام علاقة الهند الطبيعية مع إيران. نهاية الأسبوع الماضي كان روحاني في إسلام أباد لإجراء عدة صفقات، إسلام أباد الحليف العسكري مع السعودية في حربها ضد الإرهاب. وسيقوم دارمندرا برادان، وزير الدولة للبترول والغاز الطبيعي، بزيارة إيران الأسبوع المقبل. ونيودلهي، لا سيما في ظل الحكومة الحالية، عززت وتصبح أكثر انفتاحا حول علاقاتها مع تل أبيب. هذه الشبكة من العلاقات تقول إن الدبلوماسية هي الفن الذي يحتاج إلى إنعاش مستمر.إذ لا يمكن بطبيعة الحال الاعتماد بشكل دائم على العلاقات التقليدية. وإن كانت هذه الزيارة ستسهم في تحقيق تغيير جذري في العلاقات الثنائية فهي التركيز على الواقع الجيوسياسي ولعب دور استراتيجي رئيس فيه، وتعزيز فرص التعاون والصداقات الدبلوماسية أمام مرحلة جديدة لاكتشاف حلفاء وأصدقاء جدد بدوافع المنفعة.