نشرت جريدة السفير اللبنانية قبل أيام لقاء مالكها، طلال سلمان، مع الكاتب محمد حسنين هيكل، وكان مما قاله، فض فوه، في تخاريفه ولقائه المطول والممل: ان دول الخليج تتصرف بطريقة «متخلفة»، وان الدول الخليجية كدول وانظمة لا تملك مقومات البقاء، ومعروف ان هيكل لم ينظّر لشيء، وثبتت صحته قط، وقد سبق له ان استأذن كاذبا بالانصراف والاعتكاف، لعله يكفر عن جزء قليل من أخطائه وجرائمه في حق الامتين العربية والاسلامية، ففكره الذي كان يمثله الرئيس عبدالناصر هو الذي بدأ العداء السافر والشديد مع باكستان وتركيا وإيران، وهي عمق دولنا العربية الاستراتيجي، بعد ان كانت تلك الدول على احسن وافضل علاقات اخوة ومصاهرة مع الأنظمة الملكية في مصر والعراق وليبيا والأردن وغيرها!
***
والدول والأنظمة الخليجية التي يرى هيكل في تخاريفه انها لا تملك مقومات البقاء متوسط عمر دولها وانظمتها يزيد على 3 قرون، بينما لم يصمد نظام الرئيس عبدالناصر، الذي خدعه وغرر به هيكل، إلا عقدا ونصف العقد فقط لا غير (1954-1970)، وتشير كل المقاييس والمؤشرات الدولية، التي تنشر كل عام، الى ان الدول الخليجية ـ في الأغلب ـ خرجت من مستوى العالم الثالث الى مستوى العالم الأول في جودة التعليم والخدمة الصحية ومؤشرات التنمية ومستوى الجامعات والشفافية وعدد مستخدمي الكمبيوتر والإنترنت، وتشير نفس المقاييس الدولية الى ان الدول الثورية العربية التي يروج لها هيكيل مازالت تتجه سريعا الى عصور الظلام، ومستوى دول العالم الثالث بعد المائة، وامتدت الانجازات الخليجية للانتصارات العسكرية حيث لم تهزم دولها في حرب قط، بينما تعرضت الأنظمة التي يمثلها هيكل لهزائم عسكرية فضائحية دون انتصار قط، وقد راهنت على المعسكر الشيوعي القمعي المتخلف الذي سقط وتفكك سريعا، بينما راهنت دول الخليج بذكائها وحكمتها على الاحصنة الغربية الرابحة فنجحت وتطورت.
***
وقد عرف عن هيكل عشقه للطغاة القمعيين الفاسدين، وعلى رأسهم صدام والقذافي، ورفعه ـ كحالهم ـ لشعارات سياسية واعلامية، كدعاوى «الوحدة العربية»، والعمل ضدها في الوقت ذاته، فقد انفصلت السودان وسورية عن مصر الناصرية أو الهيكلية، كما خسرت مرتين قطاع غزة الفلسطيني، وافشل هيكل بمقالاته الوحدة المصرية ـ السورية ـ العراقية عام 63، وكرر الأمر ذاته في افشال الوحدة المصرية ـ السورية ـ الليبية ـ السودانية عام 71، عندما شجع السادات على الانقلاب على من اسماهم مراكز القوى الداعمين للوحدة الرباعية.
***
في وقت نجح فيه الملك عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، في توحيد الجزيرة العربية ضمن دولة زاهرة قائمة ودائمة، ومثل ذلك نجاح الشيخ زايد آل نهيان، رحمه الله، في تحقيق الوحدة بين الامارات السبع. ان الخوف الذي يراه ويرقبه العالم اجمع ليس على فناء الدول الخليجية الآمنة والمستقرة، بل الخوف كل الخوف على بقاء الدول العربية الثورية التي قسمتها ودمرتها الأنظمة الثورية التي سوق لها في الخمسينيات والستينيات هيكل.. ان كان يذكر!
***
آخر محطة:
(1) ضمن الفارق الكبير بين ما يرفعه هيكل من شعارات في العلن وما يقوم به من أعمال في الخفاء، ادعاؤه العداء للغرب، في وقت اتهمه الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف بالعمالة للغرب، وطرده من موسكو، ومثل ذلك اتهام الرئيس محمد نجيب له بالعمالة، وكتاب اميركيين كبار مختصين بعلوم التخابر امثال مايلز كوبلاند وكراين افنلند في كتابيهما «لعبة الأمم» و«خط في الرمال».
(2) لم يُعد هيكل طباعة كتابه «إيران فوق فوهة بركان»، الذي اصدره عام 51، بعكس كتبه الأخرى، لكشفه قيام المخابرات الغربية بترتيب لقاءات له مع شاه ايران وشقيقته اشرف لتلميع صورتهما امام المعارضة الدينية واليسارية الايرانية وقد أتي ضمن الكتاب ان رئيس حزب الوفد مصطفى النحاس هو من طرح في ذلك الوقت المبكر فكرة تأميم قناة السويس.
(3) في نهجه الملتوي لإثارة الاحقاد والخلاف بين الدول العربية، دعا هيكل عام 92 الى توزيع ثروة الخليج على فقراء الدول العربية، يملك حاليا هيكل ثروة مسجلة باسم ابنيه حسن واحمد خريجي الجامعات الاميركية لا السوفيتيية تقدر باكثر من 15 مليار دولار، فهل يتبرع ببضعة آلاف منها الى ابناء قريته «البسوس» الذين يلعنون بخله، وابتعاده عن عمل الخير، كما اتى في كتاب الكاتب مرسي النويشي عنه؟!