في عام 1979، وصل الإمام الراحل آية الله الخميني إلى مطار مهراباد الدولي في طهران، فاشتعل مسجد «حجي شعبان» الكائن في منطقة شرق، وتحول الى إذاعة خارجية للثورة الخمينية ومجلس قيادة لها داخل الكويت! بدأت بوادر الفتنة والعصيان على الدولة وقوانينها تطل بقرونها من أبواب وشبابيك المسجد، وانجذب إلى هذا الزار العديد من السذج والسفهاء وعتاولة الحركة السياسية في الكويت، ومن بينهم الدكتور الخطيب وجماعته!!
تحركت الدولة للحفاظ على هيبتها، وصدر القرار الشهير بطرد المرحوم عباس المهري مع أسرته عقب إسقاط الجنسية الكويتية عنهم، وتحول إلى سفير غير معتمد للخميني في البلاد، ونشرت الصحف صورهم وهم يغادرون الكويت عبر المطار متجهين إلى «الجنة الموعودة».. الجمهورية الاسلامية الوليدة في ايران! جاء التحرير، وعادت أسرة عباس المهري إلى البلاد، عقب عفو أميري واستردوا جنسياتهم المسحوبة، لكن الأب ظل هناك بعد أن أخذ الباري عز وجل أمانته ودفن حيث هو! يقول أحد ابناء المرحوم عباس المهري لصديق مشترك، لقد خدعنا خدعة كبرى، وعشنا في ذل وعلى الكفاف، ولولا زكاة الخمس التي كانت تصلنا من شيعة الكويت لما استطعنا البقاء أحياء طيلة السنوات العشر التي سبقت عودتنا إلى أرض بلادنا الحبيبة!
يكمل الابن حديثه ـ وبألم واضح ـ بعد وصولنا إلى طهران بشهر واحد فقط، تقدم الوالد بطلب إلى الإيرانيين لكي يمنحوه جواز سفر يغادر به إلى الاراضي المقدسة لتأدية فريضة العمرة، لكن جوابهم.. فاجأنا! قالوا: أنت لاجئ سياسي عندنا، يكفيك هذا، فعن أي جواز سفر تتحدث؟ لا تحلم بذلك على الإطلاق!! شعر والدي ـ رحمه الله ـ بالندم بعد فوات الأوان، وعرفنا اننا قد بعنا الأغلى، وهو وطننا الكويت بالأرخص، وهو وقوفنا إلى جانب ثورتهم الإسلامية هذه، لكن خط الرجعة كان قد قطع، ولم يعد هناك مجال لأي شيء سوى الدعاء للباري عز وجل أن يغفر لنا، ولشعبنا ولقيادتنا أن تعفو عنا، إلى أن جاء الغزو العراقي وصرنا نرى الكويتيين الذين دخلوا إلى الاراضي الايرانية هربًا من بطش صدام حسين وأزلامه فاستقبلناهم بالأحضان وبكينا على صدورهم، في الوقت الذي كانوا هم بحاجة إلى صدر ليبكوا عليه، استنشقنا منهم رائحة تراب الكويت وهواء صيفها وربيعها وشتائها وخريفها، حتى جاء يوم التحرير وأصدر الأمير الراحل عفوًا شاملاً عنا، جاءنا خبره وكأنه سراب يحسبه الظمآن ماء، لكنه أصبح حقيقة واقعة حين لامست أقدامنا أرض الكويت الغالية!!
يسترسل الابن في حديثه لصديقنا المشترك قائلا: كانت جنسيتنا المسحوبة منا وفقًا للمادة الأولى ـ بالتأسيس ـ وعندما عدنا الى بلدنا أعطونا الجنسية وفقا للمادة الثانية، لكننا ـ من فرحتنا ـ كنا على استعداد للقبول حتى بجنسية من الدرجة العاشرة إن وجدت، المهم أننا اصبحنا كويتيين مرة أخرى، وما زالت ذكرى السنوات العشر السوداء التي قضيناها فوق أرض الثورة الإسلامية التي غررت بنا، كما خدعت الثمانين مليون مواطن إيراني ماثلة في مخيلتنا!! تألمنا كثيرًا لما فعله عبدالصمد ولاري وجماعتهما، إنهم يقعون في الخطأ ذاته الذي وقعنا فيه قبل حوالي ربع قرن خلال أحداث مسجد «حجي شعبان»، لا نريدهم أن يمروا بما مررنا به، وليتعظوا من دروس الماضي ومن سياط الندم التي انهالت على ظهور ورقاب ورؤوس من سبقهم في التهليل والتشجيع والتأييد للثورة وللولي.. الفقيه! انتهى كلام الابن ولم تنتهِ حكاية من حكايات.. الوطن!!
عقب انتهاء حديثه مع صديقنا المشترك، عتب الابن على وكيل المراجع الشيعية السيد محمد باقر المهري لتصريحاته النارية أحيانًا، وتمنى عليه أن يستخدم لقبه الأصلي المسجل على الجنسية والبطاقة المدنية، وهو الموسوي، حتى لا يعتقد الناس بأن السيد ينتمي إلى أسرة عباس المهري، التي تريد أن تعيش بسلام ويكفيها تمامًا.. ما جاءها، فهل يستجيب السيد المهري ـ سابقًا الموسوي حاليا لرغبة هذه العائلة؟ نتمنى ذلك!!