سعيد محمد سعيد

رأس «الهمبايه»!

 

هذه فسحة للذهاب إلى الوراء، إذ أيام الطفولة ومراتعها وبراءتها وجمالها، سأصطحب معي فيها القراء الأعزاء، علنا نخفف على أنفسنا قليلا من العناء الذي تمثله الصحافة وكتابات الصحافة وأرق الصحافة وبلاويها!

ولا أجد الفرق بين ما كنا نعيشه أنا وأندادي في قرانا الصغيرة، وبين قصة «توم سوير» الشهيرة التي تحولت إلى مسلسل كارتوني بريطاني شهير، إنما الفارق الوحيد بيننا هو أن شعرهم أشقر وبشرتهم بيضاء، بينما شعرنا في الغالب «ليفة» وبشرتنا «جلحة ملحة»!

لماذا أريد العودة إلى ذلك الشريط؟ وسأقولها بصراحة: أريد أن أقنع عقلي بأننا في ذلك الوقت، ما كنا نعيش أو نفهم أو نشعر بالطامة الكبرى التي سقطت على رؤوس أهل البحرين من طائفية وتمييز ورغبة في الاقتتال والاحتراب على أمور دينية ودنيوية… الأمر سيان! ولست هنا أريد العودة إلى سن الثامنة أو العاشرة باستخدام «ساعة الزمن»، ولكنني أريد أن أقول شيئا قد يكون خطيرا بالنسبة إلى كل المواطنين: «لا تتوقعوا للطائفية نهاية في بلادنا، ولا تحلموا بأن تسير الأمور على ما يرام، ولن يحدث ذلك إلا حينما تقرر الحكومة أن تكون قبضتها حديد، لتحطيم كل طائفي، وكل حرامي، وكل مشارك في التقارير والتنظيمات، وكل عميل داخليا كان أم خارجيا، وكل فرد تمتلك عيناه وأذناه ويداه ورجلاه القدرة على توجيه الفعل الموجع للبلد».

أعود إلى أيام الطفولة أحسن…

في قرية «البلاد القديم» كانت هناك عين ماء صافية تسمى عين «أم الرمل»، وكانت هذه العين بمثابة العشق الأسطوري لكل من يعرفها، وليس لأهالي القرية فقط، وكنت من بين مجموعة من الصبية الذين لا تطلع شمس يوم إجازة إلا ونحن في حضن العين، أو متجهين إلى العين بعد العودة من البحر الجميل «سابقا»، خليج توبلي «حاليا»! فالمرور على عين «أم الرمل» يعني البقاء أحياء حافظين للعهد الوثيق مع هذه العين التي تمثل الارتباط بالأرض بالنسبة إلينا… ويا لها من أرض، إذ كنا نحفر على ارتفاع قدم واحد، فنجد تلك الحفرة الصغيرة وقد امتلأت بالماء بعد لحظات قصيرة… الأرض كانت يومئذ زاخرة بالحياة!

فجأة، وجدنا «راس الهمبايه» يباغتنا فجأة! وكنا نشعر أنه يصر على إبعادنا عن عشقنا لهذه الأرض ولهذه العين… عين أم الرمل! «راس الهمبايه» كان شخصا أملس الرأس، ويبدو من هيئته المائلة إلى الحمرة أنه ليس من أهل البحرين إطلاقا، ولم نسمعه قط يتحدث… إنما «يحمر عينيه» ويزمجر بقوة مثل زئير الأسد، فيكفينا هذا لكي نهرب بعيدا كوننا أطفالا وهو شاب ضخم وطويل.

لم نعرف اسمه، إذ كان غريبا، لكنه لم يكن أديبا، لذلك أطلقنا عليه أنا وأصدقائي من أهل القرية «راس الهمبايه» للشبه الكبير بين رأسه وحبة المانجو، وعلى رغم أننا كنا ومازلنا نحب الهمبة، لكن «راس الهمبايه»، سنظل نكرهه إلى الأبد لأنه لايزال يلوث عين «أم الرمل»!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *