أخيرا، قرر أحد الإخوة المصريين المجازفة والتضحية بحياته والذهاب إلى عقد قران صديق له يعيش في إحدى قرى شارع البديع…
ذلك الرجل، منذ جاء إلى بلادنا قبل أربع سنوات، لم يزر الكثير من القرى… وخصوصا تلك (طيبة الذكر) الواقعة على شارع البديع (طيب الذكر أيضا) لسبب ما يسمعه من أحد الوافدين من قصص يندى لها الجبين، وبسبب ما يقرأه في أحد المنتديات (الأمينة، الصادقة، الوطنية، المخلصة) من موضوعات وقصص عن إجرام أهالي القرى وأحقادهم الدفينة وولائهم للصفوية ولإيران، ولوحشية شباب القرى وشيوخهم، بل وحتى العجائز هناك… كل ذلك جعله يرجو السلامة؟ فما له وما للقرى وزيارتها… «وفيها إيه يعني؟ وعشان إيه أروح في شربة ميه؟ تتفلئ بأه».
المهم أن صديقنا المصري – كما قلت لكم – جازف بحياته وذهب لتقديم التهنئة إلى زميله في العمل، سعيدا بعبارة (وبحضوركم تكتمل المسرات)، حتى لو راح «في شربة ميه»!
بعد تلك الزيارة، خرج محدثنا بانطباع آخر… فلم يهدد حياته أحد حين سأل الناس عن المأتم الذي يجري فيه عقد القران… بل وجد من يقوده إلى باب المكان… ولم ير حملة «المولوتوف» و «السلندرات» يطاردونه ليقصفوا عمره، كونه من أولئك الدخلاء العملاء أعداء أبناء الوطن… وفي جلسته مع المهنئين، وجد زملاء آخرين: عربي، آسيوي، بل وهولندي أيضا… كلهم جالسون بأمان…
تغيّرت نظرة صاحبنا ليكتشف كذب المكذبين الذين كانوا ولايزالون يفصلون الكذبة تفصيلا على القرى وأهالي القرى ليصبحوا (هم) أهل الولاء الصادق، أما أهالي القرى فهم (صفويون) مجرمون!
قال لي الأخ المصري إنه وجد شكلا آخر لعامة أهل القرى من ناحية الكرم والطيب… وكان يتوقع أن يسمع كلاما وهمزا ولمزا… ولربما هددنه بعض الملثمين! لكن شيئا من ذلك لم يحدث… حتى أنه وجدت من خلال الحديث مع اثنين من الشباب أنهما يعملان في وزارة الداخلية ومن قريتهم هناك نحو 13 من الجيران يعملون في الداخلية! وهذا الأمر أصابه بالاستغراب! ثمة شيء آخر اكتشفه وهو أن الحديث عن السياسة في مثل هذه المناسبات يأخذ مجراه أيضا لكن في حد يسير، وقد سمع للمرة الأولى أن أهالي القرى ليسوا هواة قتل خلق الله بـ «المولوتوف» أو تخريب البلد وحرقها بـ «السلندرات» وما شابه، لكنهم أصحاب مطالب حالهم حال أي مواطن محترم في دولة محترمة، يعبر فيها عما يشاء لايصال مطالبه، لكن للأسف يقع العنف أحيانا من أكثر من جهة، وهذا ما لا يريده الجميع.
لا نحتاج إلى كلام أخينا المصري كشهادة، فقرى البحرين هي أرض الكرم وطيب القلوب والمحبة المنسوخة من روعة النخيل.. لكن من أجل أن نقول لمثيري الكراهية: سلاما سلاما.
وقبل الختام أريد القول إنه بعد الحوادث المؤسفة الأخيرة، مرت أيام هادئة، واجتزنا إجازة نهاية أسبوع هادئة أيضا… فإن كان ذلك ممكنا في أسبوع، ألا يمكن أن يكون الأمر مستمرا؟!
الإجابة لدى الحكومة، ولدى المعارضة، ولدى الرموز السياسية والدينية ذات الاتجاه المعتدل.