رسالتها الإلكترونية تحمل الكثير من القهر، كتبتها لي بعدما أضرب عمال محطات الوقود البنغاليون في الكويت عن العمل احتجاجا على حرمانهم من رواتبهم، تقول في رسالتها: «يرضيك يا الوشيحي أن أنزل من سيارتي في هالحر أعبّي بنزين بنفسي، وين راحوا البنغالية يعلّهم الماحي»، وللتوضيح لغير المتحدثين بالكويتية: «هل ترضى يا الوشيحي بأن أنزل من سيارتي في هذا الجو الحار لأملأها بالوقود بنفسي؟ أين ذهب العمال البنغاليون المختصون بتعبئة سيارات النساء بالوقود؟»، وكلمة «يعلهم الماحي» دعاء للإبادة الجماعية… كانت هذه هي رسالتها وكان ردي مختصرا: «سلامة أناملك».
قرأت الكثير من الكتب والقصاصات عن علاقة العبيد الأفارقة بنهضة أوروبا. قرأت بأن الأفارقة الذين «شحنتهم» السفن الأوروبية إلى أوروبا، تحديدا إلى بريطانيا وأسبانيا والبرتغال، ليشتغلوا هناك بنظام السخرة، أي أن يكون أجر العبد مجرد توفير وجبات الغذاء التي تساعده على الاستمرار في العمل، تجاوز عددهم السبعين مليون عبد، وقيل بل مئة مليون، وقال ثالث بل مئة وثلاثون مليون عبد، على أن «المتسرب» من البضاعة، أو العبيد الذين ماتوا قبل الوصول إلى أرض «الحضارة» يفوق المئتي مليون عبد. فالعبد الذي يمرض في الطريق أو ينهكه التعب والجوع يرمى لأسماك القرش تخفيفا للوزن وردّا لجميل البحر. ثم أن تجار أوروبا لا يقبلون البضاعة المضروبة، فإما أن تكون البضاعة سليمة وبضمان المصنع ويكون العبد بكامل صحته ولياقته البدنية وإلا بين البائع والشاري يفتح الله. الغش حرام… وكان العبيد يتسلون أثناء العمل الشاق بالتغني بطيب أنسابهم وقبائلهم وأفعال أجدادهم، فيصفق لهم الأوروبيون بحرارة.
وقرأت أيضا بأن دولا مثل غانا وغينيا وليبيريا وكوت ديفوار، أو ساحل العاج كما نسميها، خلت تماما من الرجال، ولم يبق فيها سوى الشيوخ الطاعنين في السن والمرضى والرضّع، فانتشر السحاق بين النساء. ولأن الرجل الأوروبي الأشقر لا يرضيه الحال المايل، فقد تدخل لحل مشكلة النساء، وأبدع أيما إبداع. إذ كان البحّار الأوروبي ينام في غرفته في أفريقيا محاطا بأكثر من خمس وعشرين صبية، بعضهن بجانبه على السرير والبعض الآخر على الأرض، لحومٌ بعضها فوق بعض. وجاء في مذكرة بحّار برتغالي غاضب أن ملاك السفن خفّضوا رواتب البحارة بعدما تزايد عدد «صيّع أوروبا ومتسكعيها» المستعدين للسفر والعمل على ظهر السفن المغادرة إلى أفريقيا بأي راتب كان، مهما انخفض، المهم أن يقضي أياما في الجنة التي سمع عنها الكثير من الروايات: نساء على قفا من يشيل يبحثن عن رجل، أي رجل والسلام، فواكه في كل مكان، كل شيء بالمجان، كل شيء دون استثناء، يكفي أن تكون بشرتك شقراء ليخافك الجميع.
هذه الأيام شعرت بفرحة غامرة بعدما أدركت بأن الكويت تسير على طريق النهضة الأوروبية، وقررت أن تأخذ المشوار من أوله، من مرحلة جلب العبيد، لكن الأوروبيين ذهبوا إلى أفريقيا فذهبنا نحن إلى آسيا، تغيير اللعب إلى الجناح الأيمن.
يأتي التاجر الكويتي بالشحنة من هناك، ويتقاضى على كل رأس ستين دينارا من الحكومة، حصة العبد البنغالي منها ستة وعشرون دينارا، دينار ينطح دينارا فيدمي جبهته، وفي رواية أخرى، يحصل البنغالي على هواء في قبضة يده. ويتكدس العبيد البنغال في غرف من الشينكو، كل ثمانية عشر منهم في غرفة واحدة، من باب لمّ شمل، وينامون من دون تكييف في «هالحر» خوفا على صحتهم.
خطواتنا متسارعة للحاق بأوروبا، لم يبق علينا سوى أن يذهب الرجل منا إلى بنغلاديش ليبحث عن خمس وعشرين صبية بعدما نفرغ بنغلاديش من رجالها، وبعدما نعتذر لتقصيرنا تجاه السيدة الكويتية صاحبة الرسالة التي نزلت بنفسها في «هالحر» لتملأ سيارتها بالوقود، والأهم بعدما نصفق لنائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ الدكتور محمد الصباح الذي يرفض أن تتهم الكويت بالمتاجرة بالبشر… فشر.