يستمر العالم العربي بعد القمة العربية على حاله، وسط خط تصاعدي للخلافات. فعقلية التدخل وتبرير العنف بحق الدول الأصغر حجما لا يمكن ايقافها بمجرد لقاء غابت عنه الصراحة وسيطرت عليه المقاطعة. هذا يعني أيضا أن الهدوء والاستقرار والانتقال لوضع يحترم فيه كل عربي حقوق الآخر، في ظل سياسية عدم الاعتداء والاستقواء، لن يتحقق قريبا، كما أنه لن يتم إلا بعد اعلان واضح عن فشل سياسة الاستكبار من قبل الدول الأكبر ذات العقيدة العسكرية والموجهة ضد الدول العربية الصغرى ذات الطبيعة المدنية. كيف يمكن للأمة العربية والتي لا يعطي كبيرها صغيرها الأمن والاستقرار، ولا ينجح صغيرها في بناء مدنيته لصالح الجميع، أن تحقق السلام في ما بينها؟
ان سيطرة حالة من الاستقواء بين العرب هي الأخطر على العالم العربي. فالكبير، الأقدر عسكريا، يستقوي على الضعيف المدني ما يدفع بالضعيف إلى إيقاف نموه وإلى محاولة بناء تحالفات إقليمية ودولية تقدم الحماية والضمان. لقد وقع هذا مع الكويت في السابق، ويقع مع لبنان اليوم، ووقع مع دول الخليج من تجاه إيران في الثمانينات، وسيقع مع آخرين غدا طالما سادت هذه المنهجية تحت غطاء العروبة الفوقية ذات المنحى الديكتاتوري. ان استقواء الأكثر تسلحا في العالم العربي يساهم في دفع العرب نحو سباق التسلح في العلاقات العربية العربية، وكأن المطلوب من كل دولة عربية أن تمجد القدرات العسكرية بغض النظر عن امكانياتها البشرية والمالية وذلك لتنأى بنفسها عن شرور جيرانها المسلحين بالفكر الذي يبرر الضم خارجيا والاقصاء في الداخل.
في ظل أجواء كهذه لن يكون ممكنا التقدم في مشروع السوق العربية المشتركة، الذي دعت إليه القمة، وذلك لأن لغة السلاح والتسلح ولغة التنمية لا يلتقيان مع بعضهما البعض في الدول العربية النامية، فعلينا أن نختار بين هذا وذاك. إن العرب اليوم في اسوأ مرتبة لأنهم يعيشون حالة تمجد شريعة القوة العسكرية في ما بينهم، بينما حالة الاقتصاد والتنمية والتعليم والتطور معطلة في معظم البلدان العربية. ومازالت شعاراتنا تقول بأن الخطر الذي نواجهه هو في الصراع مع الغرب واسرائيل ولهذا نحتاج للسلاح، وهذا فقط جانب اصغر من الصورة، ذلك أن الحقيقة المرة أن الأسلحة لم تقدم لنا نصرا استراتيجيا على إسرائيل، وأن السلاح بيننا تحول للداخل العربي. فكل منا يخشى من جاره الأكبر حجما والأكثر استعدادا للتدخل وممارسة العنف، وهذا بدوره يجعلنا أضعف في مقدرتنا على مناصرة الشعب الفلسطيني والتعامل مع قضايانا الإقليمية الأوسع.
و بسبب العقلية السائدة يختلف العرب على كل شيء، وقد تبخرت اسس الحد الأدنى الذي يتفقون عليه قبل أن يجف الحبر على أوراق القمة. فهم يختلفون في ما بينهم على القضية الفلسطينية وعلاجها، ويختلفون على السلام والمدى الممكن طرحه، ويختلفون على لبنان وحدود الاتفاق حول رئيس جديد، وسلاح «حزب الله» في ظل دولة ضمن الدولة، ويختلفون على العراق ثم إيران، والتعامل مع الولايات المتحدة، وكيفية التعامل مع كل من القضايا ذات الصلة. ويقع هذا بينما العرب اليوم كذلك في حالة صراع حول قضايا وطنية، وتيارات دينية، وصراع مع الغرب، وصراع مع الثقافة الحديثة، وصراع مع العصر، وصراع مع الحداثة، وصراع مع دولة القانون. كما يعيش العرب حالة رفض لمبادئ الحرية الفردية والمساواة بين الرجل والمرأة، وحق النخب في الوصول للحكم من خلال صناديق الاقتراع. صراعنا ليس فقط مع إسرائيل والإمبريالية والغرب والعالم، بل في أساسه صراع مع أنفسنا والطريقة التي قررنا أن نكون عليها في الزمن الحديث، ربما يصح القول بأننا لو انتصرنا على أنفسنا سوف ننتصر على قضايانا ونحقق حقوقنا. إن خلافات العرب حول كل شيء تجعل فكرة القومية السياسية بصورتها الراهنة غير ممكنة وتجعل من الضروري أن يكون العرب أقدر على اعادة النظر بطريقة تناولهم لقضاياهم.
وتبقى الدعوات العربية لرأب الصدع والتنسيق بين الأمة الواحدة مطروحة، وربما قربت القمة العربية بين العرب على الصعيد الشخصي ولكنها باعدت بينهم على الصعيد السياسي. إن الأحداث سوف تستمر على حدتها حول لبنان والعراق وفلسطين وغزة و«حماس» و«جيش المهدي» والنووي الإيراني والولايات المتحدة والتنمية والاصلاح وكل شيء. ان العرب اليوم أبعد ما يكونون عن رأب الصدع.