السياسة متحركة في الكويت كما لم تتحرك من قبل. فمع كل يوم تطور جديد وآراء مبتكرة وتصورات أجدد وصراعات متقدة. هكذا تستمر الحملة الانتخابية معبرة عن مأزق البلاد ومشكلاتها المتعددة والقضايا التي تحيط بها. حركية السياسة في الكويت وما لها وما عليها سوف تبقى في حال عدم اتزان إلى يوم الانتخابات، إذ سيستمر الغموض حتى يوم إعلان الفائزين بعضوية المجلس والتعرف على هوية كل منهم واتجاهه السياسي والاجتماعي. ولكن هذا لن ينهي الحركة وذلك لأن إعلان النتائج سيخلق وضعاً جديداً، وان إعلان أسماء أعضاء الحكومة الجديدة سيمثل هو الآخر بداية تحدد اتجاه الرياح ومدى ملاءمتها أو تناقضها مع ما قيل في الحملة الانتخابية. قد نجد بالتالي حكومة أكثر تصادماً مع المجلس، وقد نجد العكس، قد نجد حكومة إصلاح وقد نجد حكومة انتظار. سيبقى كل شيء خلال هذه اللحظات في حال انتظار حتى يتبين شكل المرحلة وشكل البلاد وشكل الصراعات الجديدة، ومعها الأزمات الجديدة.
وبينما سنحظى على الغالب في المرحلة المقبلة بدماء جديدة في البرلمان تؤسس لبرلمان جذوره في الدوائر الخمس، إلا أن التحدي الرئيسي أمام الدولة والحكومة لن يتغير. سيبقى الصراع من أجل البرنامج والسياسة الحكومية كبيراً، وسيبقى الصراع الأول على القرارات والإدارة سيد الموقف. هكذا ستعود البلاد إلى حيرتها الأولى: من يستجوب من، ومن يواجه من، ومن يتصدى لمن، ومن يسأل من؟
إذاً أين سيقع التغيير الرئيسي في البلاد؟ من سيأتي بالتغيير، إذا وافقنا بأن التغيير جوهر المرحلة وأساس الموقف الجديد! إن جانباً من التغيير سوف يأتي من قبل المجلس وذلك من خلال إمكانية انتخاب أعضاء جدد، يحملون تصورات جديدة، ويحملون طرحاً جديداً. ولكن التغيير في المجلس، على الغالب، سوف يكون لصالح مزيد من الإصرار من قبل النواب على البرامج الحكومية، ومزيد من الإصرار على الإدارة والأداء الحكوميين في المجالات كافة. هذا سيكون بطبيعة الحال مادة للمواجهة بين المجلس والحكومة، وذلك في حال عدم قدرة الحكومة على التعامل مع هذا الوضع الجديد.
إن جوهر التغيير في المرحلة المقبلة يجب أن ينعكس على الحكومة أداء وتصوراً، دوراً وأسلوباً. فمن دون حكومة تتعامل مع كل القوى وتنفذ رؤية وتصورات وخطط وبرامج فإن البلاد ستعود لسابق عهدها ولسابق صراعاتها. بل يمكن التنبؤ بصراعات أقوى ومواجهات أسخن بين مكونات الكويت: الحكومية والبرلمانية والمدنية والمجتمعية في حال استمرار الوضع الراهن كما هو.
إن المرحلة المقبلة لن تكون أقل سخونة من السابقة، فالحرارة في البلاد في ارتفاع منذ أعوام عدة. فكل عام أكثر سخونة من الذي سبقه، والبرلماني الكويتي أكثر جرأة في طرحه، والشارع أكثر تذمراً، والأجواء أكثر تأزيماً. إن السخونة مستمرة في الكويت طالما أن الظروف الموضوعية للتسوية الكويتية – الكويتية، ضمن الأسرة وخارجها وفي المجتمع وفي الحكومة وبين القوى، لم تتشكل بعد. هكذا تستمر حالة المأزق من برلمان إلى آخر ومن حكومة إلى أخرى كانعكاس لمشكلة أكبر تنتظر حلاً. سيبقى السؤال: من يكسر هذه الحلقة السلبية من دون الإخلال، وبإصرار، بقواعد اللعبة الدستورية والأساس الديموقراطي للبلاد؟ من يكسر هذا الجمود والتآكل من جراء الصراع بوسائل قيادية وببرامج وخطط مبتكرة للتنمية؟