إن التسخين المفاجئ بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وبين إيران من جهة أخرى يعكس مخاطر الوضع العسكري في منطقة الخليج. ففي قناعتنا الشخصية أن أي حرب إضافية في المنطقة ستكون عبئاً كبيراً على المنطقة بكل ما للكلمة من معنى. ولكن خيار الحرب كان مطروحاً منذ مدة في الأروقة الأميركية والإسرائيلية، وهو خيار حذرنا منه مراراً في مقالات كتبناها على مدى الشهور الماضية. فسيناريو ضرب إيران، ثم تحرك إيران لممارسة ردود فعل في الخليج سيؤدي إلى دخول أميركي حازم، وسيؤدي بطبيعة الحال إلى تفجير المنطقة من العراق إلى غزة، ومن غزة إلى لبنان.
ولكن هناك سيناريو آخر ألا وهو الحل الديبلوماسي. بل يمكن القول إن التحرك الأميركي والكشف عن المناورات الإسرائيلية مع اليونان قد اقنعا إيران بجدية الخيار العسكري، وبأن المسألة النووية لا محال ستؤدي إلى ضرب القدرات النووية الإيرانية، وبالتالي تهديد النظام الإيراني واستقراره. ما الذي يمنع إذاً أن تقايض إيران سلاحها الذي سوف يضرب في الأحوال كلها بضمانات سياسية وأمنية تحفظ لها دورها، وتعالج بعض احتياجاتها التكنولوجية، وترفع عنها العقوبات وتحفظ مصالحها الإقليمية الأوسع؟ ماذا يمنع إيران في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة بأن ترفع غصن الزيتون وتحاول التوصل إلى حل وسط ينهي طموحاتها النووية مقابل اعتراف بدورها ومصالحها الإقليمية ووعد بعدم سعي الغرب والولايات المتحدة إلى تغيير النظام الإيراني وتهديده؟ إن احتمالات الحرب قائمة، ولكن شدة قرع طبول الحرب قد تكون هي الأخرى أداة ضغط للوصول إلى طاولة التفاوض وحل يمنع الحرب. إن تصريحات وزير الخارجية الإيراني الأسبوع الماضي تعكس تحولاً في الموقف الإيراني، وهذا يعني أن آفاق التسوية تتساوى الآن مع آفاق الحرب. في هذا الوضع سباق مع الوقت.
ولكن ما هي المصالح الإيرانية التي يجب أن تراعيها الولايات المتحدة مقابل تخلص إيران من النووي؟ إن هذه المصالح عديدة وكثيرة وممتدة. فلإيران مصالح في منطقة الخليج على الصعيد الإقليمي من الملاحة مروراً بدورها في الأمن الإقليمي وتحوّل الوجود الأميركي إلى موقف اقل تهديداً لإيران مما هو حاصل اليوم. لهذا ستصر إيران على تراجع الولايات المتحدة عن موقف تغيير النظام الإيراني واعتباره أحد أركان محور الشر، مع فتح الأفق أمام تبادل التكنولوجيا ومساعدة إيران في مجالات عدة. من جهة أخرى، تريد إيران أن تضمن عدم تحوّل العراق إلى مركز معادٍ لها على الصعيد الوطني، وعدم استخدام العراق لإضعاف إيران بعد استقرار الأوضاع في العراق. فإيران خاضت حرب طويلة ضد العراق، وهي تريد أن تضمن بأنه لن يأتيها مكروه من جانب العراق. وبطبيعة الحال، ستصر إيران على تسوية تضمن موقع «حزب الله» وتضمن لإيران موقفها وموقعها مع المتعاطفين معها.
إن ما وقع مع كوريا في الأيام الأخيرة يؤكد أن هذا السيناريو ممكن الحصول. ولكن إيران تختلف عن كوريا، فإيران قوة إقليمية، ولديها طموحات في الاعتراف بهذا الدور على الصعيدين العالمي والإقليمي. من جهة أخرى، في ظل غياب الدور العربي الأوسع، والتوازن الإقليمي، يصبح الإصرار الإيراني على الاعتراف بدورها الإقليمي هو الآخر أكبر. لهذا فالمفاوضات المقبلة ستكون من جهة بين أوروبا والأمم المتحدة والولايات المتحدة وبين إيران من جهة أخرى. أما العالم العربي فسيكون غائباً عن هذه المفاوضات. إن الحرب مازالت ممكنة، وهي خيار مطروح من قبل إدارة بوش، ولكن إدارة بوش قد نجحت، من جهة أخرى، بالتنسيق مع إسرائيل في إقناع إيران بقرب موعد الحرب. إن هذه القناعة هي التي قد تأتي بإيران إلى طاولة المفاوضات، لكي تقايض سلاحها النووي بالعديد من الأمور والمسائل التي تصب بمصلحة إيران. هذا هو جوهر الصراع الآن. إنه سباق كبير بين الحل الديبلوماسي والحل العسكري.