د. شفيق ناظم الغبرا

أوباما مزيد من التقدم نحو البيت الأبيض

تستمر ظاهرة المرشح الرئاسي أوباما مؤثرة في الولايات المتحدة وخارجها.  فقد حقق أوباما في جولته العالمية الكثير من النتائج واستقبل كرئيس قادم للولايات المتحدة. هكذا شعر رؤساء الدول الذين التقوا به بما حققه في فترة قياسية واستبقوا انتخابه لينسجوا معه علاقة تفاهم تبدأ من الآن. من جهة أخرى، قام مرشح الرئاسة ماكين في زيارة شبيهة، إلا أنه لم يستقبل كما استقبل أوباما من الجمهور الأوسع ولا من الروساء. بل إن المؤتمر الصحافي الذي عقده ماكين كان خارج قصر الرئاسة ولوحده، بينما أوباما عقد مؤتمره الصحافي مباشرة مع الرئيس ساركوزي وفي الأليزيه. الفارق كبير بين ردة الفعل العالمية لماكين بصفته استمراراً لبوش وبين ردة الفعل لأوباما الذي يعد بتجديد السياسة الأميركية وشرعيتها العالمية. في هذا حققت الجولة نتائج مهمة، إذ أكدت أن العالم يتعطش لدور أميركي أكثر مسؤولية وأقل أيديولوجية وأكثر التزاماً بالتحالفات الدولية من أجل قضايا السلام والتعايش والتقدم. ففي العراق نجح في الاتفاق مع رئيس الوزراء العراقي المالكي على جدول للانسحاب الأميركي في وقت لم تكن الإدارة الأميركية الراهنة قد وصلت إلى هذه القناعة إلا أخيراً، وفي فلسطين كما وفي إسرائيل نجح أوباما في إيصال رسالة التركيز على السلام بعد أن كانت الإدارة تحت قيادة بوش قد انسحبت منه لفترة طويلة. 

أما في أفغانستان فقد أكد أوباما أن سياساته ستركز أساساً على حشد قوة أكبر من القوة الأميركية هناك لحسم المعركة، بما في ذلك التعاون والتعامل مع باكستان لتحقيق هذه النتيجة. إن رسالة أوباما في ساحة برلين كانت متميزة في قيمتها العالمية وفي تأكيدها على التحالف بين الولايات المتحدة وأوروبا في ظل قيم عالمية عن الوحدة وإسقاط الجدار بين الديانات والحضارات.

المتميز باحاديث أوباما ونقاشاته مدى اكتمال إجاباته، وأنه في مقدرته الشخصية هذه ينجح في تحويل الانتخابات إلى مصلحته. المقابلة التي قام بها فور عودته إلى الولايات المتحدة شهدت أسئلة صعبة تعامل معها بصراحة عالية.  فقد سئل عن الإسلام، وعن العرب الأميركيين، وعن المساعدات التي يتلقاها الملونون الأميركيون على شكل كوتا، وعن خبرته في السياسة الخارجية. ولقد لخص في أحد ردوده البليغة: «اسألوا الذين جلست معهم من الرؤساء، أرى أنهم اعتبروا أنني أعرف عما أتحدث».
إن السياسة الخارجية الأميركية في ظل أوباما ستكون أكثر تعاوناً مع الغرب أولاً على أولويات السياسة الدولية، وهذا سيعني التفاعل مع أوروبا بصورة أكبر قبل إقرار أي سياسة كبرى، في هذا سيختلف أوباما عن سياسة الرئيس بوش الذي استفرد في الكثير من قراراته، مما جعل أوروبا تأخذ مواقف سلبية من الولايات المتحدة( خصوصاً فرنسا وألمانيا). لن تسعى الولايات المتحدة إلى الذهاب لوحدها في حروب لا تمثل حروب حياة أو موت بقاء أو عدم بقاء، وستعود الولايات المتحدة إلى تعريف أكثر أخلاقية لمسألة الحرب: الحرب العادلة والحرب غير العادلة، والشروط الواجب توافرها لخوض حرب عادلة، بل ستعطي الولايات المتحدة مع أوباما الديبلوماسية الفرص كلها قبل الإقدام على عمل عسكري ضد إيران أو ضد دولة أخرى. لكن أوباما سيعتبر من جهه ثانية الحرب على الإرهاب مسألة أساسية وسيسعى إلى حشد القوى لمواجهتها في المجالات كلها، خصوصاً في أفغانستان.
إن ظاهرة أوباما تعكس حدثاً دولياً على قدر كبير من الأهمية. الولايات المتحدة ليست الولايات المتحدة ذاتها التي كانت قائمة قبل عشرين عاماً. لقد تغيّر الاقتصاد العالمي وتتغير كل يوم صورة الكوكب، مما يدفع الولايات المتحدة لتكون دولة كبرى بين دول عدة في العالم. وقد أثبتت حرب العراق بأنه مهما بلغت قوة دولة فإنها لا تستطيع فرض إرادتها لوحدها من دون تعاون عدد من الدول الأخرى معها. في هذا أصبح لزاماً على الولايات المتحدة أن تتعاون، وأن تفرز شخصية قادرة على مخاطبة العالم وعقد اللقاءات الدولية التي تتطلب نسبة أكبر من الثقافة والمعرفة والقدرات والتأثير. هكذا يمثل أوباما رداً أميركياً على التغيرات الدولية وعلى حرب العراق وعلى تجربة الولايات المتحدة في الاستفراد. هكذا في لقائه بعد عودته قال أوباما: «يجب أن نتعامل مع العالم بتواضع، فإحدى مشكلاتنا أننا نركز على مصالحنا ولكننا نهمل مصالح الآخرين».

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د. شفيق ناظم الغبرا

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
twitter: @shafeeqghabra

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *