حسن العيسى

مرحاض المقاول

مقاول شمال الصليبيخات لبيوت هيئة الإسكان حصيف، يدرك تماماً كيف تسير الأمور في دولة المقاولات. يعي جيداً أن الحال مؤقت، ولا شيء سيبقى في النهاية، يفهم أن هذه النهاية قريبة، ربما خمس أو عشر أو عشرين سنة، العدد ليس مهماً، المهم أنه يدرك أن الحال مؤقت في الديرة، مثلما تعلم وحفظ عن ظهر قلب حكمة البلد التراثية “من صادها عشى عياله”، ولأنه أحد الذين صادوها فيلخزن ملايين ومليارات عقد المقاولة في إمبراطورية المقاولات في حساب بنكي بعيد عن الخيمة المؤقتة، ليصون مستقبل أولاده وأجياله من بعده، فالدنيا كما علمته التجارب الثرية أن دوام الحال من المحال، وأنه إذا هبت الرياح فليغتنمها، وقد هبت رياح الثراء وصيد الفرص في ديار بني نفط، فاغتنمها واغتنم زمانه كما يقولون، وابتلع زمان غيره، وليذهب غيره للجحيم، أليس الغير هم الآخرون؟ وهو يعمل بحكمة “سارتر” الخليجي بأن الآخرين هم الجحيم، فليذهبوا لجحيم المعاناة والمجهول في دولة المقاولات، والجحيم الآن على الأبواب.
ماذا يعني أن يقوم هذا المقاول الحصيف بحشر المرحاض بدورة المياه قبل “الدوش” أو “الشاور” والمغسلة فوق المرحاض، فمن سيسكن المنزل في فهم المقاول الحصيف لا يعرف معنى كلمة “شاور” بالعربية، يكفيه حوض صغير كي يغتسل فيه، وماذا يعني أن يحشر (من جديد) كيس أسمنت فارغاً في حوائط المنزل، أو يبني منزل العمر دون أساسات… فما أكثر ما تم بناؤه بدولة المقاولات دون أساسات، في وطن المقاولات؟ من سيحاسبه اليوم أو غداً؟ ففي دولة المقاولات، لا توجد نصوص قانونية تحاسب المسؤول، هكذا فهم الحصيف في قضية الإيداعات أو التحويلات أو، أو، نسيت الباقي، بعد أن تكاثرت ظباء النهب على المقاول خراش، لم نذهب بعيداً، قد لا يكون هناك مسؤول منذ البداية!
من سيحاسب من في بلد المقاولات؟! المجلس “نواب الشعب” مشغولون بقضايا أسئلة الحفر لفلان، كي يعود هذا “الفلان” ليحفر بدوره للحفار ابن الحفار، والديرة كلها تضج بآليات الحفارات وغنائم اصطياد الفرص… فمن يكترث لسهم وحصة هذا المقاول الحصيف “الغشاش”، معظمهم مشغولون اليوم بحفر الفرص وبناء سياجات الطائفة كي تحميهم من جور الزمان… كيف يمكنهم أن يحاسبوا الحصفاء، وهو واحد منهم، هو جزء أصيل وكبير من هوية الحصافة في وطن المقاولين الحصفاء… هل يمكنهم أن يحاسبوا أنفسهم…؟ طبعاً لا… إذن، انسوا مرحاض المقاول الحصيف، فتاريخ مراحيض الفساد طويل وعريض… يستحيل سبر غوره… انسوه تماماً، مثلما نسيتم الكثير من قبل.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *