فؤاد الهاشم

من الطرب والرقص إلى الجبنة واللبنة

في عام 1970، وفي أواخر حياة الفنان الكوميدي الراحل إسماعيل ياسين، وأثناء عمله في العاصمة اللبنانية بيروت، شاهد امرأة عجوزا تضع شالا أسود علي رأسها تشرب فنجانا من القهوة وتشد أنفاسا متعددة من «الشيشة»، فلما اقترب منها وتفحص ملامحها اكتشف أنها «ملكة المسارح» و«ملكة الليل» و«ملكة الكباريهات» في شارع الفن والغناء والطرب المسمى بـ«عماد الدين» وسط القاهرة خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي.

كانت بديعة مصابني الحسناء التي تعرف عليها عملاق الكوميديا نجيب الريحاني خلال جولة فنية له في سوريا في بدايات الثلاثينات، أحبها، ثم تزوجها واصطحبها معه إلى عاصمة الفن القاهرة. وهناك وجدت فرصتها واستغلت مواهبها، فهي ترقص وتغني، وسرعان ما أحالت حياة زوجها الريحاني إلى جحيم فطلقها، فانطلقت في سماء الفن.

كانت، أيضا، ملكة الاستعراضات وأصبحت حلما لكل من يهوى الفن في أن يعمل لديها، وصار مسرحها قاعدة الانطلاق والشهرة والمال لكل ممثل أو راقصة أو مونولجست، عمل لديها كل من أصبح علما من أعلام مصر الفنية، منهم فريد الأطرش وسامية جمال، وإبراهيم حمودة، وإسماعيل ياسين، وزينات صدقي، التي عملت في بداية حياتها كراقصة شرقية قبل أن تتجه إلى التمثيل الكوميدي، وكذلك كارم محمود وعبدالعزيز محمود ومحمد الكحلاوي الذي «تدروش» في أواخر حياته واتجه إلى الغناء الديني والأناشيد الروحانية.

أما جمهورها فاختلط بين عامة الشعب المصري وجنود الاحتلال البريطاني، وكانت الصالة لديها تحمل لوحة «كوملبيه»، أي ممتلئة، وكل ليلة!

عاشت حياة بذخ وترف وثراء، ومما يروى عن ذلك أن العربة التي تجرها الأحصنة، التي تستخدمها في تنقلاتها كانت أكثر فخامة من عربة الملك فؤاد الأول. ملك مصر والسودان أيامها!

دارت عجلة الزمن و«ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع″، فقد لاحقتها الضرائب بفواتير قديمة أدت إلى إغلاق مملكتها الليلية هذه فباعت كل شيء وغادرت إلى لبنان واشترت مزرعة للأبقار في منطقة «شتورة» ووضعت عليها لافتة ضخمة يستطيع أي عابر للطريق الدولي بين دمشق وبيروت أن يقرأها مكتوب عليها «مزرعة بديعة مصابني للألبان والزبدة والجبنة واللبنة!».

وهكذا انطوت صفحة من صفحات الغناء والرقص والطرب والفن والتمثيل في مصر والتي أنجبت عمالقة السينما والمسرح ممن أثروا الشاشة الفضية وجمهورهم المسرحي بأروع الأعمال، ولكي تبدأ صفحة.. «اللبنة والجبنة والزبدة والألبان و.. الأبقار» إنه الزمن الدوار الذي لا يتوقف ولا يرحم!

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *