فؤاد الهاشم

قبل خمسين وبعد خمسين.. سنة!!

قبل أكثر من خمسين عاما، كنت صبيا في السادسة عشرة من عمري، وأصعد إلى السطح لأضع سلما يستند إلى عمود «الأريل» الخاص بالتلفزيون الأسود والأبيض حتى أضع «مشخالا» اشترته الوالده من سوق الصفافير؛ لاستخدامه في «شخل» وتصفية الرز البشاور من الماء، لكننا- في ذلك الزمن البعيد – وجدنا له استخداما آخر عبر وضعه فوق «أريل» التلفزيون العادي؛ من أجل التقاط بث محطة «عبادان» التلفزيونية – يومي الخميس والجمعة- وإذا كان الجو رطبا لمشاهدة البرامج الإيرانية التي تمتلئ بـ «الدق والرقص»؛ لأن تلفزيون الكويت لا يبث إلا أفلام الكابوي الأميركية، وأفلام الحرب السوفياتية، والرسوم المتحركة، وركن الأطفال، وآذان المغرب والعشاء فقط ..لا غير!!
قرأت تصريحا لوزير الإعلام الأسبق وخلال لقائه رؤساء مجالس إدارات المحطات الفضائيه الكويتية التلفزيونية، قال فيه إن هناك 19 ترخيصا جديدا لـ 19 محطة تلفزيونية كويتية فضائية جاهزه لأن يتسلمها أصحابها!! من «مشخال» سوق الصفافير قبل خمسين سنة إلى أكثر من 25 محطة تلفزيونية تبث من داخل حدود دولة الكويت على مدى الأربع والعشرين ساعة، طفرة عملاقه أكبر من أن يتحملها العقل البشري «المحلي»، لذلك تزامن تصريح الوزير الأسبق هذا مع تصريح آخر للنائب العام السابق باستحداث نيابة خاصة بالقضايا الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة بعد أن كثرت الحالات التي تم فيها خرق القانون وتحويل العديد من الزملاء والزميلات – «أقصد الفضائيات والصحف»- إلى ساحة القضاء! لو أن أحدا قال لي – وأنا أحاول جاهدا تركيب «المشخال» في «أريل» تلفزيون بيتنا القديم قبل نصف قرن -إن بإمكاني – بعد خمسة عقود من الزمن- أن أشاهد 25 محطة تلفزيون كويتية زائد أكثر من ثمانمئة محطة عربية وأجنبية من تلفزيون المنزل لنزلت من على السلم ثم استدرجته إلى سور السطح وقذفت به من الأعلى إلى الأسفل وصرخت بأعلي صوتي ..». إنه مجنون وفاقد للعقل ورؤيته قاصرة، ولا يريد مشاهدة محطة تلفزيون عبادان الرائعة»!! بعد خمسين سنة من الآن- لن نحتاج للجلوس في الصالة لمشاهدة محطات العالم التلفزيونية بأسره، بل يمكن أن ندخل داخل الشاشة لنجد أنفسنا قد وصلنا للجزء الآخر من العالم لنتجول و»نتسوح»، ثم نتسوق، ونعود إلى الصالة من فتحة التلفزيون ذاته!!

***

آخر العمود:

وما طلب الحاجات في كل بلدة
من الناس إلا من أجد وشمرا
فسر في بلاد الله والتمس الغنى
تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
(عروة بن الورد)

***

… آخر .. كلمة:
قال الامام علي كرم الله وجهه يوصي ابنه الحسن:
‎يَا بُنَيَّ اِحْفَظْ عَنِّي أَرْبَعًا وَأَرْبَعًا لاَ يَضُرُّكَ مَـاعَمِلْتَ مَعَهُنَ
‎أَغْـنىَ الغِنىَ العَقْلُ، وَأَكْبَرُ الفَقْـرِ الحُمْقُ، وَأَوْحَشُ الوَحْشَةِ العُجْبُ، وَأَكْبَـرُ الحَسَبِ حُسْنُ الخُلُـقِ.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *