علي محمود خاجه

شخصية

أقصر مادة في الدستور وأكثر تلك المواد وضوحاً ومباشرة هي المادة 33 منه، حيث لم يتجاوز نصها كلمتين لا أكثر "العقوبة شخصية" نقطة انتهى النص. من هذه المادة نبدأ ونشرح على خلفية ما حدث في أواخر رمضان من إسقاط لـ"جناسي" بعض المواطنين، أحدهم لاعتبارات المصلحة العليا كما جاء في تعليق الحكومة على الموضوع، وآخرون لحصولهم عليها من دون وجه حق، طبعاً لا حاجة للقول وتحديداً في الحالة الأولى من إسقاط الجنسيات الأخيرة بأن قانون الجنسية منح الحكومة سلطة تقديرية في إسقاط الجنسية تحت شعارات فضفاضة دون أسباب واضحة أو أحكام قضائية نافذة، وهو أمر يعتبر بحد ذاته مصيبة مرت على جميع المجالس دون تعديل أو تقويم لهذا القانون، بالإضافة إلى بعض نصوص هذا القانون المتمثلة باشتراط ديانة واحدة للتجنيس وغيرها، وهو ما يستدعي حتماً المبادرة بتعديل قانون الجنسية أو اللجوء إلى المحكمة الدستورية للبتّ في دستورية بعض مواد القانون. أما الشق الآخر والمتعلق بإسقاط الجنسية عن مجموعة من المواطنين لأن أحدهم حصل عليها بغير حق، وتحصل البقية عليها بالتبعية، فهو الأمر الذي يستحق النظر والمراجعة بشكل أكبر، فلنفترض أنني قمت بتزوير النسب للحصول على الجنسية، وقد انطلى هذا التزوير على المعنيين بإدارة الجنسية، فمنحوني الجنسية وبالتبعية حصل عليها أبنائي من بعدي، ولم يكتشف أحد التزوير فكبر الأبناء وباتوا يعملون في مختلف قطاعات الدولة الحكومية والخاصة، بل إن أحدهم يبلغ من العمر 28 عاماً ومتزوج ويعمل في القطاع الخاص، ويتقاضى راتباً يصل إلى 1800 دينار تقريباً، بما فيها راتب دعم العمالة والعلاوات، وبعد قرار الحكومة أصبح بدون جنسية براتب وقدره 250 دينارا فقط لا غير، والسبب أن والده قام بتزوير نسبه قبل ثلاثين عاما تقريبا، أي قبل أن يولد أصلاً!! الخطأ مشترك حتما بين طرفين: من قام بتزوير بعض البيانات للحصول على الجنسية، ومن منح الجنسية له دون تدقيق عميق يعادل أهمية منح الجنسية، وعلى الرغم من كل ذلك يعاقب المخطئ ومن حصلوا عليها بالتبعية له دون أي أثر فعلي على الطرف الآخر المانح للجنسية من الأساس، وهذا ما يعيدنا إلى أول المقال بأن "العقوبة شخصية" كما نص الدستور، فالمزور يعاقب على تزويره على ألا يمس ذلك أهله وذويه حتى إن كانوا قد تحصلوا على الجنسية نتيجة لذلك التزوير، خصوصاً إن بلغوا سن الرشد، فمن غير المعقول أن يفاجأ الابن أو البنت بعد ثلاثين عاما على تزوير والده بأن يصبح بلا هوية ولا مسكن ولا راتب؛ لأن الدولة وبكل بساطة أخطأت قبل ثلاثين عاماً، وقررت تعديل الخطأ بعد كل تلك المدة… إن ما حدث يعتبر كارثة اجتماعية بكل المقاييس وهو أمر غير مقبول أبداً. أما الحل فيكمن بأن تكون هناك نصوص واضحة في حالات التزوير تحديداً تمنع أن يتأثر الأبناء بعد انقضاء مدة معينة على التزوير عشر سنوات أو أقل مثلاً، كما تمنع أن يتضرر من إسقاط الجنسية من بلغ سن الرشد من الأبناء. أنا من أشد المؤيدين لفتح ملف الجنسية وكم التلاعب الذي حصل فيه طوال السنوات، ولكن لا يكون ذلك على حساب من لا ذنب لهم سوى أنهم أبناء شخص ارتكب جريمة التزوير والغش، القضية شائكة ومعقدة بلا أدنى شك، لكن العلاج لا يعني خلق كوارث اجتماعية لا تحلّ بحجة تعديل الأوضاع. ضمن نطاق التغطية: النص الحالي لقانون الجنسية فيما يتعلق بسحب الجنسية ينص على "إذا كان قد منح الجنسية الكويتية بطريق الغش أو بناء على أقوال كاذبة، ويجوز في هذه الحالة سحب الجنسية الكويتية ممن يكون قد كسبها معه بطريق التبعية"، كما هو واضح بأن النص يجوّز سحب الجنسية ممن كسبها بالتبعية، ولا يلزم بذلك، وهو ما يعني إمكانية تفادي الكوارث الاجتماعية لذوي من غش، إلا أني أعتقد أن قانون الجنسية برمته يجب أن يعاد النظر فيه كاملاً.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

علي محمود خاجه

email: [email protected]
twitter: @alikhajah

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *