سامي النصف

أكذوبة الحصار المصري!

تقول نكتة شائعة على الإنترنت إن هناك فتوى تقول «إن للمرأة الفلسطينية ان تخلع الحجاب عندما تترك أرض غزة لأنها ستمر على بلاد لا رجال فيها»، ومعروف ما هذه البلاد المقصودة، ولا تتم أي مقابلة مع متعاطف مع حماس إلا ويضمنها هجوما شديدا على مصر العروبة واتهامها بأنها تقوم بحصار غزة، فما صحة هذا القول الذي له دوافع ايديولوجية لا تنظر للمصلحة الوطنية الفلسطينية؟!

****

الحقيقة المعروفة والتي شاهدناها على الطبيعة ان قطاع غزة لا يزرع ولا يصنع ولا تصل إليه حاجياته عن طريق الجو أو البحر، ولا توجد له منافذ برية إلا مع مصر وإسرائيل، فمن أين يأكل ويشرب المليونا فلسطيني بالقطاع؟! واضح ان اتهام مصر بممارسة الحصار يعني بالتبعية ان إسرائيل هي الأم الحنون التي تمد الشعب الفلسطيني بحاجياته، فأين الحقيقة؟!

****

الحقيقة التي رأيناها رؤية العين المجردة في الطريق الى غزة وحتى في غزة، وكذلك عند زيارتنا لأنفاقها، أن كل تلك الأمور وعبر كل العصور (مبارك، مرسي، السيسي) تأتي من مصر وبموافقة الحكومة المصرية وبأسعار رخيصة مدعومة من الحكومة المصرية والشعب المصري، وقد شاهدنا في الطريق من العريش الى رفح مئات القوافل والمركبات المتجهة إلى غزة، والتي تتميز بتغطيتها بالنايلون لمنع تساقط رمال الأنفاق عليها، وتعلم مصر بمقصدها ولم يوقفها أحد.

****

وقد زرنا الأنفاق، وجميعها قامت بمعرفة الحكومات المصرية، وإبان عهد الرئيس مبارك، وسمح بإحضار المكائن المختصة بالحفر حيث ان الأنفاق الضخمة أكبر من قدرات الأفراد، كما ان من السهولة معرفة مكانها على الجانب المصري كونها قائمة قرب الحدود وتعلوها مبان صغيرة متشابهة، ما ان تدخلها حتى ترى بداية النفق في وسطها والمركبات الكبيرة تنقل لها المؤن من سيارات وأغذية وأدوية.. إلخ، فكفوا ألسنتكم عن مصر.

****

آخر محطة: الوقود والأغذية القادمة من إسرائيل الى القطاع أغلى بكثير من القادمة من مصر ومن ثم ليست في متناول شعب القطاع، فليتر البنزين الإسرائيلي بـ 6 شيكلات، بينما المصري لا يتعدى الشيكل الواحد لليتر، وقس على ذلك باقي المواد.

سعيد محمد سعيد

«الجيش العربي»… وين؟

 

صورتان مدهشتان انتشرتا كثيراً، وربما شاهدهما القارئ الكريم، خلال الأعوام القليلة الماضية، الصورة الأولى لعناصر من جيش «عربي» ينكلون بالمواطنين ويقمعونهم حتى النزيف ثم يصعدون على تلك الأجساد من النساء والرجال والصبية بعد إرغامهم على الانبطاح أرضاً؛ أما الصورة الثانية، فهي لكتيبة من الجيش الياباني وهي تساعد المنكوبين المتضررين من إعصار «تسونامي»، ثم يجعل عناصر من ذلك الجيش أنفسهم جسراً ليتمكن الناس من المشي عليهم والوصول إلى الضفة الأخرى بأمان.

باستثناء الجيشين المصري والتونسي، وهناك من ينتقدهما قطعاً، واجهت الشعوب العربية في فترة الحراكات المطلبية، سمها ربيعاً عربياً إن شئت وأنا أسميها مرحلة المطالبة بالحقوق العربية، واجهت ممارسات مرعبة لا علاقة لها لا بالقيم الإنسانية ولا الدينية ولا الوطنية من بعض الجيوش العربية التي بدا واضحاً أن عقيدتها هي غرس منهج «العصابات المسلحة» وليس «حماة الأوطان». وبالتالي، كانت الصدمة وخيبة الأمل في الأمة كبيرة تجاه تلك الجيوش التي قال عنها المحامي والسياسي ووزير حقوق الإنسان في حكومة حمادي الجبالي بتونس سمير ديلو: «هي في الأغلب جيوش توجه ترسانتها العسكرية لشعوبها وليس لأعدائها».

خيبة الأمل في الأمة كبيرة دون شك، ولربما تتضاعف الآن، أكثر من أي وقت مضى، مع ضراوة أحداث غزة وبسالة المقاومة الفلسطينية في الصمود والتصدي، في حين أن كلمات عبارة أو أغنية من قبيل «الجيش العربي وين.. الشعب العربي وين… وين الملايين»، من الممكن أن تكون مدعاةً للبكاء بفجاعة.

لقد سلبت أحداث الوطن العربي وثوراته، وعلى الخصوص في سورية والعراق وأحداث لبنان، واستمرار الأوضاع القتالية في ليبيا واضطرابات مصر وتونس، سلبت النظر عن القضية الرئيسية (فلسطين)، ثم عادت اليوم من جديد إلى واجهة الأحداث والدماء تنزف في كل الوطن العربي والإسلامي.

إذاً، الولاء المبرمج لدى الجيوش العربية هو الولاء لأنظمة الحكم مهما كان منهج ذلك النظام، والتفاني في خدمته وسحق شعوبهم – الذين هم في الغالب أهلهم وذووهم – ليصبح جهادهم المعقوف هذا بعين الله ولأجل الثواب العظيم والمنزلة الرفيعة زعماً!

وليس غريبًا أن تجد عناصر من تلك الجيوش المبرمجة يتجاوزون حدودهم مع رب العالمين، في حين أنهم لا يرضون أبداً بأن يأتي ذكر سيادة الرئيس أو دولة فلان ومقام علان إلا بالتهليل والتكبير والتبجيل. فعلاً، تلك الفئة، هي منهج «العصابات المسلحة» وليس أبداً لهم علاقة بالفكر الإنساني والوطني والديني.

لكن، ما هي العقيدة العسكرية أو عقيدة الجيش؟ حسب الموسوعة الحرة «ويكيبيديا»، فإن الناتو (حلف شمال الأطلسي)، استخدم التعريف المستخدم بين دوله الأعضاء: «العقيدة العسكرية هي مُجمل المبادئ الأساسية التي تتخذها القوات العسكرية لإنجاز مهامها، وهي قواعد مُلزمة وإن ظلت المواقف القتالية المختلفة الحكم الأساسي لاتباع أي من قواعد العقيدة العسكرية»، وجاء في تعريف الشق الاجتماعي السياسي بجميع المسائل المتعلقة بطريقة الأداء والاقتصاديات والقواعد الاجتماعية والأهداف السياسية المتعلقة بالحرب، وهو بالتالي الجانب الأكثر تأثيراً وثباتاً خلال النزاع العسكري، وعليه يتعيّن على الجانب العسكري التقني الالتزام بتحقيق الأهداف السياسية المتوقعة من الحرب. ويتلخّص هذا الجانب في خلق تكوين عسكري وتسليح القوات المسلحة بأحدث الأساليب التقنية والالتزام بالأساليب العلمية الحديثة في تدريب القوات وتوصيف التشكيلات العسكرية وتوظيفها وإدارة العمليات العسكرية المختلفة والحرب بأكملها». انتهى الاقتباس بخلاصة أن العقيدة تتكامل في مواجهة الأعداء وليس الشعوب.

وفي ذلك المسار، خصص الكاتب والصحافي اللبناني زهير ماجد مساحة كبيرة من أطروحاته لهذا الموضوع المهم، فهو يرى أن الجيش ينتصر لعقيدته، ولكل جيش عقيدة قتالية، يواجه من أجلها كما يموت لأجلها، لكن الطامة الكبرى التي يحددها ماجد هي أن أكثر الجيوش العربية ترهلت، وبعضها أصابه نحس الهزائم أمام «إسرائيل»، فأصيبت بلعنة القتال ضدها. تحول الجيش الاسرائيلي عند البعض إلى بعبع مخيف مهاب قبل أن يتقدّم إلى قتاله أي كان، وهذه الفكرة كسرتها عقيدة «حزب الله» الذي انتصرت به قبل سلاح مقاتليه وصمودهم في أرض القتال مع الصهاينة، ومع الوقت، صار على تلك الجيوش العربية أن تستعد لتكون قوى أمن داخلية، من المؤسف أن عقيدتها العسكرية، صار مشكوكاً بأمرها بعد أن حوّلت سلاحها للداخل، عندما صار أعداء الداخل أشبه بأعداء الخارج لا بل أخطر منهم.

ثم يورد الكاتب جوانب من أوضاع الجيوش اللبنانية والسورية والمصرية والتونسية والليبية والعراقية واليمنية وما يحل عليها وفيها ومنها من بلاء وانكسار ومواجهة ضد أعداء الوطن الداخليين والخارجيين، ومن بينهم المجموعات الإرهابية والعصابات المسلحة، ليشدّد على أن «إسرائيل» هي المحرك الأول والمستفيد الأول والمتآمر الأول لتحطيم تلك الجيوش. وهذا أمر صلاح لها لإعادة تثبيت عقيدتها وإدارة بندقيتها من الشعوب إلى الصهاينة، رغم قوة ونفوذ وأموال أعوان الاستعمار.