سامي النصف

القضية الفلسطينية بعد مائة عام!

في زمن الدغدغة والزيف والخداع، يحاول البعض بيع حكايات تاريخية مشوهة على الفلسطينيين عبر محاولة اقناعهم بان الحاضر لا يهم، فالغد لكم لا محالة وسيبعث يوما صلاح الدين جديد يطرد اعداءكم ويحرر ارضكم ويسلم القدس لكم، فهذا ما حدث ايام الصليبيين، وهو امر قادم لا محالة بعد عام او مائة عام، فانتظروا فقط!

****

التاريخ لا يعيد نفسه حقيقة ثابتة، والصليبيون لم يكونوا مستوطنين كحال الاسرائيليين، كما ان احدا لا يروي الحكاية كاملة، فالقدس والمدن التي حررها الناصر صلاح الدين من ايدي الصليبيين اعادها من اتى بعده لهم دون حرب، الا انهم فضلوا مدن الساحل عليها للاستفادة الاقتصادية منها، ولم يعرف عن الصليبيين تأثيرهم على القرار في الدول العظمى في العالم آنذاك، او حيازتهم لاسلحة الدمار الشامل كحال اسرائيل هذه الايام.

****

ومقابل تلك الحكاية التاريخية المشوشة، هناك عشرات الدول التي سادت ثم بادت شعوبها الى الابد، كحال اهل الاندلس والهنود الحمر وغيرهم، ان اراضي الضفة الغربية تتغير ديموغرافيا مع كل يوم يمر عبر المستعمرات التي تبنى وتملأ بالمستوطنين القادمين من بلدان العالم المختلفة، واهمها روسيا التي يعتقد ان اغلب مهاجريها الى فلسطين ليسوا يهودا بالضرورة بل هم روس من مختلف الديانات، وحتى الملحدون يبحثون عن الدفء والعمل والسكن وجواز السفر المريح الذي يسهل لهم الحصول على فيزا الدول الاوروبية والاميركية كحال الجواز الاسرائيلي بعكس الروسي.

****

وفي لقاء لي مع المرحوم فيصل الحسيني الذي اشتهر بالحكمة والتعقل، سألته كيف يصح الحديث عن الصراع الحضاري طويل الامد بينكم وبين اسرائيل وابناؤهم يتلقون العلم في اجل صوره، وابناؤكم في الشوارع يرمون الحجارة؟ اجابني الحسيني ان هذا هو المسكوت عنه الذي لا نستطيع الحديث عنه كي لا نتهم في وطنيتنا، فمازلنا ـ حسب قوله ـ نعاني من تبعيات ثورة الحجارة الاولى، حيث بقيت اعداد كبيرة من الاحداث والشباب في الشوارع وتحول البعض منهم للسلب والنهب، وآخرون للادمان والاتجار بالمخدرات والفريق الثالث تم تجنيده من قبل العدو، ان للحروب وحرب غزة منها زوايا مظلمة كثيرة، فكل رجل يستشهد يخلف بعده ابناء لا معيل لهم يضطرون لترك مقاعد الدراسة للعيش ليصبحوا بعد ذلك اعدادا تضاف لارقام الجهل والبطالة المدمرة.

****

آخر محطة: ما لم يسلم ملف القضية الفلسطينية لقيادة عاقلة حكيمة تمنع الحروب المدمرة غير المتكافئة التي سيتسبب تكرارها في يأس الفلسطينيين وكفرهم بقضيتهم، فقد تختفي مع الزمن تلك القضية الى الابد كحال عشرات القضايا المماثلة في العالم.