سامي النصف

المسألة الدينية في الأوطان العربية وخارجها!

هناك إشكال إنساني حقيقي ومأساوي يتعرض له أتباع الدين الإسلامي خارج الوطن العربي ويحتاج الى حل ناجع وسريع له، حيث انفرد المسلمون دون غيرهم من أتباع الأديان الأخرى المتفاهمة بعضها مع بعض، بتعرضهم لأعمال عنف من قبل المنضوين لتلك الأديان بجميع أشكالها وطوائفها، وجزء مهم من الإشكال المتكرر هو محاولة بعض المسلمين خلق دويلات لهم والانفصال عن أوطانهم القومية بحجة أنهم لا يحكمون بالإسلام وان ديارهم ديار كفر وحرب تحتاج إما الى تغييرها وإما الى الهجرة والانفصال عنها، والحل بداهة يوجب قيام المرجعيات السياسية والدينية العربية والإسلامية بالطلب من الأقليات المسلمة القبول بأوطانهم التي يعيشون فيها كحل نهائي لإشكالاتهم، فلن يأتيهم فتح إسلامي أو دولة خلافة حقيقية ينضمون اليها، وضرورة العمل عبر القدوة الحسنة، فإندونيسيا ونيجيريا- أكبر بلدين إسلاميين في آسيا وأفريقيا- لم تفتحا بالسيف بل بالرفق والموعظة الحسنة.

* * *

في المقابل هناك إشكالات الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية التي تعيش في أوطاننا العربية، والتي يلاحظ أن أغلبيتها لجأت تاريخيا الى قمم الجبال لحماية أنفسها من تعسف العثمانيين وغيرهم حتى ارتبطت أسماء الأقليات بالجبال، فهناك جبال الأكراد والدروز والعلويين والموارنة والصابئة والأرمن والأمازيغ والبربر.. إلخ، والواجب يدعو ضمن المخاض العربي الحالي وكوسيلة لمنع انفصالهم القادم لا محالة، الى الاعتراف بالمظالم التاريخية التي تعرضوا لها والوعد بعدم تكرارها وإقناعهم بأن مصالحهم تتم عبر البقاء ضمن الدولة القطرية القائمة بدلا من الانفصال اعتمادا على كسب مؤقت كوجود آبار النفط على أراضيهم والتي ستنتهي فائدتها آجلا أو عاجلا.. خيار بقاء الأقليات يحوج أن تكون الدولة العربية مزدهرة وآمنة، لا مليئة بأعمال العنف والحروب والتدمير الاقتصادي.

* * *

آخر محطة: (1) أحد إشكالات بعض المذاهب المتفرعة من الدين الإسلامي محاولة الأكثرية إرغامهم على تغيير معتقدهم كي يتماشى مع معتقد الأغلبية، قد يكون مناسبا ضمن الفهم الجديد للدولة الوطنية المتعددة الأعراق والديانات والمذاهب إعطاؤهم الحق الكامل في ممارسة عقائدهم بالطريق الذي يرونه أو حتى القبول بتسمية تلك العقائد والمذاهب بديانات منفصلة كي يتوقف الخلاف.

(2) ويمكن ان يكون حصول بعض الأقليات على المناصب القيادية العليا في الدولة كوسيلة للطمأنة جزءا من الحل لبعض الدول العربية، وهو أمر مطبق في لبنان والعراق وحتى سورية، ولو طبق في السودان لما انفصل الجنوب، على ألا يعني ذلك ظلم وتعسف تلك الأقليات تجاه الأكثرية.

احمد الصراف

المزيد من المدنية.. والأقل من الدينية

سبق أن نقلنا عن المفكر العراقي علي الوردي قوله إن المسلمين، والعرب بالذات، لو خيروا بين الدولة الدينية والدولة العلمانية لما تردد غالبيتهم في اختيار الدولة الدينية، وليذهبوا بعدها ليعيشوا في الدولة العلمانية المدنية. ولو كانت البحرين مثلا، والأمثلة كثيرة، دولة علمانية، لما وقعت فيها اي أحداث طائفية، أو على الأقل لما نحت الى منحاها الخطير. والأمر ينطبق، وإن بدرجات أقل او أكثر، على إيران وسوريا وغيرهما. والعلمانية ليست نظاما لدولة كافرة، بل هي الضمان للجميع للعيش بمساواة وسلام تحت ظل القانون، والعبرة في الدول الغربية التي نادرا ما وقعت فيها، في العصر الحديث أحداث مذهبية خطيرة، مع استثناءات قليلة كايرلندا، وقضيتها سياسية أساسا، وتتعلق برغبة كاثوليك ايرلندا الشمالية في الاستقلال ببلادهم، وطرد الإنكليز البروتستانت منها. وحتى لو نجح هؤلاء في مسعاهم، واستقلوا ببلادهم لما ترددوا في جعلها علمانية، حسب النمط السائد في الغرب. إن فكرة حيادية الحكومة وعدم اصطفافها مع فئة ضد أخرى كانت من الممكن أن تكون المنقذ للعراق ووضعه على جادة التقدم، ولكن شيعة العراق، أو الفئة التي تولت الحكم منها، بعد سقوط صدام، لم تصدق أنها أصبحت في القيادة ففعلت بغيرها ما فعله صدام بها، علما بأن الدور السياسي المتواضع للمكون الشيعي في العراق كان، تاريخيا، بخيار الشيعة أنفسهم، أو بإيعاز من قيادتهم الدينية، ولم ينتبهوا لضرورة الانخراط في «اللعبة السياسية» إلا بعد فوات الأوان. بدأت الكويت عصرها الحديث مع حركة التنوير التي قادها الشيخ عبدالله السالم في بداية ستينات القرن الماضي. ويمكن القول ان شخصية «الشيخ» العلمانية، المدركة جيدا لمتطلبات العصر، كانت أبعد ما تكون عن التقليدية أو القبلية، بل كانت سابقة لعصرها، وبالتالي يمكن اعتبارها، من دون تردد، الشخصية السياسية الأهم في تاريخ المنطقة، والأكثر تأثيرا في محيطها. ولم يكن ليصل لهذه المكانة لولا عميق إيمانه بالدولة المدنية، التي يمكن حتى لشديدي الإيمان والمتدينين وغيرهم العيش فيها بسلام وأمان تحت مظلة قانون عادل وواحد، يكون للجميع فيه حق أداء شعائرهم بحرية، ويستتبع ذلك نيلهم لحقوقهم السياسية كاملة، في ظل دستور لا يخفى نفسه العلماني. وقد بدأت مشاكل الكويت السياسية منذ أن قررت الحكومات المتعاقبة التخلي عن علمانيتها في سبيل إرضاء بعض الفئات المتشددة من المجتمع، وبدأ العد التنازلي، الذي أوصلنا لوضعنا السيئ الحالي، والذي كانت بداياته في مجموعة القوانين والأنظمة التي نزعت عن الدستور طابعه المدني العلماني، وما تميز به من تقدمية، وجيرت الصلاحيات بكاملها تقريبا للحكومة التي قامت بدورها بالتنازل عن جزء منها للجهات التي رأت أنها الأكثر ولاء لها، ألا وهي الجهات الدينية، التي كانت في وقت ما الأقوى سياسيا على الساحة والأكثر ثراء وتغلغلا في مفاصل الدولة. وهكذا رأينا سلسلة قرارات المنع والتحريم التي حولت الكويت خلال أربعين عاما الى دولة دينية لفئة واحدة، الأمر الذي دفع الفئة أو الفئات الأخرى، الأصغر والأكثر ضعفا، الى أن تتقوقع بدورها، وتميل أكثر للتطرف، رافضة الدولة المدنية. وبالتالي فإن الخلاص في العلمانية، وليس في المزيد من السلطات للدولة الدينية. أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com