علي محمود خاجه

«كان رفيجي»

سعدت كثيراً بخبر إنتاج فيلم كويتي من تأليف العزيز المبدع يعرب بورحمة وإخراج صديقه المميز أحمد الخلف، وما أسعدني بشكل أكبر هو أن يعرض هذا الفيلم في السينما الكويتية في مختلف دور العرض ولمدة شهر حتى الآن، بل إنني قمت بمشاهدة الفيلم قبل يومين في إحدى دور السينما، وفوجئت بأن معظم تذاكر الفيلم محجوزة قبل العرض بمدة طويلة، وهو ما يعني، على الرغم من مرور أكثر من شهر على عرضه، أن الناس ما زالت تسعى إلى مشاهدة هذا الفيلم الكويتي المميز، خصوصا أن توقيت عرضه تزامن بعد شهر رمضان مباشرة، وهو توقيت يعتبر ضاراً لأي عمل درامي كويتي، لأن الناس تكون مشبعة بالأعمال والدراما الكويتية طوال شهر رمضان، إلا أن هذا التشبع لم يقف عائقا أمام النجاح الجماهيري سينمائيا للفيلم، وهو ما يثبت جودة العمل وتميزه. سأتحدث عن انطباعي عن هذا الفيلم دون مجاملة أو تزيين، فالفيلم الذي يتحدث عن قصة أساسية واحدة بعنوان واضح ومباشر (فضيحته ولا حياته) قدم مضمون تلك الرسالة بشكل سلس جداً، سواء عن طريق النص أو الصورة، إلا أني أعتقد أن الفيلم كان بحاجة لأكثر من "حدوتة" واحدة رئيسية عن طريق تطعيمه بقصص جانبية خصوصا أن مدته 100 دقيقة؛ مما جعل إيقاعه بطيئاً نوعاً ما لالتزامه بقصة رئيسية واحدة فقط. أما الممثلون فلا أعتقد أن هناك من سيتقن الدور أكثر منهم، فقد تميز خالد البريكي بمعية فاطمة الصفي في تجسيد دور الزوجين وتعاطيهما مع بعضهما بشكل واقعي يعكس الطبيعة الكويتية دون تكلف، أما فيصل العميري هذا النجم الموهوب فأعتقد شخصيا أنه أفضل من جسّد دور الشاب التائه دون مبالغة جعلتنا نتعاطف معه دون أن ينجر خلف الصورة النمطية في الدراما الكويتية لهذه النوعية من الشباب، كما تميزت زينب خان رغم صغر مساحة الدور في تقديم نوعية من الفتيات في مكان لم يطرق من قبل بهذا الشكل، أما عبدالمحسن القفاص فهو حكاية بحد ذاته، فنحن لم نشاهده من قبل بهذه الصورة الخفيفة المميزة الخالية تماما من أي تصنع، بل إن أداءه جعلني على المستوى الشخصي أقتنع أنه لم يكن يمثل، بل قدم شخصيته الفعلية في إطار الدور المكتوب، وهو ما جعل كل من في القاعة ينتظر المشاهد التي يشارك فيها القفاص ليرسم البسمة في وسط تراجيديا النص. إخراجيا تفنن أحمد الخلف بتقديم الصور، وإن بالغ في أحيان قليلة بالتصوير العمودي، إلا أنه قدم صورة لم نرها من قبل للكويت كتصوير المقبرة من الأعلى مثلا، وأعتقد أنها المرة الأولى لتصوير كهذا في الكويت، كما أني أعتقد أن أغنية الفنانة نوال، وموسيقى مشعل العروج ظلمتا جداً؛ لأنهما لم تجدا مكاناً في الفيلم سوى في "تتر" النهاية. بشكل عام قدم الفيلم بعض مشكلات الكويت بشكل واضح كـ"الواسطة" أو مشاكل العمالة الوافدة، أو التقاعس في العمل، وهو أمر جميل لفيلم جيد جداً بالمجمل، ويستحق فعلا أن يكون جزءاً مهماً في صناعة السينما الكويتية الفقيرة، فشكراً لكل العاملين والقائمين على هذا الفيلم، وكلي أمل أن يكون خطوة حقيقية تجاه صناعة سينمائية دائمة في الكويت. ضمن نطاق التغطية: قد لا يستحسن البعض كتابة مقال عن أمر فني كهذا، ولكني أعتقد أن هذه الأعمال تحتاج فعلا إلى التركيز عليها ومناقشتها لتعزيزها واستمرارها.

احمد الصراف

غزة.. ولكن!

ما تتعرض له غزة جريمة، وخاصة أن وقودها الأبرياء الذين لا ذنب لهم في هذه الحرب العبثية، التي لا يبدو أن لها نهاية. ولكني في حيرة من الموقف من حركة حماس التي تدير القطاع منذ عشر سنوات تقريبا بيد من حديد، فكيف يمكن أن اقبل خطفها لشبان إسرائيليين ثلاثة، ونكران ذلك، ثم الاعتراف بأنها قتلتهم، وهي التي كان بوسعها مقايضتهم بالكثير؟ وكيف يمكن أن أقبل قيامها، منذ أن استولت على القطاع، بإعدام عشرات الفلسطينيين، بين الفترة والأخرى، من دون محاكمة، حتى ولو صورية، بحجة أنهم خونة؟ وكيف يمكن أن اقتنع أن الخونة قد انتهوا بإعدام 18فلسطينياً في يوم واحد؟ فهل تساءل أحد عن السبب في وجود كل هذا العدد الكبير من «الخونة» في القطاع، على افتراض صحة الاتهام؟ وما الذي تتوقعه حماس، والحرب العبثية بينها وبين إسرائيل تلقي في كل مرة بمئات الأيتام الذين قتلت تلك الحروب آباءهم ومعيليهم، واصبحوا عاجزين عن كسب لقمة العيش بطريقة شريفة؟ فهل الخائن من لم يجد لقمة عيش، أم من تسبب في قتل والده وامه واخيه ورماه، من دون بيت ولا عمل ولا طعام، في الشارع، ثم يأتي بعدها ويتهمه بالخيانة ويقوم بإعدامه من دون محاكمة؟ المفارقة المؤلمة كانت في تزامن العدوان الإسرائيلي على غزة، أو بالأحرى عدوان حماس عليها، مع عدوان «داعش» البربري على مسيحيي وايزيديي الموصل وسنجار. فقد عرى الموقف من الجريمتين «أقفية» الكثيرين من المتشدقين بالليبرالية والإنسانية، دعك من غيرهم، وهي ليست المرة الأولى. فقد وقف غالبية هؤلاء مع مأساة أهالي غزة، التي بدأت مع عملية الاختطاف، ولكن مأساة مسيحيي العراق وايزيدييه، الأشد وطأة والأقسى نتائج وغير المبررة تماما، لم تلق من هؤلاء أي إدانة فعالة تذكر، وكأن الإنسان الفلسطيني هو غير الإنسان العراقي! وبالتالي طالت معلقاتنا، وكثرت مانشيتات صحفنا، في الحديث عن المجازر الإسرائيلية في حق أهالي غزة، ولكنها سكتت، أو اكتفت بالتلميح إلى مجازر أكثر فظاعة والأقسى في التاريخ الحديث، وهي التي تعرضت لها الأقليات في العراق. أعلم جيدا انني لا استطيع ان أكون إنسانا، وبمستوى الحدث تجاه ما يحدث في غزة، إن عجزت أن أكون إنسانا بالدرجة نفسها مع ما حدث لمسيحيي العراق وايزيدييه. فالقتلة مجرمون في غزة، كما هم مجرمون في العراق، ولكن هل الأخيرون حقا مجرمون؟ أحمد الصراف [email protected] www.kalamanas.com