عندما قالوا لهتلر إن البابا غاضب لأن قواته اجتاحت بولندا، في بداية الحرب العالمية الثانية، ضحك، وقال ساخراً: ما عدد الدبابات التي يمتلكها البابا؟ وقد كانت تلك بداية سلسلة أخطاء الفوهرر القاتلة!
يعتبر بابا الفاتيكان أقوى شخصية دينية، فأتباعه يزيد عددهم بكثير على المليار كاثوليكي، كما أن تأثيره اليوم عليهم لا يمكن نفيه. وقد جاء البابا الحالي في ظروف دقيقة، بعد تنحي البابا السابق عن منصبه، في سابقة نادرة، وكان وصوله للفاتيكان، كما توقع الكثيرون، حدثاً تاريخياً، وإعلاناً بالتغيير. فرغم ما يتصف به البابا فرنسيس من تواضع جم، فإنه قوي الشخصية، وقد شرع مبكراً في إصلاح الكنيسة الكاثوليكية، ليس فقط من الداخل والخارج، بل وفيما ترسخ في النفوس على مدى ألفي عام من غرائب المعتقدات والآراء. ويعتقد البعض بأن تصريحاته المثيرة الأخيرة، وموقفه من المثليين جنسياً، وغيرها من القضايا الحساسة، التي قد لا يكون ما وصلنا من تصريحاته مطابقاً تماماً لما قال، تنبئ بموقف واتجاه إصلاحي لم يحدث للكنيسة منذ قرون عدة. فقد صرّح بأنه من خلال التواضع والبحث الروحي والتأمل والصلاة يمكن أن نكتسب فهماً جديداً لبعض العقائد! وهذا ما لم يجرؤ، أو يرغب، أي بابا في قوله. كما تقدّم البابا فرنسيس خطوة أخرى وقال إن الكنيسة «الكاثوليكية» لم تعد تعتقد في جحيم يعاني فيه الناس، فهذا الفكر يتعارض مع الحب اللامتناهي للإله.
فالله، حسب المفهوم الكنسي، ليس قاضياً ولكنه صديق ومحب للإنسانية، والله لا يسعى إلى الإدانة، وإنما فقط إلى الاحتضان، وإن الكنيسة الكاثوليكية تنظر إلى الجحيم كموضوع أدبي، كما في قصة آدم وحواء. وبالتالي، فالجحيم مجرد كناية عن الروح المعزولة، التي ستتحد في نهاية المطاف، على غرار بقية النفوس، في محبة الله!
وقد هزت تصريحات البابا الكثيرين، وصدموا من قوله إن الكنيسة كانت تاريخياً قاسية تجاه الحقائق التي تعتبرها خاطئة من الناحية الأخلاقية أو تدخل في باب الخطيئة، ولأننا لسنا قضاة، فإن هذا يجب أن يدفعنا لأن نكون أكثر تسامحاً، وألا ندين أطفالنا، أو رعايانا. وقال إن الكنيسة الكاثوليكية كبيرة بما يكفي لتسع المثليين جنسياً، وللمؤيدين للحياة ومؤيدي الإجهاض، والمحافظين والليبراليين، وحتى الشيوعيين، فالجميع موضع ترحيب، فنحن، حسب قوله، جميعاً نحب ونعبد الإله نفسه!
والآن، هل لدى واحد من كبار «علمائنا» الشجاعة «الأدبية» لأن يرد على تحية البابا بمثلها؟
أحمد الصراف