احمد الصراف

الصدق منجاة

لا شك في أن الحياة جميلة لكثيرين، وليست كذلك لبعضهم الآخر، والأسباب متعددة. وعلى الرغم من عدم وجود اتفاق على ما يعنيه «جمال الحياة» بسبب تعدد الآراء وتضارب النظريات، فإن ما لا تستطيع كثير من الانظمة السياسية ادراكه، هو ان من حق الانسان، اي انسان، أن يكون سعيدا ومحبا للحياة، والدستور الاميركي ربما يكون منفردا في نصه على هذا الحق! ولكي نبدأ بالشعور بالرضا عن انفسنا، ونقبل على الحياة، فإن علينا أن نعقد سلاما داخليا مع انفسنا، وهذا لا يمكن بلوغه ان كانت حياتنا مكتظة بآلاف الأمور والقضايا الشائكة والخلافات العائلية، وبالتالي يتطلب الأمر أن نبدأ بالتخفيف والتخلص مما لا نحب، وأن نخفف من احقادنا على «منافسينا في العمل، أو في أي نشاط أو مجال نكون فيه، وأن نبدي تسامحا مع أعدائنا، ونتخلص من الشحوم حول خصورنا، ونلقي بالخلافات مع الأصدقاء والعائلة خلفنا، أو على الأقل نسيانها. وان نتبرع بالفائض من ملابسنا التي نرفض التخلي عنها، على الرغم من أنها أصبحت منذ سنوات غير ملائمة لنا، لا لونا ولا قياسا ولا حتى «موضة»! وأن نعطي المحتاجين ما لدينا من أجهزة صالحة أو شبه خربانة لا نحتاجها. وأن نقلل من الصور والبراويز والتماثيل من حولنا، ونجعل بيوتنا أقل تخمة وزحمة بالأثاث، وان نقلل من حضور كل عزاء وفرح أو حفل افتتاح وقص شريط. وان نركز على المناسبات الخيرية والمساعدات الاجتماعية للمحتاجين، وأن نعتاد على تعلم شيء جديد كل يوم، فتعلم كلمة جديدة أو سماع تعبير جميل كفيل بإشعاري شخصيا بالسعادة، فل.مَ لا نتعلم كل يوم بيتا من الشعر يبدأ مثلا بــ «مكر مفر مقبل مدبر معا…»؟. أو حفظ مثل حكيم أو سر طبخة نحبها، ولم نعرف يوما كيف يتم تحضيرها! فهذه الأمور التي قد تبدو بسيطة كفيلة بأن تجعلنا نشعر بأن يومنا لم يضع سدى، ويكفي أنها تبعدنا عن البحلقة لساعات، من دون تفكير، في شاشة التلفزيون. كما علينا ألا نلتزم بشكل معين من قصة الشعر أو شكل لحية أو سكسوكة، أو حتى صبغة شعر للسيدات، فالتغيير جميل، حتى في ألوان وموديلات ملابسنا، وأن نطلب من «كوكو شانيل» أن تذهب، ولو لبضعة اشهر، الى الجحيم. كما علينا، مع التقدم في العمر، تقليل تعلقنا بما «نملك»، فكلما قللنا مقتنياتنا، زادت حريتنا، فتخيل نفسك تمتلك عشر لوحات لبيكاسو، هنا ستشعر، فور اقتنائها، أنها أصبحت بسبب ندرتها وغلاء ثمنها، تمتلكك من شدة حرصك عليها والتأكد من وجودها دائما، وحراستها وعدها والاطمئنان عليها من اي خدش أو تلف من خادم مهمل، او رطوبة عالية أو هواء ناشف! كما علينا أن نعيش الحاضر ونفكر في المستقبل، ونلقي الماضي خلفنا، بعد أن نتعلم منه ما يكفي من الدروس، فالحسرة على ما فات لن تجدي نفعا. كما يجب ان نعتاد أكثر على الابتسام، وقد زادت ابتسامتي أخيرا، من دون ان أشعر، بعد أن اكتشفت انني أصبحت أكثر من الابتسام لكل من هب ودب، وحدث ذلك فور انتهائي من زرع بضع اسنان جديدة! كما علينا أن نكثر من القراءة، فزيادة المعرفة غالبا ما تجعلنا نشعر بالثقة، وهذه تؤدي للاطمئنان، ومنها نشعر بالرغبة في الحياة والاقبال عليها أكثر. كما علينا بين الفترة والأخرى التحدث هاتفيا مع الأهل والأصدقاء، ولمن نعتقد بأننا قد تسببنا في ايذائهم، بقصد أو من دونه، وأن نكون لطيفين مع الجميع، ويصبح الأمر مجديا أكثر لو تحدثنا مع هؤلاء من هاتف البيت، وفي وقت مناسب لهم. كما أن قول الصدق دائما سيشعرنا بالراحة النفسية، فالكذب حبله قصير، ويجعلنا نشعر بالقلق من انكشاف أمرنا.

أحمد الصراف

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

احمد الصراف

إدارة الإعمال – جامعة الدول العربية – بيروت 1974 / الدراسات المصرفية والتدريب في بنك باركليز – لندن 1968 / البنك الوطني في فيلادلفيا – فيلادلفيا 1978 / الإدارة المصرفية – كلية وارتون – فيلادلفيا 1978
email: [email protected]

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *