سامي النصف

ماذا كنت تفعل يا أبي؟!

عندما وصلت الحرب الكونية الأولى لحالة السكون، وبدأت مرحلة حروب الخنادق والموت الجماعي بالغازات السامة والأسلحة الكيماوية المرعبة، توقفت معها عمليات تطوع الشباب الإنجليزي للدفاع عن التاج البريطاني، حينها قامت وزارة الحرب البريطانية بنشر بوسترات وإعلانات تظهر صورة طفل يسأل والده «أين كنت أثناء الحرب يا أبي؟!» وبالطبع يصبح رد الأب محرجا جدا له إذا لم يتطوع ويحارب لأجل وطنه.

***

أوضاعنا لا تسر وأصبحنا بحق أسوأ كثيرا من أهل بيزنطة المولعين بالخلاف والشقاق والجدل حيث انهم ما كانوا سيكررون أخطاءهم وخلافاتهم لو أتيحت لهم فرصة العودة كما أتيحت لنا بعد ان فقدنا وطننا عام 1990 ونحن في خلاف شديد لم يتوقف حتى أثناء تشردنا بالخارج، وقد تصاعدت خلافاتنا هذه الأيام بشكل مقلق يجعل المراقبين على يقين بأننا مقبلون خلال زمن قصير قادم على أزمات سياسية وخروقات أمنية وكوارث اقتصادية لن تبقي ولن تذر.

***

في ذلك الزمن القادم سريعا سيسأل أطفال كويتيون بعمر الزهور آباءهم والبراءة والدمع يملآن أعينهم:

٭ هل تعاملت يا أبي مع الكويت على انها وطن باق يستحق التضحية والفداء أم على انه وطن مؤقت ومحطة وقود تملأ منها الجيوب ثم تترك لمصيرها البائس؟!

٭ هل حافظت يا أبي على وحدتنا الوطنية كي نقف أمام الأعداء صفا واحدا وسدا منيعا، أم حرصت مع كل يوم يمر على ان تدمر وتهدم تلك الوحدة وتسيء للشركاء في الوطن مما يظهر ضعفنا أم الأعداء؟!

٭ هل قدمت يا أبي ولاء وطننا الكويتي على كل ولاء، أم جعلت ولاء عائلتك وطائفتك وقبيلتك في المكانة الأولى وولاء الكويت في المرتبة الثانية.. بعد المائة أحيانا؟!

٭ هل كنت يا أبي تبني الكويت كما بناها الأولون عبر اخلاصك في عملك وحرصك على سمعتها بين الأمم، أم كنت تدمرها في الداخل بإهمالك وتسيء لسمعتها في الخارج بأعمالك وأقوالك؟!

٭ وهل حرصت يا أبي على أموالها العامة عبر تنميتها وقطع اليد التي تمتد لها، أم كنت من المزايدين على استباحة أموالها تحت ألف مسمى ومسمى سرا وعلانية؟!

٭ هل دعمت يا أبي المخلصين من أهل الكويت؟ أيا كانت انتماءاتهم الفئوية والطائفية كي يصلح حال الكويت بوجود الخيرين والصالحين من أهلها، أم حاربت حتى الرمق الأخير كل مخلص مجتهد لأسباب ذاتية ومصالح شخصية؟!

٭ هل تعاملت يا أبي مع أبناء وطنك على انهم عزوتك وذخرك، ومع الآخرين على انهم خطر محتمل، أم عكست الآية فتعاملت مع الآخرين على انهم العزوة والذخر، ومع أبناء وطنك على انهم خطر محتمل.. أو حتى أكيد بنظرك؟!

آخر محطة: (1) التهنئة القلبية للكابتن الكفء والخلوق عبدالخالق التويجري على تعيينه مديرا للسلامة والطيران المدني وثقة الوزير الإصلاحي العامل بصمت لخدمة بلده م.سالم الأذينة، وبوجود الكابتن التويجري ومن معه في الطيران المدني والكابتن سالم العتيقي ومن معه في إدارة العمليات في «الكويتية» تكتمل دائرة سلامة الطيران في أجواء الكويت، ومنها الى الأعلى يابومحمد.

(2) للمعلومة.. اضافة الى الكفاءة الشديدة للكابتن التويجري، يحسب له انه من أوائل من أطلق الرصاص وقاتل وقاوم المحتل الصدامي حتى فقد بسبب تلك المقاومة الباسلة شهيدين من أشقائه.

 

احمد الصراف

الصدق منجاة

لا شك في أن الحياة جميلة لكثيرين، وليست كذلك لبعضهم الآخر، والأسباب متعددة. وعلى الرغم من عدم وجود اتفاق على ما يعنيه «جمال الحياة» بسبب تعدد الآراء وتضارب النظريات، فإن ما لا تستطيع كثير من الانظمة السياسية ادراكه، هو ان من حق الانسان، اي انسان، أن يكون سعيدا ومحبا للحياة، والدستور الاميركي ربما يكون منفردا في نصه على هذا الحق! ولكي نبدأ بالشعور بالرضا عن انفسنا، ونقبل على الحياة، فإن علينا أن نعقد سلاما داخليا مع انفسنا، وهذا لا يمكن بلوغه ان كانت حياتنا مكتظة بآلاف الأمور والقضايا الشائكة والخلافات العائلية، وبالتالي يتطلب الأمر أن نبدأ بالتخفيف والتخلص مما لا نحب، وأن نخفف من احقادنا على «منافسينا في العمل، أو في أي نشاط أو مجال نكون فيه، وأن نبدي تسامحا مع أعدائنا، ونتخلص من الشحوم حول خصورنا، ونلقي بالخلافات مع الأصدقاء والعائلة خلفنا، أو على الأقل نسيانها. وان نتبرع بالفائض من ملابسنا التي نرفض التخلي عنها، على الرغم من أنها أصبحت منذ سنوات غير ملائمة لنا، لا لونا ولا قياسا ولا حتى «موضة»! وأن نعطي المحتاجين ما لدينا من أجهزة صالحة أو شبه خربانة لا نحتاجها. وأن نقلل من الصور والبراويز والتماثيل من حولنا، ونجعل بيوتنا أقل تخمة وزحمة بالأثاث، وان نقلل من حضور كل عزاء وفرح أو حفل افتتاح وقص شريط. وان نركز على المناسبات الخيرية والمساعدات الاجتماعية للمحتاجين، وأن نعتاد على تعلم شيء جديد كل يوم، فتعلم كلمة جديدة أو سماع تعبير جميل كفيل بإشعاري شخصيا بالسعادة، فل.مَ لا نتعلم كل يوم بيتا من الشعر يبدأ مثلا بــ «مكر مفر مقبل مدبر معا…»؟. أو حفظ مثل حكيم أو سر طبخة نحبها، ولم نعرف يوما كيف يتم تحضيرها! فهذه الأمور التي قد تبدو بسيطة كفيلة بأن تجعلنا نشعر بأن يومنا لم يضع سدى، ويكفي أنها تبعدنا عن البحلقة لساعات، من دون تفكير، في شاشة التلفزيون. كما علينا ألا نلتزم بشكل معين من قصة الشعر أو شكل لحية أو سكسوكة، أو حتى صبغة شعر للسيدات، فالتغيير جميل، حتى في ألوان وموديلات ملابسنا، وأن نطلب من «كوكو شانيل» أن تذهب، ولو لبضعة اشهر، الى الجحيم. كما علينا، مع التقدم في العمر، تقليل تعلقنا بما «نملك»، فكلما قللنا مقتنياتنا، زادت حريتنا، فتخيل نفسك تمتلك عشر لوحات لبيكاسو، هنا ستشعر، فور اقتنائها، أنها أصبحت بسبب ندرتها وغلاء ثمنها، تمتلكك من شدة حرصك عليها والتأكد من وجودها دائما، وحراستها وعدها والاطمئنان عليها من اي خدش أو تلف من خادم مهمل، او رطوبة عالية أو هواء ناشف! كما علينا أن نعيش الحاضر ونفكر في المستقبل، ونلقي الماضي خلفنا، بعد أن نتعلم منه ما يكفي من الدروس، فالحسرة على ما فات لن تجدي نفعا. كما يجب ان نعتاد أكثر على الابتسام، وقد زادت ابتسامتي أخيرا، من دون ان أشعر، بعد أن اكتشفت انني أصبحت أكثر من الابتسام لكل من هب ودب، وحدث ذلك فور انتهائي من زرع بضع اسنان جديدة! كما علينا أن نكثر من القراءة، فزيادة المعرفة غالبا ما تجعلنا نشعر بالثقة، وهذه تؤدي للاطمئنان، ومنها نشعر بالرغبة في الحياة والاقبال عليها أكثر. كما علينا بين الفترة والأخرى التحدث هاتفيا مع الأهل والأصدقاء، ولمن نعتقد بأننا قد تسببنا في ايذائهم، بقصد أو من دونه، وأن نكون لطيفين مع الجميع، ويصبح الأمر مجديا أكثر لو تحدثنا مع هؤلاء من هاتف البيت، وفي وقت مناسب لهم. كما أن قول الصدق دائما سيشعرنا بالراحة النفسية، فالكذب حبله قصير، ويجعلنا نشعر بالقلق من انكشاف أمرنا.

أحمد الصراف