محمد الوشيحي

عربان وأميركان

الشعب هنا “واصل حده”، والقلوب على الزناد، والألسن معبأة بالطلقات. أشعر أننا جاهزون للصدام الداخلي (لولا الخشية من قضايا أمن الدولة لقلت إننا جاهزون للحرب الأهلية، الطائفية طبعاً… لكن الكتّاب يتحايلون، كما تعرفون، على الرقيب المهيب، وقبله على القانون، لذا نستخدم أحياناً الغمزة بالعين وعض الشفة السفلى كي يفهمنا القارئ من دون أن تضربنا عصا القانون).
الروح الغجرية، الرافضة للآخر، تسيطر علينا، وتضرب حول كلّ فئة منا، أو طائفة، طوقاً من العزلة والرفض والتشكيك في الآخر، وكأننا الشعب الوحيد المتنوع الأعراق، وآه ما أبشع المزهرية التي لا تضم إلا لوناً واحداً من الزهور، وآه ما أجمل المزهرية المتعددة الزهور والألوان، زهرة من تشيلي وأخرى من هولندا وثالثة من لبنان ووو…
والأمر ليس مقصوراً على الكويتيين، فالعربان منا ونحن منهم، وقد نقل لي صديق، أن كاميرا برنامج أميركي ساخر كانت تتجول في الأماكن العامة بين الأميركيين المنتمين إلى أصول مختلفة، الهنود والألمان والفرنسيين والعرب واليهود واللاتينيين والأفارقة السود والصينيين والأوروبيين ووو… وأميركا كما تعلمون عبارة عن مجتمع سوبر ماركت، من كل فج قطعة.
وكان السؤال عن موقف هذا المواطن في حال نشبت حرب بين أميركا ودولته الأصلية، أو أمته الأصلية، إلى أي جانب سيقف؟ يسألون الهندي، مثلاً: ماذا لو نشبت الحرب بين أميركا والهند… من ستؤيد وتناصر؟ ويسألون العربي واليهودي واللاتيني ووو…
وكانت الإجابات ساخرة غالباً، فاللاتيني أوضح موقفه بجلاء: “سأقف إلى جانب الجيش الذي يضم نساءً أجمل من نساء الجيش الآخر هاهاها”. الأفريقي يقهقه: “سأستغل فوضى الحرب وأهجم على محل للساعات لأسرق ساعة أعجبتني ولم أستطع شراءها”. أما الصيني، وبعد أن أطلق ضحكة خجل، انكمشت فيها عيناه حتى لم يعد من الممكن رؤيتهما بالعين المجردة، فقد علق: “لو كانت الحرب بين أميركا واليابان كنت أيدت أميركا ضد اليابان، هئ هئ هئ”، أما اليهودي فقد أجاب بوقاحة من الطراز الفاخر، مقهقهاً أيضاً: “سأدعم من يدفع لي أكثر… هاهاها… إسرائيل أو أميركا… هاهاها”، قال ذلك ومضى في حال سبيله يحمل أكياس التسوق.
كلهم قالوا ذلك ومضوا يكملون قهقهاتهم، باستثناء ذلك العربي الذي كساه الفزع وغشاه الهلع، وخشي أن تقع نسخة من هذا البرنامج في يد “إدارة الهجرة”، فراح يتحدث عن فضل أميركا على الأولين والآخرين، وعلى الإنس والجن، وعلى عمته وخالته، وكيف أنها أخرجته من بلاد الظلم إلى بلاط العدل، ومن بلاد السادة الذين ينتعلون القانون إلى حيث لا سيادة إلا للقانون، ووو، وأقسم بأغلظ الأيمان وأطولها أنه يدين بالولاء لأميركا، ولاشيء غير أميركا، وراح يعدد مزاياها، وبأهلها يتباهى، مسلمهم ومسيحيّهم، يهوديهم وبوذيهم، وأنه لا يرفض الآخر ولا يعاديه، ووو، والحمد لله أنه لا يحفظ معلقة أخينا طرفة بن العبد وإلا كان بدأ بإنشادها: “لخولة أطلال ببرقة ثهمدِ / تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ…”، الحمد لله.
هكذا هي ثقافتنا، نطويها ونضعها في مزودتنا وننقلها معنا حيثما حللنا وارتحلنا. سقى الله العربان.

حسن العيسى

انفخ يا شريم!

قبل شهر بالضبط، وقفت الحكومة وخاطبت، على لسان وزير التربية وزير المالية بالإنابة وقتئذ، د. نايف الحجرف أعضاء مجلس الأمة بمناسبة مناقشة الزيادات والكوادر المالية، وكان الخطاب الحكومي “يعور القلب” حين أخذت الحكومة تشتكي الحال و”تنخي” نواب الأمة أن يتفهوا حالها وحال الدولة المائل، وكررت كلاماً حفظناه ورددناه كالببغاوات منذ تسعينيات القرن الماَضي عن مخاطر المستقبل وعن الدراسات الكثيرة التي تؤكد جميعاً أن “الواقع الاقتصادي يتجه نحو مسار منحدر بشكل حادٍّ، وينطوي على تحديات ضخمة تحمل مخاطر فادحة التكلفة…”.
ومضت الحكومة تولول وتذرف الدموع الساخنة علَّها تحرك قلوباً من حجر لدى أكثرية نواب الأمة الذين تعلموا من الحكومات المتعاقبة درس جماعة “الذين يأمرون بالمعروف وينسون أنفسهم”؛ فالحكومات التي تعظ وتنصح نواب الاستهلاك والهدر على اليوم الحاضر، نسيت نفسها حين بالغت في كرمها وسخائها بتقرير كوادر وزيادات وهبات مالية لم يطالب بها أحد، وكانت تلك رِشا تنسجم وتتجاوب مع متطلبات الربيع العربي، ما أخل بميزان العدل لصرفها لغير المستحقين… وهي الحكومات (ماكو غيرها) التي أهدرت المليارات على ربعها والمقربين من مراكز القرار في تفصيل المناقصات وترسية العطاءات، متوهمة أنها متى عدَلت مع الكبار في تقسيم الريع بينهم، فعليها أن تعدل مع الصغار في ما تبقى من الريع!
ومهما كان الأمر، ولو سلمنا بأن الفساد الرسمي مقسوم وقدر علينا، ومثله أيضاً الفساد الشعبي بعد أن انتقلت إليه العدوى الرسمية، فإن مثل ذلك الخطاب الحكومي المحذِّر من خطر المستقبل وإعسار الدولة خلال سنوات قريبة لم يحرك ساكناً عند معظم النواب، ومن السخافة أن نتصور أن أي نائب، مهما كان انتماؤه السياسي، سيلبس رداء المخططين الاقتصاديين وسيقنع قواعده الانتخابية بضرورة وقف الهدر المالي والتضحية بالقليل من الحاضر من أجل المستقبل، فمثل ذلك لا يمكن تخيله بعد عقود طويلة من التسيُّب الاقتصادي والسياسات الريعية للدولة، ومع غياب الحزم السياسي عند الحكومات حين يكون الحديث عن المزيد من التبديدات المالية، ويصبح كل ذلك كلاماً “مأخوذة زبدته” في النهاية، ومن دون أن ننسى أن مثل هذا المجلس كسابقه من مجالس العيب والحرام، ليس من أولوياته تدبر الواقع الاقتصادي للدولة، وترشيد الإنفاق المالي؛ فهموم نواب المجلس، حتى بالنسبة إلى عدد من النواب المختصين بالاقتصاد مثل خالد السلطان، محصورة في خنق الحياة الاجتماعية ومصادرة الحريات الشخصية، وملاحقة واضطهاد الأقليات “شبه الليبرالية” أو الشيعة.
هل هناك حل لأزمة الاقتصاد وأزمة الحريات في هذه الدولة مع حكوماتنا الرخوة ومجالسنا المتحجرة؟ لن تكون الإجابة بغير التشاؤم للأسف، فمثل هذه الحالة الكويتية ومثلها بعض دول الخليج الريعية لن يتعلما بالعقل ومن تجارب التاريخ ودول أخرى، بل سيتعلمان فقط حين ينزل “الفاس بالراس” وعندها لن نجد مَن يقول لنا “إذا فات الفوت لن ينفع الصوت” وكيف يمكن للأشرم أن ينفخ؟!

احمد الصراف

حياة الكاتب الشخصية

هل يمكن أو يفترض الفصل بين حياة الشخصية العامة وبين افعاله وأقواله؟ سؤال محير طالما حظي باهتمام الكثيرين، ففي الوقت الذي تجتذب فيه أعمال المشاهير، خصوصاً الممثلين والمطربين، انتباه قطاع واسع، إلا أن أخبار فضائحهم وحياتهم الشخصية وحتى ديكورات منازلهم وأنواع كلابهم، تحظى بقدر أكبر من الاهتمام. وبالتالي يصعب وضع خط فاصل بين الخاص والعام. ولكن تصبح المسألة أكثر تعقيدا مع رجال الفكر وكتاب الرأي والدعاة والمصلحين الاجتماعيين وحتى السياسيين، فيصعب القول هنا إن لكاتب الرأي أو السياسي أو الداعية الحق في فصل حياته الشخصية عن اقواله وتصرفاته، فهناك حد ادنى من المصداقية المطلوبة من هؤلاء، ولا يمكن بالتالي وصف ما يدلون به من آراء أو مواقف بأنها رائعة ومبدعة في الوقت الذي نعلم فيه جيدا كذبهم، أو أن حياتهم الشخصية مثيرة للاشمئزاز، أو على الأقل أن آراءهم التي يدعون إليها لا تتفق مع أسلوب حياتهم، والأمثلة في الصحافة المحلية أكثر من ان تعد، خاصة في ظل صعوبة امتلاك غالبية قراء أو متابعي هؤلاء للقدرة على التمييز بين الخبر الصحيح والرأي المدسوس! وبالتالي مطلوب من الكاتب أو الداعية وحتى السياسي حد أدنى من الالتزام بما ينشر أو يروج أو يدعو له. وقد فقد الكثيرون احترام المجتمع لهم واخرجوا من وظائفهم وزالت ثرواتهم وانهارت زيجاتهم نتيجة انكشاف التناقض الخطير بين أقوالهم وحياتهم الشخصية، ولكن حدث هذا غالبا في المجتمعات المتقدمة أو الأكثر تعليما، وليس بالضرورة في مجتمعاتنا المتخلفة، فقد صدر حكم قبل فترة قصيرة على داعية شهير لقيامه بسرقة نص كامل لكتاب ونسبته لنفسه، وحقق من وراء ذلك الملايين، وكان الحكم كفيلا بأن ينهي حياته كشخصية عامة وداعية ديني، ولكنه استمر في نشاطاته من دون أن يرف له جفن، معتمدا على أن مريديه وأتباعه لا يقرأون ما يكتب وينشر عن سرقاته وفضائحه، أو أنهم سرعان ما ينسون ما اثير عنه معتبرين ذلك بحكم الافتراء، أو أن الأمر لا يرقى لدرجة «السرقة» بالمعنى المعروف لديهم، وبالتالي لا يستوجب الأمر قطع اليد! وهنا يأتي دورنا في الاستمرار بكشف مثالب هؤلاء المفترين وأخطائهم. ففي شريط فيديو على اليوتيوب بعنوان «لو كنت عنه لتواريت عن الانظار» يظهر الداعية عايض القرني وهو يوجه الحديث للرئيس اليمني السابق علي صالح، نيابة عن وفد كبير رافقه في الزيارة، وهو يقول: أنا أنوب عن اخواني العلماء والمشايخ الذين زاروا اليمن ونبلغك التحية والشكر لما وجدناه من اكرام وحفاوة في بلد الإيمان والأمن (!).. واننا لا نزكيكم بأكثر مما زكاكم رسول الهدى عندما قال «الإيمان يماني والحكمة يمانية»!
ولكن ما ان ظهرت بوادر سقوط صالح وتعرضه لمحاولة اغتيال حتى قام الداعية نفسه بإلقاء خطاب مقذع تهجم فيه بشكل مقزز على صالح وكيف أن نار جهنم حرقت وجهه عقابا له! الطريف أن من أرسل رابط اليوتيوب ذكر بأنه لو كان مكان القرني لتوارى عن الانظار! ونسي أن أمثال هؤلاء لا يغادرون بمثل هذه السهولة فحجم الغنيمة كبير وحجم الجهل أكبر!
***
رابط الخطبتين:
http://www.youtube.com/watch?v=XaN0DZtpyoc&feature=player_embedded

أحمد الصراف