حسن العيسى

كأننا والمال من حولنا…

ما هي السياسية العامة للدولة؟! وكيف نعرفها حتى يمكن بالتالي مساءلة سمو رئيس مجلس الوزراء عنها؟!
مسألة صعبة تشبه مسرحيات صموئيل بيكت العبثية وفلسفة هايدغر الوجودية، لكن المحكمة الدستورية حددتها بأنها “الإطار العام الذي تتخذه الحكومة نهجاً لها في توجيه العمل الذي تسير على خطاه وزارات الدولة ومصالحها، وما تنوي الحكومة النهوض به من أعمال ومشروعات وخطط مستقبلية”… إلخ… الخ.
أفهم كلمات مثل “الإطار العام” و”توجيه العمل”، وأفهم كذلك “المشروعات والخطط المستقبلية في المجالات العامة”، لكن حين أجمع الكلمات معاً، أتوه وأصبح غبياً، فلا أفهم كيف تكون هذه السياسة العامة في الواقع الحي، وكيف يمكن أن نراها… أن نتحسسها، نلمسها، نشعر بها تتنفس، تنبض بالحياة، تسير وتقف، تكبو وتنهض، تبهجنا أحياناً وتغمنا في معظم الأحايين، تعرفنا بنفسها على أنها الآنسة سياسة ابنة العامة، التي تهيمن على عمل الوزارات والمؤسسات وتضبط مجمل شؤون الدولة وتشرف عليها بصورة عامة.
ومن جديد تهتُ وضِعتُ في قفار وفيافي هذه السياسة العامة العميقة حين أثيرت قضية مسؤولية سمو الرئيس عن هذه السياسة العامة، وكيف يجوز أو لا يجوز ـ حسب وجهات نظر فقهاء الديمقراطية الكويتية العليا- اعتبار تفجّر حسابات بعض النواب بالملايين بين ليلة وضحاها في تسونامي “كبت أمه”، من السياسة العامة للدولة، أو من السياسة الخاصة والخاصة جداً، والتي لا يجوز الحديث عنها، أو حتى الهمس بها… هس، سكوت، عيب؛ فذلك مخالفة للقانون، وجرح للدستور، وهو مسألة مرتبطة بحقوق الأفراد الشخصية (والنواب أفراد) والكلام بها (السياسة العامة وحساباتهم) يعني مساساً بسرية حساباتهم الشخصية، كما علمتنا الفقيهة رولا دشتي بجلسة أمس الأول، جزاها الله كل خير، هي ورفاقها من النواب الحريصين على حريات الأفراد وحقوقهم.
الاستجواب القادم لسمو رئيس الوزراء من البراك والمسلم والعنجري، سيحشرنا من جديد في الزنزانة الضيقة للسياسة العامة، ونحن لم نصدق فرحتنا بأننا انتهينا بالأمس من رفع وشطب استجواب السعدون والعنجري حول “السياسة العامة” ومتاهاتها، وكيف كنا “… والماء من حولنا قوم جلوس حولهم الماء” في شروح معاني السياسة العامة ومدلولاتها الغائرة في عمق العبقريات البرلمانية.. فماذا يريد النواب الثلاثة، هداهم الله من استجوابهم القادم، وقد عرفنا من قرار الأغلبية المجلسية الحكم مسبقاً في معاني السياسية العامة؟!
فهل سيعود النواب المستجوبون إلى تفسير الماء بالماء بعد كل هذا العناء، وبعد أن قلنا: ها… دقت ساعة العمل للحكومة، للـ”تيك أوف” لطيارة التنمية الكويتية الواقفة، وقد علاها الصدأ على مدرج المعارضة البرلمانية، كما تروج، بحكم العادة المتأصلة، الأدبيات الحكومية! أي تفسير جديد لـ”السياسة العامة” سيقدمه النواب الثلاثة في ٢٢ من الشهر المقبل غير مقولة “… كأننا والمال من حولنا… قوم جلوس حولهم مال” فلا فرق بين الماء والمال غير إحلال اللام بدل الهمزة.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *