محمد الوشيحي

مواري ربيعٍ عظيم

دوماً كان الربيع، بالنسبة إلي، ليس إلا “تمشية” لمرة واحدة أو مرتين في “المطلاع” و”الوفرة” وغيرهما من صحارى الكويت. وكنت أضحك حتى أختنق بدخان سيجارتي عندما أقارن ربيع الكويت وأمطارها بربيع أوروبا ولبنان وسورية ودول إفريقية وأمطارها. هنا تنبت شعرتان في رأس أرضنا الصلعاء فتزغرد فرحاً بهما ويرقص الناس ويرددون أهازيجهم، وهناك يطول شعر الأرض حتى يغطي خصرها وأردافها، ولا يهتم الناس.
وحده ربيع هذه السنة سيكون مختلفاً، سيكسو الكويت لسنين وسنين، سيكون شامخاً، شاباً، فاخراً… هو ربيع لا ينطلق من السماء إلى الأرض التي تنتظره مستجدية، بل من الأرض يحلق إلى السماء… هو ربيع مختلف في لونه وشكله ومضمونه… هو ربيع عظيم… هو ربيع مجنون، وما أحلى جنونه.
لحضوره رهبة وهيبة، أتحدث عن ربيع هذا العام، لحضوره صرخة وفرحة، يفرح به عشاق هذا البلد، وتهرب الزواحف وتختبئ في جحورها خشية الغرق في سيله الغاضب.
حتى نوافذ بيوتنا، المبللة بأمطار هذا الربيع، لن تجفف وجهها. قسماً لن تجفف وجهها من مياهه الطاهرة. وكان الله في عون فراشاتنا هذه السنة، أو هذا الربيع، من يخلصها من حيرتها وهي تتلفت بين الورود البنفسجية الفاتحة والحمراء القانية والصفراء الضاحكة والبيضاء المشرقة. ستحتاج الفراشات إلى وقت طويل كي تمرّ على كل هذه الورود، لكن أيها أولاً؟
أبطأتَ علينا أيها الربيع العظيم، أبطأت فجفّت كبود عشاقك، أبطأت فتكاثرت الزواحف في مدينتنا وصحرائنا، أبطأت فاصفرّ “الخضار”، ولولا علمنا بانشغالك هنا وهناك لما عذرناك.
وها نحن نحذرك، ربيعنا العزيز، لا تأتِ مستعجلاً وتذهب مستعجلاً، فبلادنا الجافة بحاجة إلى وقت قد يطول. ولا تلمها، فكم من السنين مرّت على الكويت بلا ربيع، بعد أن كان ربيعها يبهر وأرضها تسحر.
تعبنا أيها الربيع العزيز من الوعود الكاذبة لمندوبَيك، الرعد والبرق. كم من مرة ومرة أبلغانا قربَ مجيئك وطلبا منا الاستعداد لاستقبال موكبك، فهرولنا فرحين نبشر أرضنا التي تحتضر وتنازع الموت عطشاً، لكنك لا تأتي.
آهٍ، أيها الربيع، ما أجمل كلماتك التي استقيتها من القرآن، وآه ما أعظم القرآن ولغة القرآن، فبأي آلاء الربيع تكذبان.
هاهو الشعب يترك كل ما في يديه ويصلي صلاة الاستسقاء، ويبدو أن الله استجاب لهم بعد طول صبر، فبانت العلامات و”المواري”.

حسن العيسى

كأننا والمال من حولنا…

ما هي السياسية العامة للدولة؟! وكيف نعرفها حتى يمكن بالتالي مساءلة سمو رئيس مجلس الوزراء عنها؟!
مسألة صعبة تشبه مسرحيات صموئيل بيكت العبثية وفلسفة هايدغر الوجودية، لكن المحكمة الدستورية حددتها بأنها “الإطار العام الذي تتخذه الحكومة نهجاً لها في توجيه العمل الذي تسير على خطاه وزارات الدولة ومصالحها، وما تنوي الحكومة النهوض به من أعمال ومشروعات وخطط مستقبلية”… إلخ… الخ.
أفهم كلمات مثل “الإطار العام” و”توجيه العمل”، وأفهم كذلك “المشروعات والخطط المستقبلية في المجالات العامة”، لكن حين أجمع الكلمات معاً، أتوه وأصبح غبياً، فلا أفهم كيف تكون هذه السياسة العامة في الواقع الحي، وكيف يمكن أن نراها… أن نتحسسها، نلمسها، نشعر بها تتنفس، تنبض بالحياة، تسير وتقف، تكبو وتنهض، تبهجنا أحياناً وتغمنا في معظم الأحايين، تعرفنا بنفسها على أنها الآنسة سياسة ابنة العامة، التي تهيمن على عمل الوزارات والمؤسسات وتضبط مجمل شؤون الدولة وتشرف عليها بصورة عامة.
ومن جديد تهتُ وضِعتُ في قفار وفيافي هذه السياسة العامة العميقة حين أثيرت قضية مسؤولية سمو الرئيس عن هذه السياسة العامة، وكيف يجوز أو لا يجوز ـ حسب وجهات نظر فقهاء الديمقراطية الكويتية العليا- اعتبار تفجّر حسابات بعض النواب بالملايين بين ليلة وضحاها في تسونامي “كبت أمه”، من السياسة العامة للدولة، أو من السياسة الخاصة والخاصة جداً، والتي لا يجوز الحديث عنها، أو حتى الهمس بها… هس، سكوت، عيب؛ فذلك مخالفة للقانون، وجرح للدستور، وهو مسألة مرتبطة بحقوق الأفراد الشخصية (والنواب أفراد) والكلام بها (السياسة العامة وحساباتهم) يعني مساساً بسرية حساباتهم الشخصية، كما علمتنا الفقيهة رولا دشتي بجلسة أمس الأول، جزاها الله كل خير، هي ورفاقها من النواب الحريصين على حريات الأفراد وحقوقهم.
الاستجواب القادم لسمو رئيس الوزراء من البراك والمسلم والعنجري، سيحشرنا من جديد في الزنزانة الضيقة للسياسة العامة، ونحن لم نصدق فرحتنا بأننا انتهينا بالأمس من رفع وشطب استجواب السعدون والعنجري حول “السياسة العامة” ومتاهاتها، وكيف كنا “… والماء من حولنا قوم جلوس حولهم الماء” في شروح معاني السياسة العامة ومدلولاتها الغائرة في عمق العبقريات البرلمانية.. فماذا يريد النواب الثلاثة، هداهم الله من استجوابهم القادم، وقد عرفنا من قرار الأغلبية المجلسية الحكم مسبقاً في معاني السياسية العامة؟!
فهل سيعود النواب المستجوبون إلى تفسير الماء بالماء بعد كل هذا العناء، وبعد أن قلنا: ها… دقت ساعة العمل للحكومة، للـ”تيك أوف” لطيارة التنمية الكويتية الواقفة، وقد علاها الصدأ على مدرج المعارضة البرلمانية، كما تروج، بحكم العادة المتأصلة، الأدبيات الحكومية! أي تفسير جديد لـ”السياسة العامة” سيقدمه النواب الثلاثة في ٢٢ من الشهر المقبل غير مقولة “… كأننا والمال من حولنا… قوم جلوس حولهم مال” فلا فرق بين الماء والمال غير إحلال اللام بدل الهمزة.

احمد الصراف

ألف شكري وشكري

الحادثة الأخيرة التي تورط فيها ضابط شرطة كبير ليست فردية ومعزولة، فقد سبقتها مئات، لا بل آلاف الحوادث المماثلة الأخرى وأكثر منها بشاعة داخل السلك العسكري! ويستغرب البعض هنا وقوع مثل هذه التجاوزات الرهيبة في دولة هي الأكثر كرما مع ضباطها بالذات، فلا يكاد يمر يوم من دون ان نقرأ أو نسمع بتورط أحد هؤلاء في جريمة، وسبب ذلك، بنظري، بسيط ومعقد في الوقت نفسه، ويعود أساسا لأمور ثلاثة:
1ــ الزيادة الكبيرة في عدد من يطلق عليهم بالمتنفذين، من نواب وابناء أسرة وسياسيين، ممن استمرأوا التدخل في القضايا «الأمنية»، وما أكثرها، لمنع حبس فلان أو ضبط فلتان، وما يخلقه ذلك في نفوس المنوط بهم حفظ الأمن من حسرة، ويشجعهم بالتالي على التراخي في أداء الواجب وقبول ما يعرض عليهم من إغراءات! وقد ساهم ذلك، إضافة لنقص التربية الوطنية في نفوس الكثيرين، لاستشراء فزعة ابن الطائفة لطائفته وحماية ابن القبيلة لابن قبيلته او عرقه، والجميع يتعلل بــ«الستر»!
2 ــ التشدد المبالغ فيه في كل الأمور المباحة لدى أكثر الدول قربا منا ولنا، دينا ونفسية وتقاليد، وطول قائمة الممنوعات، التي تقيد المواطن والمقيم، والتي تطول كل يوم، وصعوبة تطبيق كل هذه الموانع والمحظورات بكفاءة، التي تخلو أصلا من المنطق، جعل تجاوزها أمرا سهلا، فممنوع دخول جنسيات معينة، وهناك من دخل، وممنوع التحاق بعائل، وممنوع منح استمارة تعلم قيادة مركبة، وممنوع النجاح لأول مرة في امتحان القيادة، وممنوع الحصول على إجازة قيادة عامة، وممنوع المجاهرة بالإفطار، فعلى الجميع الصيام ولو كانوا بوذيين، وممنوع تناول المشروبات، ولو في قلعة محصنة، وممنوع على النساء السباحة على الكثير من الشواطئ، وممنوع عليهم الحلاقين الرجال، وممنوع حفلات الفنادق، حتى الخاصة منها، وممنوع جلب الفنانين، وإن أتوا فتطبق الضوابط الشرعية عليهم، وغير ذلك الكثير.
3 ـ والنتيجة الحتمية للسببين 1 و2 هي التراخي العام والشامل في تطبيق القانون، فمن دون تطبيق حازم له سيكون لدينا، بل يوجد لدينا، ألف شكري وشكري. فنحن، باختصار، بحاجة الى السماح بالترفيه عن الناس، وتقليص قائمة الممنوعات وتقليل القيود السخيفة، وفي الوقت نفسه الحزم في تطبيق المعقول والمنطقي منها!

أحمد الصراف