محمد الوشيحي

نيجاتيف

الأمور ليست دائماً كما تبدو… ترى رجلاً كالأسد الغضوب الهصور، لكنه يصيح كالدجاجة خوفاً من الأماكن المرتفعة، ويرتعد خشية الشاهق من القمم.
أحد أقربائي أشجع من السيف، تشهد بذلك منطقة الصباحية و«براحاتها»، أيام معاركنا التي هي أشرس من معركة العلمين، لكنه يبكي ويلطم على الخدين ولا ندابات البصرة، إذا ركب على متن «تيلي فريك» أو سافر على طائرة. لا ينام قبل السفر لشدة رعبه.
ومن الجهة المقابلة، أعرف، ويعرف الناس كلهم، رعديداً أجبن من الأرنب، وأكثر فزعاً من الغزالة، لكنه لا يخشى الطيران ولا الارتفاعات ولا الأماكن الضيقة، وما إن ينزل من هذه الطائرة حتى يركب تلك، دون اكتراث.
قس على ذلك أموراً أخرى، الشعر مثلاً، يحتاج، من بين ما يحتاج، إلى ذكاء، كما يظن البعض، لكن أشهر شعراء عصرنا هذا ليسوا أذكياء كفاية. انظر إلى سعد بن جدلان الأكلبي السعودي الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب، والذي لا يملك من الذكاء ما يسد رمقه، ومع ذا هو صاحب أعظم مدرسة شعرية في الجزيرة العربية في وقتنا هذا! وانظر أيضاً إلى «متنبي الجزيرة العربية» ضيدان بن قضعان الذي لن تجد مقعداً فارغاً في القاعة التي يقيم فيها أمسيته ما لم تحجز مقعدك قبل الأمسية بزمن كافٍ، والذي يُشعرك أن الحروف الأبجدية أكثر من مئة حرف، لسلاسة شعره وعمقه وانسيابيته وعدم تكلفه وعظمة تصويره، ورغم ذا لا يملك ضيدان من الذكاء ما يحمي به رأسه من حرارة الشمس ولا مياه المطر.
«الدلالة» أيضاً، أي معرفة الأماكن والطرق، ينطبق عليها الأمر ذاته، فتجد أحياناً من يتفوق عليه الديك الرومي في الذكاء في أمور الحياة، لكنه بدوره يتفوق على الحمام الزاجل في معرفة الطرق والصحارى، وستعرف شخصاً نابغة في العلوم الهندسية لكنه يتوه عن بيت خالته. وكان أحد حكام الخليج الراحلين، رحمه الله، يستعين برجل «دليلة»، يقال إنه أقرب إلى العبط، لكن ذاكرته تحتفظ بصورة أرشيفية للأماكن التي مر بها، ويكفيه نظرة واحدة للنجوم لا تستغرق ثوانيَ معدودات ليحدد الاتجاه الصحيح.
وكل من يستعرض، أو يتعمد إظهار جزء ما بصورة مبالغ فيها، هو في حقيقته ضعيف في هذا الجزء، غالباً. فالحكام العرب أكثر من يستعرض القوات العسكرية، لكن جيوشهم ضعيفة متهالكة، في حين لا تستعرض بريطانيا جيوشها، ولا فرنسا تفعل، ولا يجلس أوباما في المنصة وإلى جانبه قيادات الجيش، كما يفعل العربان، ممسكاً بمنظاره يتابع تحليق الطائرات المقاتلة ومرور المدرعات والدبابات وآليات المدفعية، رغم أنها صناعة أميركية.
والرتب العسكرية والأوسمة التي تملأ صدور بعض الحكام العرب (بشار الأسد على سبيل المثال) تشي بأن هذا الحاكم حقق من الانتصارات العسكرية ما يُخجل أتاتورك ومونتغمري وروميل مجتمعين، ولو نظرنا إلى «نيجاتيف الصورة» لاكتشفنا أنه لا يعرف الفرق بين خطط الدفاع والانسحاب.
عوداً على بدء… الأمور ليست دائماً كما تبدو.
***
كنت إلى وقت قريب أقول «النائب شعيب المويزري ليس معارضاً، هو مسودة معارض»، لكنني اليوم أقول: «النائب المويزري بيّض المسودة».

احمد الصراف

أعداء التمار

كشف مدير عام هيئة الإعاقة قبل فترة أن هناك 37 ألف معاق مسجلين رسميا، وان الرقم يضع علامات استفهام مخيفة لكبره! ولو تمعنا في تصريح السيد التمار لتبين لنا استحالة وجود 37 ألف معاق، معترف بهم، في دولة لا يزيد عدد مواطنيها على المليون بكثير، والحقيقة أن الرقم ما كان ليصل الى هذا الحجم لو لم تكن الدولة تصرف مستحقات مجزية للمعاقين، وبالتالي شجعت بعض الفاسدين على المجازفة وتزوير المحررات، وتسجيل أنفسهم أو ابنائهم كمعاقين. وساعد في ذلك وجود إدارات سابقة سهلت لهؤلاء مهمتهم وزودتهم بشهادات إعاقة غير صحيحة، علما بان مسؤولية تحديد المعاق من غيره تقع على لجان طبية، وبالذات رؤسائها المكلفين إصدار شهادات الإعاقة، وهؤلاء هم السبب الرئيسي في تضخم رقم المعاقين، فقد خالفوا قسمهم الطبي وضميرهم المهني، وقاموا من دون تردد، بالرغم من انتماء البعض منهم لأحزاب دينية، بإصدار آلاف شهادات الإعاقة المزورة، وتسهيل سرقة عشرات ملايين الدنانير من المال العام، من دون وازع من ضمير، وتركوا الهيئة من دون حساب ولا عقاب! وقد سبق ان كتبنا عن البعض منهم وعرّينا تاريخهم، ولكن المصيبة ان أحزابهم الدينية ترفض التخلي عنهم، فما ان يتم طردهم، بسبب فسادهم، من جهة حكومية ما حتى تقوم بإيجاد وظيفة أفضل لهم في جهة أخرى. كما يلاحظ أن هناك خيطاً رفيعاً مشتركاً يربط تقريبا بين كل أولئك الذين هاجموا ويهاجمون مدير عام هيئة الإعاقة، والمستفيدين من ضخامة رقم المعاقين، ولهذا كان الهجوم على المدير وموظفيه المخلصين ضاريا فقد حرموهم من مكافآت إعاقة مجزية.
والغريب أن هذه التصرفات اللاأخلاقية والسرقات تحدث في دولة دينية حتى النخاع، وهذا ما اثبته الحضور الكبير في العشر الأواخر! ويا ترى لو كانت الكويت دولة علمانية ليبرالية هل كان سيحدث فيها كل هذا الكم من خراب الذمة والضمير هذا؟ ولعلم مسؤولي هيئة الإعاقة، هناك نسبة من هؤلاء المعاقين، حقيقيين أو مزيفين، من مزدوجي الجنسية، والدليل هو الزيادة اللافتة للنظر في عدد المركبات التي تقف في نهاية كل شهر أمام مبنى هيئة الإعاقة، التي تحمل أرقاماً غير كويتية، ولا شك أنهم، على الأقل، يقبضون من الطرفين!.
***
ملاحظة: تصريح الوزير البصيري المتعلق بعدم الاستعانة بالمال العام لتغطية فرق زيادة رواتب القطاع النفطي، اما انه استخفاف بالعقول أو جهل بالأمور، وفي الحالتين عليه ان يستقيل أو يقال! فهل سيتحرك رئيس الوزراء؟

أحمد الصراف