حسن العيسى

كادر وكدر

انفجر بركان الإضرابات في جل دولة «الموظف العام»، وكل جماعة تقرب خبزتها من النار قبل الآخرين، وكلما أقرت حكومة الحصافة كادراً لنقابة ما تراكضت بقية النقابات للمطالبة بالمثل، وإذا كانت نقابة العاملين بالنفط قدماها راسختان في الارض، فبها وعبرها يتحرك الدم الأسود في شريان الدولة، إلا أن بقية النقابات التي تطالب اليوم ليس لها مكانة العاملين في القطاع النفطي، لذا لن تكون إضراباتهم مؤثرة على الأرجح، ومع ذلك، هناك شكوى عامة مفادها أن أسعار السلع والخدمات ازدادت غلاء، بشكل غير معقول ولم تعد الرواتب متناسبة مع النفقات (هذا ليس قاصراً على الكويت، التضخم يجثم فوق معظم صدور الأوربيين مثلما تنهش المجاعات بطون الصوماليين).
وجهتا نظر يحق لنا أن نستمع لهما بصدر رحب، الأولى، يقول أصحابها، إن مصيرنا الضياع، إذا ما ظلت الحكومة على نهج التبديد وشراء الولاءات، مباشرة عبر سياسيات الدعم السلعي والخدماتي، أو من خلال تعميم عطايا الكوادر على غير المستحقين، أو بطريقة غير مباشرة عبر مد يد العون الكريمة على حساب الأجيال لنواب الصدى، أي الذين يرددون صدى الصوت الحكومي، ويقفون معها في السراء والضراء، ودائماً يهذون بمثل دارج: «زوج أمي أقوله عمي»! أصحاب هذا الرأي يمثلون فئات عريضة من التجار، وكثير من «المثقفين» ( وأقول كلمة مثقفين بمنتهى التحفظ)، فهم يرون أن ثروات البلد تسرق من حلوق أجيالنا القريبة، وربما بأسرع مما نتصور، الجميع سيفلس مع إفلاس الدولة أو عسرها على الأقل، الهدر يتم عبر التشريع للكل أو عبر التنفيع المباشر للبعض، أي منح وإسقاط التزامات مالية لخدمات عامة، ودعم سلعي للمحتاج وغير المحتاج؛ وبالنهاية، نؤكد أن أموال اليوم الأسود تحرق بدم بارد، الآن، وفي اليوم الأبيض واننا نرى ليلا حالكا يتقدم شيئاً فشيئاً، هو آت آت لا محالة.
وجهة النظر الثانية ترد ببساطة، بأن الأولين لم يتركوا شيئاً للآخرين، فبعد تاريخ ممتد من نهب وتكديس ثروات خيالية من مناقصات و»شطارة» ليست بالضرورة أخلاقية وليست دائماً «حلالاً»، عندكم أنتم يا أصحاب الوجهة الأولى؛ تأتون اليوم للموظف المسكين الذي يحيا بالراتب وحده (في معظم أو بعض الأحيان)  وتستكثرون عليه «كادراً» أو «كويدراً» بسيطاً، لماذا لا يكون حالنا من حالكم، فأنتم السابقون ونحن اللاحقون.
وإذا كنتم تتهموننا بأن إنتاجنا كموظفين هو الأسوأ من بين الدول، وأننا أصحاب مقولة «تعال غداً فالمدير غائب»، ونحن من يغلق الباب أوقات العمل ويلتهم سندويشات الفول والفلافل، فماذا عنكم أنتم؟ هل أنتم برجوازية أوروبية أو غربية خلقت وصنعت وغيرت التاريخ! هل منكم  هنري فورد، أو بيل غيتس، أو ستيفن جوبس، أنتم وكلاء بضائع وسلع، ولا أكثر، ونحن من يستهلكها، ندري أن الدولة قامت على أكتاف آبائكم وأجدادكم، لكن الأمور تغيرت بعد أن صارت الدولة (أقصد السلطة الحاكمة) هي التاجر الأكبر ورب العمل الكبير، هو يعطينا حقنا اليوم مثلما أخذتم أنتم حصصكم من الكعكة الكويتية، لكم نصيب ولنا نصيب.
لا أؤيد أياً من الطرفين، في بلد أصبح الكثيرون من أهله يقولون فقط «هات وهات»، لكني أؤيد دون تردد أن تقرر الدولة كادراً للفلبينيات ومن في حكمهن في الخدمة النهارية والليلية، فهن يقدمن «خدمات جليلة» للوطن وأهل الوطن، ولولاهن لأصبحنا في كدر!

احمد الصراف

دور الإبل

عندما كتبت قبل أيام عن «غزوة الابل» للمحميات الطبيعية والفتك بنباتاتها واتلاف مزروعاتها، وتهجير حيواناتها وتخريب أعشاش طيورها، كنت أعتقد انني أكتب عن جريمة عادية تتكرر كل عام، ولكن اتصالاً هاتفياً من قارئة بيّن أن المسألة أكثر تعقيدا مما كنت أعتقد، وأكثر مدعاة للحزن على مصير هذا البلد، فالابل دخلت علينا من الجوار، الذي رفع مسؤولوه أسعار الأعلاف فيه، أو رفعوا الدعم عنها، بعد أن عرفوا حجم الهدر والسرقات لديهم، ولم يجد أصحاب الابل أمامهم حلا أسهل من سوق ماشيتهم الى الكويت ربما لثقتهم بأن حكومتها لن «تفشل بعارينهم»، ولأن في محمياتها الطبيعية الكثير من العلف، وهكذا هجمت بعارين هؤلاء، وبمشاركة مباركة من بعض رعياننا وملاك «الحلال» عندنا، مدعومين من قبل «غيارى النواب»، وكسروا اسوار المحمية ودخلوها غير عابئين بالقوانين التي تمنع ذلك، وعندما حاول البعض ايقافهم اعتدوا عليهم باليد واللسان، وعندما اشتكى هؤلاء لـ«السلطة»، طلب منهم «غض النظر»، فأشياء كالبيئة، والمحافظة عليها والمحميات مجموعة «خرابيط» لا تعني للمعتدي، وربما من وافق على الاعتداء، شيئا، والابل بالتالي أولى بالعناية والرعاية!
وحيث أن المحميات محمياتنا ونحن أولى بأعشابها وزهورها ولحوم حيواناتها، فاننا ندعو كل محبي البر لنقل مخيماتهم في الموسم المقبل الى هذه المناطق، قبل ان تقضي عليها ابل الغير. فمن لم يبخل بحر ماله على كسب الولاءات، لن يبخل بالتضحية بكل المحميات لكسب الولاءات ذاتها. من المهم أن نبين هنا أن هذه المحميات، مثلها مثل الأسوار والحواجز والجسور والطرقات، أمور طارئة، وبالتالي لا هي من عاداتنا ولا من تقاليدنا، والتعدي عليها بعرف الكثيرين أمر مشروع تماما!

أحمد الصراف