محمد الوشيحي

تفصيل الرشاوى

هناك، في بلاد الطرطرة.. يركب الشعب الأفيال، وتركبه الحمير والبغال، ويقبض نوابها رشاوى من أموال الدولة، وتنام الدولة في الشارع على لحم بطنها، جائعة صائعة ضائعة.
والرشاوى ليست «خبط لزق»، بل محسوبة بالمليخراط.. إذا قلت «طاعة ولي الأمر» فستحصل على مئتين وخمسين ألف طرطارٍ (عملتهم الطرطار)، طرطار ينطح طرطاراً.. وإذا قدتَ مسيرة تأييد إلى بيت المسؤول فستحصل على ثلاثمئة ألف طرطار ورحلات مجانية على الهودج الملكي.. وإذا قلت «المعارضة لها أجندة خارجية» فستحصل على مئتي ألف طرطار.. أما إذا أردت أن تلعب على الثقيل فقل «رجل المرحلة» وستحصل على نصف مليون طرطار.. وهكذا، الحساب يجمع.
وفي لعبة «السنوكر» يركز المحترفون على الكرة السوداء لأنها بسبع نقاط، وفي بلاد الأفيال والبغال يركز بعض نوابهم على جملة «رجل المرحلة» لأنها بنصف مليون طرطار.
هناك.. يتحدث أحد نوابهم: «دخلت بجاكيت أبيض وسأخرج بجاكيت أبيض»، يقول ذلك وهو يرتدي جاكيتاً أسود بلون الفحم المصفى.
هناك.. تتجمع غالبية نوابهم ليلتقطوا الصور مع ولي نعمتهم، ويفعلوا كما كنا نفعل أيام الصبا المبكر وبدايات المراهقة في الصباحية، يرفعون شارة النصر مثلنا، ولم ننتصر إلا على الوهم ولم نهزم إلا العدم، أما هم فانتصروا على الشعب وهزموا الأمل.
هناك.. يعم الفساد البلاد ومصالح العباد، والفساد الداخلي أخطر من الغزو الخارجي، لذا تحتاج بلادهم إلى إعادة إعمار بعد تكديس الراشي والمرتشين والمفسدين وراء القضبان.
هناك، في بلاد الطرطرة.. سيطر الكومبارس على المشهد وانزوى العباقرة.
هناك.. الفساد ليس في الرشوة فقط، بل في التعيينات والصفقات وخذ وهات، فالذي لا يتقن صنع القهوة أسندت إليه مهمة إدارة المطبخ العام، والذي لا يعرف الفرق بين الإبرة والدبوس تولى مهمة الخياطة، واللص تولى الحراسة، والكذابون تولوا الخطابة وإصدار الفتاوى، فأفتى مفتيهم ذات جشع: «نظام الدوائر حرام»، لأنه يخالف رغبة المسؤول، لكنه صمتَ صمت الغريق عن انتشار الرشاوى في البرلمان.
هناك.. رقاب الناس كلها ملتفتة إلى القضاء، والشعب يرفع أيديه بالدعاء كما تدعو الأم لوحيدها: «اللهم إنك تعلم أنه لم يبق لي إلا هو فوفقه واحمه وانصره وسدد خطاه».
هناك، في بلاد الطرطرة.. ما لم يتداركها أبناؤها، ستتهدم الجدران والحوائط والقصور، وتملأ الغربان السماء، وتتساقط الأزهار، ويرتفع الدخان، ويسود اللون الأشهب، ويهاجر غالبية المترفين إلى بلاد السكسونيا…
وكما أن الشعب الصومالي يموت اليوم جوعاً، وهو في أكثر الأراضي خصوبة، سيجوع شعب بلاد الطرطرة، عما قريب، بعد أن تفرغ خزائنه ويتناهب أمواله «الحكماء ورجال المرحلة واللعاقون».

حسن العيسى

إسبارطيو الخليج

جاء في صفحة المحرر الأمني بـ«القبس» في عدد أمس مانشيت داخلي عنون بـ«حقوق البدون بعضها نفذ… والبقية حبر على ورق». بقراءة الموضوع يظهر أن العنوان غير متطابق مع صلب الموضوع، كلمة «حقوق» هنا غير موفقة، فهذه الكلمة تعنى أنه يمكن لصاحب الحق، حسب القوانين السارية وليس فقط حسب القانون الطبيعي – يمكن أن يقتَضي حقه جبراً باللجوء إلى القضاء، وهذا غير ممكن لحالات «البدون»، فاللجنة التنفيذية لأوضاع «البدون» هي الخصم وهي الحكم، ولا يمكن للإنسان «البدون» أن يحتكم إلى القضاء بداية لتقرير حقه من عدمه في الجنسية بحكم قانون تنظيم القضاء الذي حرَّم على القضاء النظر في مسائل الجنسية، وتلك صورة قبيحة وفذة لجريمة إنكار العدالة، حين يُصادَر حق الفرد في اللجوء إلى القضاء.
فلنسلم جدلاً بأنها ليست حقوقاً، بل مجرد رخص وربما «صدقات» من السلطة التنفيذية للبدون، وليست «مزايا» كما جاء في التحقيق الأمني لـ«القبس». فكلمة مزايا تعني وضعاً متميزاً لفئة أو فرد ما، وهذا لا ينطبق على «البدون»، فهم من غير «حقوق» ومن باب أولى هم من دون مزايا.
«الرخص» التي قررها مجلس الوزراء للبدون (من إحصاء ٦٥ ونسلهم) مثل التعليم، والعلاج ووثائق الزواج وجوازات السفر وشهادات الميلاد والعمل والبطاقة المدنية، جُلّها، باستثناء البطاقة التموينية، وفق تحقيق «القبس»، لم يحصل عليه «بعض» البدون، و«بعض الصدقات» لم يتم تطبيقها مثل التعليم والبطاقة المدنية. كلمة «بعض» الأولى مضللة، فهي قد تفهم على أنهم «قلة»، أو عدد محدود، أو تعني أن العدد غير معروف، وعبرها (البعض) ترتاح اللجنة التنفيذية ويهنأ رياء ضمائر المسؤولين، فهم أدوا الواجب، حتى ولو كانت هناك «حالات للبعض» الذين لم يحصلوا على صدقات اللجنة!
السبب حسب التحقيق الصحافي «قيود أمنية»، فإذا كان للبدون على سبيل المثال قريب ولو من الدرجة الرابعة، مثل ابن عم له جنسية عراقية أو سعودية أو إيرانية، أو كان ذلك القريب من الجيش الشعبي أيام الاحتلال أو سافر إلى أي من هذه الدول، يحرم «البدون» هنا من صدقة عطايا مجلس الوزراء، «فالأمن» هنا له أولوية على هدر كرامة بشر، أما «لا تزر وازرة وزر أخرى» ومبدأ شخصية العقوبة، بمفهوم ألا يمتد أثر العقوبة إلى غير مرتكب الفعل المدان، فليس لهذا أو ذاك مكان في ثقافة السلطة الأمنية نحو «البدون».
أهل إسبارطة اندثروا لتقديسهم «العرق» أي صلة الدم لبناء الهوية الإسبارطية، وسحقت الإمبراطورية الرومانية المدينة الإسبارطية في ما بعد، وعاملت تلك الإمبراطورية كل مَن يقطنون في أرضها على أنهم رعايا في الدولة الرومانية. فكم «إسبارطي» لدينا في الكويت، سواء كان مسؤولاً أو غير مسؤول كمواطن عادي يحيا هاجس القلق الدائم بتبديد النعم الكويتية على هؤلاء «البدون»!

احمد الصراف

إيران شيرين خانم

تعتبر القاضية الإيرانية شيرين عبادي رمزا كبيرا، ليس فقط لنساء وطنها، بل ولنساء العالم الإسلامي، لمواقفها وتحمّلها بطش السلطة في وطنها، ولكونها المسلمة الوحيدة الفائزة بجائزة نوبل للسلام، ولجهودها في تحرير نساء بلدها من ظلم حكامه. وقد اضطرت شيرين مؤخرا، وبعد تمنع دام قرابة العقود الثلاثة، لأن تهرب من بطش الحكم المتشدد لوطنها إلى رحاب الحرية في الغرب.
ولدت شيرين، التي تعني بالفارسية، «حلو المذاق»، عام 1947 في همدان، إيران، لأستاذ في القانون التجاري. وتخرجت عام 1969 مجازة في القانون، وترأست بعدها محكمة تشريعية لتصبح أول قاضية في إيران. كان ذلك قبل الثورة، التي شاركت فيها وتجاوبت مع مطالبها، ولكنها أُجبرت بعدها على الاستقالة من منصبها المرموق، لأن الملالي عارضوا تولي «عورة» منصب القضاء. كما منعت حتى من ممارسة المحاماة، ولكن في 1993 سُمح لها بذلك، وهنا اختارت تولي الدفاع عن معارضي النظام، ومنهم داريوش فروهر وزوجته، اللذان تعرضا لاحقا للموت طعنا بالسكاكين في عهد الخميني، حدث ذلك بالرغم من أنهما كانا من المحسوبين على الثورة. وفي سنة 2000 وجه اتهام لها بتوزيع أشرطة كاسيت وفيديو تُظهر أحد المتطرفين الدينيين وهو يقر بتورطه في قضايا تعذيب. وفي سنة 2002 قامت بكتابة مسودة قانون ضد الاعتداء الجسدي، وأقرها البرلمان الإيراني تاليا. ثم فازت في 2003 بجائزة نوبل للسلام، وقيمتها 1.4 مليون دولار، لنشاطها في الدفاع عن حقوق الأطفال والنساء، وهذا جعلها موضع حسد رجال الثورة الإيرانية، حيث نددت صحف يمينية بها وبفوزها، ووصفت الأمر بأنه جزء من مؤامرة أجنبية، ودفعها الهجوم لأن تفكر جديا في الهرب من وطنها، فحكم الملالي لن يذهب من دون أن يأخذ معه أرواح الكثيرين.
وفي كتابها الجديد «القفص الذهبي»، تتطرق عبادي إلى نقد أوضاع إيران المأساوية وحكم رجال الدين الدكتاتوري. وتعليقا على أحداث سوريا، قالت إنها تعلق آمالا على التظاهرات الضخمة فيها، مؤكدة أن سقوط النظام العربي الأكثر قربا لطهران سيوجّه رسالة قوية لبلادها. وصرّحت في واشنطن بأن الديموقراطية في الدول الإسلامية والعربية، وعلى الأخص سوريا، ستؤثر بالطبع في طريقة ممارسة الديموقراطية في إيران. وقالت إن حوالي %20 من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، وتساءلت: أليس الأجدر بحكام إيران إطعام جياع الوطن بدلا من الاهتمام بمشاكل الدول الأخرى وإرسال أسلحة للمعارضة في الصومال مثلا، وإذكاء نار الحرب الأهلية فيها؟ وليقتل المسلمون بعضهم البعض» في اليمن وغيره؟!

أحمد الصراف