محمد الوشيحي

سفراؤنا الفندقيون

الله يرحمك يا عمنا وعم الروائيين العرب خيري شلبي، الله يرحمك يا مبدع شخصية «حسن أبو ضب»، ومبدع الثلاثية الملحمية «الأمالي»، الله يرحمك أيها السلس المنساب الذي اعتاد إغراقنا في بحر التفاصيل فعشقنا الغرق، وعرفنا أن في الغرق متنفساً أكثر، الله يرحمك أيها العزيز النفس الذي لم يركع أمام السلطان.
يا رحمة الله، توقفت غيمات عمنا خيري عن الإمطار، فبكت بساتين الأدب، ونزعت الفراشات ألوانها وارتدت السواد، وصمتت العصافير، وأغلقت أزهار عباد الشمس بيوتها عليها واعتزلت الضوء.
لكن عزاءنا أن الله مد في عمره إلى أن قرأ رواية «تحرير مصر» التي كُتبت في الميادين بدماء عشاق مصر… فادعوا لعمنا بالرحمة، وسارعوا إلى قراءة روايته الخالدة «وكالة عطية»، التي تجول بنا من خلالها في مدينة «دمن حور» أو «دمنهور» كما هو اسمها الحالي، إن لم تكونوا قرأتموها من قبل فتداركوا أنفسكم يرحمني ويرحمكم الله.
* * *
على من أراد قراءة «وثائق ويكيليكس» من الكويتيين أن يتأكد من صلاحية «مرارته» وإلا فستنفقع، ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
وبالطبع لم تأتِ الوثائق بجديد، فكل ما ذكرته نعرفه ونحفظه عن ظهر غيب ونسمّعه بأقدامنا اليسرى، الجديد هو أن الكلام هذه المرة أتى من الأميركان، لا من الكويتيين المؤزمين.
لكن تعالوا ننظر إلى الموضوع من الكاميرا الجانبية، لنشاهد كيف يتفانى السفراء الأميركان في أعمالهم، وكيف يرتدون عدة الغوص ليغطسوا في أعماق محيطات الدول التي يتواجدون فيها، فيتفحصوا الأسماك الملونة والشعب المرجانية ووو، ويحصلوا على عينات من تربة القاع يرسلونها إلى مختبراتهم، ويعملوا بلا كلل ولا ملل.
وهنا ينبت سؤال: هذا ما فعله سفراء الأميركان، فماذا عن سفرائنا؟ «أجزم ذراعي» أن غالبية سفرائنا لا يعرفون أسماء أعضاء حكومات الدول التي يعملون فيها، دع عنك أسماء المعارضة وتشكيلات الأحزاب وتاريخها، وأحلق ذقني بسكين المطبخ لو كان بعضهم ملماً بثقافة الشعب الذي يعيش معه، أو كان يعرف أسماء أدبائه ورموزه التاريخية.
السفراء عندنا، في الغالب الأعم، مثل المحافظين، يتم تعيينهم من باب «التكريم»، بشرط أن يحفظ السفير عن ظهر قهر الجملة الباردة الباهتة الشاحبة: «الدولتان ترتبطان بروابط متينة»، وسلامتك وتعيش. لا يخرجون على فضائيات الدول التي يعملون فيها، ولا يشاركون في المنتديات، ولا يطلقون ضحكة ولا يذرفون دمعة، باستثناء قلة قليلة منهم، لعل الفريق علي المؤمن أحدهم.
سفراؤنا يبدعون في أمرين لا ثالث لهما، احتفالات الأعياد الوطنية و«القرقيعان»، والشهادة لله أنهم «عند وجهك» في هذا الأمر، أما الأمر الثاني فعندما يخرجون متراكضين، على رأي غسان كنفاني، لاستقبال بعض كبار التجار ومناديبهم، ويفرحون بمقدم التاجر ولا فرحة الإبل بـ«حنّة الرعد» و«لمعة البرق».
وفي انتظار العيد أو أي مناسبة وطنية، وفي انتظار زيارة تاجر ثقيل دم ورصيد، يقضي بعض سفرائنا أوقاتهم في التأمل في وجوه المارة، أو أجسادهم، على أحواض السباحة وفي ردهات الفنادق الفاخرة… ولا ندري «لمن تُقرع الأجراس»، بالإذن من همنغواي.

سامي النصف

أراضي العرب قصعة الأمم

إبان هوجة الخمسينيات والستينيات أساءت أنظمة العسكرتاريا العربية للدول المجاورة والشقيقة كإيران وتركيا والحبشة وباكستان وحتى اسرائيل واستخدمت التاريخ بشكل خاطئ لافتعال المشاكل معها كما حاربت حلف بغداد الذي ضم اغلب الدول الاسلامية في المنطقة وكان سيمنع الحروب والهزائم والاحتلالات التي تعرضت لها الاراضي العربية في وقت لاحق.

 

أعلن العميد محمد حسن نامي رئيس المؤسسة الجغرافية العسكرية الايرانية قبل ايام ان مساحة بلاده قد زادت بمقدار 220 الف كم2 اي من مليون و650 الف كم2 الى مليون و870 الف كم2، ولا يعرف عن الجارة العزيزة ايران قيامها بتبليط البحر كحال هولندا لذا نرجو من بعض الاحزاب والنواب في العراق الشقيق وخاصة من يرى القشة في عين الكويت ولا يرى الخشبة في عين جيرانهم الآخرين ان يشرحوا لشعبهم ـ لا شعبنا ـ من اين اتت تلك المساحة الاضافية ومعها ماذا حدث لمياه شط العرب العراقية العذبة الأفضل مذاقا وفائدة من مياه خور عبدالله المالحة؟ العراق الشقيق بأرضه ومياهه بات جائزة لاحدى دول المنطقة التي مازالت انظارها مسلطة على الضفة الغربية للخليج الفارسي ـ العربي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 

مع زيادة كميات القتل والقمع والإبادة في محافظات ومدن وارياف الشمال السوري كحمص وحماة وحلب وادلب وجسر الشغور وغيرها والتي يصورها ويبثها للعلن ـ ياللعجب ـ من يقوم بها، وفي ظل وجود حكومة اسلامية ـ لاطورانية ـ في انقرة بات الطريق ممهدا، طال الزمن او قصر، لقبول سكان تلك المناطق ذات الاكثرية الاسلامية السنية لعمليات تدخل وضم للجارة العزيزة تركيا التي تنبأ المفكر الاميركي الشهير د.جورج فريدمان في كتابه «المائة سنة القادمة» بأن تمتد حدودها لتشمل كثيرا من الدول العربية الحالية وأولاها سورية قبيل منتصف القرن الحالي ضمن إعادة رسم خرائط المنطقة وخلق امبراطوريات جديدة تتصارع على ارض العرب.

 

في العزيزة مصر تتعالى اصوات «المخلصين» الداعين لإرسال قوات عسكرية لشبه جزيرة سيناء مما يلغي كأمر واقع اتفاقية السلام الموقعة في كامب ديفيد ويمهد لحرب سريعة، تضم اسرائيل بعدها ما تعتبره ارضها التاريخية، والثالثة كما يقال ثابتة، اما الجارة العزيزة الحبشة فقد تكتفي بالتوسع على حساب المياه لا الاراضي مما سيجعل اغلب ما تبقى من اراضي السودان ومصر صحارى لا قيمة لها.. الربيع العربي لن يبقى ربيعا دائما بل سيتلوه صيف حارق وبعده خريف مدمر لأمة لم تحسن التعامل مع جيرانها فحولتهم بسبب الغوغاء من أشقاء واصدقاء الى اعداء!

 

آخر محطة:

بعد انفصال الجنوب السوداني بات الطريق مفتوحا لانفصال بقية الاطراف وتحول السودان الى يوغسلافيا جديدة.. ألا ليت الاستعمار الذي ضم السودان بأكمله لمصر يعود يوما فنخبره بما فعل البشير والنميري، وقبلهما.. عبدالناصر.. بسلة الغذاء العربي!

حسن العيسى

في الذكرى العاشرة

إذا لم يكن تحرير الكويت عام 91 سبب انقلاب وحش «القاعدة» على خالقه «فرانكشتين» الأميركي، فقد كان المناسبة كي تعلن القاعدة عداءها لصانعها وحلفائه، وكانت جريمة 11 سبتمبر 2001 على مركز التجارة الدولية والبنتاغون في نيويورك أظهر تجليات العداء، فقد سبق تلك الجريمة البشعة محاولة تفجير مركز التجارة عام 93 والاعتداء على مدمرة سفن أميركية في اليمن «التعيس»، بعدها تمت محاولة تفجير  السفارة الأميركية بكينيا.
فقد أسامة بن لادن ما تبقى من عقله حين دخلت القوات الأميركية المملكة العربية السعودية، وتوهم بخبله الأصولي أن أقدام الجنود الأميركان ستدنس أرض الحرمين، وعرض أن يتولى تنظيمه من الأفغان العرب مهمة تحرير الكويت، ويمكننا أن نتصور حدوث التحرير، لكن بعد عشرة آلاف سنة من النضال مع جيوش أم المعارك.
يمكن عد جريمة 11 سبتمبر على أنها أبشع جرائم العصر الحديث حين لم يفرق الإرهابيون في أهدافهم بين المدنيين والعسكريين، فذبحهم كلهم «حلال» حسب الثقافة الدينية التي ترعرع عليها بن لادن ورفاقه، ووجد فيهم الغرب، أيام الحرب الباردة، أعظم أغبياء في التاريخ ليكونوا عونه ضد الملاحدة السوفيات الذين كانوا في أفغانستان بطلب من حكومتها في ذلك الوقت.
لم يكن في بشاعة تلك الجريمة وأكثر منها غير «هولوكوست» (المحرقة) لليهود في ألمانيا في الحرب الكونية الثانية، ثم تشريد الشعب الفلسطيني وطرده من أرضه من قبل ضحايا الأمس اليهود.
جريمة 11 سبتمبر مهدت الأرض لسيادة اليمين الجديد، فنهض رفاق الراحل «ريغان» مثل بيرل (أمير الظلام) وولفوتز وغيرهما ليعلنوا ما ينبغي أن تكون عليه السياسة الأميركية في تقسيم العالم إما معنا أو ضدنا، وإن ضرورات الحرب على الإرهاب تملي نشر مبادئ الديمقراطية ولو بالقوة، وكان العراق أرض التجربة الخصبة لها كما تصوروا!
ورسخت كونداليزا رايس سياسة التخلص من الأنظمة التسلطية ونشر الديمقراطية بدولنا، فهذا، عندها، أجدى للمصلحة الأميركية، لكن على أرض الواقع  ومع ارتفاع تكلفة تلك الحروب الممتدة في أفغانستان والعراق كان لابد، في ما بعد، من «تعديل» إخراج فيلم مذهب «نشر» الديمقراطية والحريات بما يتوافق طبعاً مع  المصالح  الغربية والأميركية، وهذا حكم السياسة وليس حكم الأخلاق والمبادئ  السامية.
ولم يعد ذلك الشعار القائل «طالما ظل أنبوب النفط يضخ فلا شأن لنا مع النظام الحاكم مطلقاً»، وإنما يصبح انتقائياً، فما لا يمكن السكوت عنه في ليبيا، يمكن غض الطرف عنه في أماكن أخرى في دولنا، وتم في ما بعد إدخال تعديلات على فلسفة مثلث الشيطان وأدبيات «لماذا يكرهوننا»، أو «ما على العرب غير لوم أنفسهم» وهو ما كتبه الأميركي اللبناني فؤاد عجمي.
ماذا سيكون عليه الحال بعد اليوم، الذي نشهد فيه ربيع العالم العربي وترافقه أزمة اقتصادية تجتاح أوروبا وأميركا تكاد تنفخ الروح في كارل ماركس، وليست مجرد دعوات لإحياء الكينزية في عدم ترك القطاع الخاص يفعل ما يشاء حين استغل وشوه فكر رب الاقتصاد الكلاسيكي آدم سميث؟
ليست هي تمردات وثورات «كرامة» فقط كما في دولنا العربية، وإنما هي شرارات افتقار الطبقة الوسطى وضريبة غالية تدفعها تلك الطبقة بينما «النخب» المالية تحيا في بحبوحة ورغد العيش! ماذا عنا في دول الخليج وماذا سنفعل غير تكرار عبارات مثل «وين رايحين المعازيب احنا وياهم» و»نحن بخير طالما أسعار ذهبنا الأسود بعافية وألف خير»؟!
11 سبتمبر 2001 قد يكون بداية لانقلاب تاريخي لا نعرف فك رموزه، فلنكن على حذر من الغد القادم، ولنخطط لأسوأ الفروض، فالأمور لا تسير دائما على البركة كما يتوهم الكبار.

احمد الصراف

الخوف من الظلام الإيراني (3-2)

لا أعرف من شعراء ايران الكبار غير سعدي وحافظ وفردوسي، وعمر الخيام. وبخلاف الأخير لا تتعدى معرفتي بالآخرين الاسم فقط، فلا شيء عن تاريخهم ولا اشعارهم ولا حتى اتجاهاتهم الفكرية، وبالأمس فقط، بسبب سياسة التجهيل بالآخر المتعمدة، وخصوصا «المختلف» عنا، اكتشفت أن في ايران شاعرا كبيرا، هو بهار، (1884-1951)، ويلقب بملك شعرائها، ويعتبره البعض بمنزلة شوقي أو المتنبي، عند العرب، وان بصورة عصرية، ومع هذا لم أسمع به في حياتي، و لم أعلم عنه شيئا، وهو الذي احتفلت بعض دول آسيا، السوفيتية السابقة، وليس ايران، بذكرى ميلاده الـ125!.
يعتبر بهار من سياسيي ايران الحديثة ومثقفيها، وله نصوص أجنبية ونشاط صحفي، وبالرغم من أنه عاش في القرن العشرين فان اشعاره تتسم بتقليدية واضحة. تتلمذ بهار على يد والده مجمد كاظم صبوري، رجل الدين والشاعر في بلاط مظفر الدين الذي منحه لقب «ملك الشعراء». كان بهار يتقن التحدث والكتابة بالعربية، وأتقن الفرنسية في سن مبكرة، وعندما كان في الـ 18، وهي السن التي تيتم فيها، تحول لرجل دين ووضع قصيدة مطولة بالفارسية أهداها لمظفر شاه فأعجب بها ومنحه لقب «ملك الشعراء» وهو لم يتجاوز الــ 19، ولكن مع بدء شرارة الثورة الدستورية (1906-1911) تخلى بهار عن لقبه ولحق بالثورة التي طالبت بالديموقراطية وببرلمان، وأصبح انشط أعضاء الثورة في مدينة مشهد، مسقط رأسه، التي أسس فيها صحيفتي خراسان وتازه بهار، وطالب من خلالهما باجراء اصلاحات سياسية وادارية شاملة وبدستور حديث، وعندما نجحت الثورة في مساعيها انتخب بهار لمرات عدة عضوا في البرلمان. وفي عام 1918، في عهد آخر ملوك الأسرة القاجارية، أعاد بهار تشكيل حياته وتخلى عن مهمته كرجل دين، وأصبح شخصا جديدا منفتحا، وساهم مع آخرين في الانفتاح على الأدب والثقافة الغربية. وفي عام 1934، افتتحت جامعة طهران، فأصبح استاذا للآداب فيها. وخلال حكم رضا شاه، والد آخر شاه لايران، عمل بهار لفترة وزيرا للثقافة والتعليم، واصيب بعدها بالسل ومات عن 67 عاما، بعد ان وضع بصماته الواضحة على الأدب والثقافة الايرانيين.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

حقيقة «ويكيليكس»

عندما نشرت وثائق «ويكيليكس» للمرة الاولى قلنا، نحن في الكويت، كما قال غيرنا إنها وثائق حقيقية نشرت فضائح الدول الاخرى واسرار انظمة حاكمة ومكالمات سرية. وقلنا حينها ان الاميركان تعمدوا نشرها لاحراج هذه الدول وللضغط على هذه الانظمة.
ولكن عندما نُشرت وثائق تتعلق بالكويت وبعض رجالها وساستها، تأكدت لنا حقيقة هذه الوثائق! حيث تبين انها تقارير استخباراتية كتبها سفراء اميركا او بعض العاملين في سفاراتها، استنادا إلى ما يتناوله الناس في تلك الدول ويصل الى مسامعهم! هذا بالضبط ما اكتشفناه عندما قرأنا ما نشر عن الكويت وما جرى وما يجري فيها. فكل ما يتحدث به بعض الناس، وليس بالضرورة عموم الناس، ينقلونه في تقارير الى وزارة الخارجية الاميركية بغض النظر عن دقته وصحته،
وإلا فما معنى نشر خبر عن سحب الخرافي لمبلغ ستة ملايين دينار من احد البنوك اثناء الحملة الانتخابية غير كلام سمعوه من ضمن ما قيل اثناء هذه الحملة وبعدها، ونحن نعرف جيدا ما يصاحب الحملات من اشاعات وادعاءات واتهامات لمن نجح وتبريرات لمن لم يوفق، كما حدث مع ما تم نشره ع‍لى لساني زوراً وبهتاناً بحق الاخوين الفاضلين النائبين ضيف الله بورمية ومحمد الفجي؟ ولعل آخر صرعات «ويكيليكس» ما ذكرته عن شخصية سمو ولي العهد، ونحن نعلم في الكويت اكثر من غيرنا مدى حب الكويتيين لهذا الرجل واحترامهم له، لكنهم نشروا ما سمعوا وما لم يسمعوا في كثير من الاحوال. الآن فقط عرفنا انها وثائق تنشر كل ما يقال في الدواوين من محب ومن مبغض، من عاقل ومن مجنون، من دون التحقق من دقته او مدى واقعيته.

***
نعي فاضلين
فقد العالم الاسلامي في الاسبوع الماضي شيخين فاضلين كان لهما اثر بالغ في تأصيل مفاهيم اسلامية في المجتمع الاسلامي، وتركا ارثا كبيرا من العلم والفضل وهما الشيخان احمد بزيع الياسين وعبدالله العقيل، يرحمهما الله تعالى رحمة واسعة، وسيظل التاريخ يذكر لهما جهادهما في نشر الدعوة الاسلامية وتصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة. تعازينا لذويهما وكل محب لهما ولعموم المسلمين.